من وحــي ندوة التربيـــة والتعليــــم في عــــــدن
ندوة التراث في التربية والتعليم
نادرة عبد القدوس : لم يكن الحضور كبيراً في الندوة الثقافية التي نظمتها إدارة الأنشطة المدرسية في مكتب التربية والتعليم في محافظة عدن صباح يوم السبت ـ 21 مارس المتوافق مع احتفائنا بعيد الأم ، تحت شعار « اليمن .. التاريخ والحضارة »، بل إن الندوة والمعرض نظما عن قصد احتفاءً بهذه المناسبة الجميلة ، التي يحرّمها بعض الجهلاء اعتقاداً منهم أنها مناسبة غربية ، بينما هي عربية خالصة جاءت من مصر العربية ولها حكاية سنتطرق إليها في يوم آخر بإذن الله . كما أشرنا سلفاً فإن الحضور إلى هذه الندوة لم يكن كبيراً ، ويبدو أن الكثير من التربويين ، تحديداً ، لا يعنيهم التراث ولا قصص الأولين ولا أخبار الماضي (قصص وحكايات الأجداد ) وهي الأصل والأصالة ، بل إن القرآن الكريم مفعم بقصص الأوائل وأخبارهم التي تحمل الوعظ والدروس القيّمة والحكمة . وللأسف حتى قيادات مكاتب التربية في المحافظة والمديريات تغيبوا عن الحضور والمشاركة واكتفوا بحضور جلسة الافتتاح فقط وكأنهم بهذا قد أدوا واجباً مفروضاً عليهم ، وكان عليهم على الأقل مجاملة زميلاتهم من النساء اللاتي قمن بإعداد أوراق عن المأثورات الشعبية . أقول ذلك لأن ما شاهدته من تجاهل لموضوع الندوة الثقافية حزّ في نفسي ، ويبدو أن الأخت جميلة المطري مدير عام إدارة الأنشطة المدرسية في مكتب التربية في المحافظة بذلت جهوداً جبارة في الإعداد للمعرض والندوة ، وكنت قرأت ورقة العمل التي أعدتها باقتدار وأجزم أنها ستفيد أي باحث وطالب علم في الأمثلة الشعبية ، وكذلك فعلت غيرها من الأخوات ممثلات مكاتب التربية في المديريات اللاتي قدمن أوراقهن حول الموضوع ذاته . لقد جاءت الندوة في الوقت الذي نجد أنفسنا محاصرين بين مطرقة العولمة وسندان التطور العلمي المتلاحق في تكنولوجيا الاتصال الرقمي ، حيث الفضاءات المفتوحة للأقمار الصناعية والأطباق اللاقطة لكل ما تبثه القنوات الفضائية وأجهزة الحاسوب والهواتف المتنقلة أو المحمولة. فأضحى التراث مهدداً بالتلاشي والاندثار إذا لم ننهض جميعاً لحمايته والحفاظ على هويتنا الثقافية . وتتحمل وزارة التربية والتعليم بدرجة أساسية هذه المسؤولية كونها الجهة الأولى المناط بها تربية وتعليم النشء منذ الحضانة والروضة ، وعليها يجب تأهيل المربين للقيام بدورهم التربوي الوطني تجاه أجيال المستقبل ، وأن تعود إلى المناهج التعليمية المواد التي سادت ثم بادت ، كالرسم والأشغال اليدوية والرياضة والموسيقى ، وكذلك نوصي بضرورة عودة الفترات الأريحية للأطفال وطلاب المدارس في التعليم الأساسي والثانوي التي يتم فيها تنظيم الرحلات البحرية أو الاستكشافية إلى الجبال أو إلى المتاحف الشعبية ، ونتذكر كلنا نحن جيل الستينيات والسبعينيات كيف كانت إدارات المدارس تنظم مثل هذه الرحلات التي كانت تساعدنا كثيراً على الترويح عن النفس بعد أيام تعليمية ، واستعادة قدراتنا الذهنية والجسدية ، إضافة إلى التعرف على معالم مدينتنا وتراثها. يُعد التراث الشعبي شكلاً من أشكال الهوية الوطنية للشعوب ويعبر عنها شفاهة أو كتابةً أو من خلال حركة الجسد المعروفة بالرقص الشعبي ، وتشويهه أو تحريفه يمكن أن يؤدي إلى طمس أو تشويه هذه الهوية ، ويؤثر ذلك سلباً في التماسك الاجتماعي والسياسي . لذلك تسن القوانين في الدول المختلفة لحمايته والذود عنه ، وكذلك من خلال أرشفته وتوثيقه . أما في شأن الحماية الدولية للفلكلور، فهنالك جهود تبذل من قبل المنظمة العالمية للملكية الفكرية الويبو (wipo) بالإضافة إلى جهود المنظمة العالمية للتربية والعلوم والثقافة (UNESCO) حيث أصدرت هاتان المنظمتان في إطار تعاونها بشأن حماية الفولكلور نموذجا ـ خاصا ـ للتشريع الوطني لحماية الفولكلور في عام 1982م، كما أن جهد الويبو واليونسكو لم يتوقف بصدور هذا النموذج، بل تعداه إلى محاولة تقرير حماية دولية فعالة للفلكلور بأنواعه. والفلكلورمصطلح ابتكره العالم الاسكتلندي ويليام جون تومس في عام 1846 م ، أعقبه إنشاء الجمعية الفلكلورية الإنجليزية في لندن عام 1878 ، بغرض إرساء دعائم علمية هدفها إعادة بناء وجهة نظر لعالم ما قبل التاريخ الثقافي البدائي من خلال فلكلور ومعتقدات الفلاحين المعاصرين ـ من ابتكارات الشعوب التي ارتبطت بالبيئة التي عاشت بها ونتج عن ذلك الشعر والقصص، والأهازيج ، تحولت مع مرور الزمن إلى تراث ، كذلك بالنسبة للمهن والحرف المختلفة التي تحولت أيضا مع الزمن إلى حرف يدوية شعبية، كصناعة الفخار والحفر على الخشب والحديد وصناعة الأنسجة والأقمشة والملابس الشعبية، وأشكال الزخرفة بأنواعها والتصاميم المعمارية المنبثقة عن البيئة، والمعارف التقليدية مثل الممارسات الطبية الشعبية وأشكال الزراعة والري التقليدية، وأساليب التعليم القديمة مثل: الكتاتيب واستخدام الألواح في الكتابة عليها ، وأتذكر عندما كنا صغاراً كيف كنا نعتز بألواحنا السوداء المستطيلة ذات الإطار الخشبي حيث كنا نستخدمها في الكتاب ( المعلامة ) للكتابة والرسم عليها باستخدام قلم بشكل قضيب حجري رفيع خاص بها. تتسع الهوة بين البلدان المتقدمة والبلدان المتخلفة في مجالات شتى ، وأبرزها مجالات الاتصال والمعلومات الرقمية والتي تشهد كل ثانية تطورات تجعلنا ، نحن المتخلفين ، نجد صعوبة بالغة في مواكبتها أو ملاحقتها ، وكيف لنا ذلك ونحن قوم مستهلكون للإفرازات العلمية الغربية ، ننتظر ما تصدّره لنا الدول الأوروبية والغربية من ابتكارات علمية ومواد غذائية معلبة نجدها في بعض الأحيان لا تصلح للاستخدام الآدمي ، دون أن نسأل أنفسنا لماذا هذا التخلف وهذه الاتكالية على الاخرين؟ ولماذا نسمح لأنفسنا أن نعيش أبد الدهر بين الحفر ، كما قالها الشاعر العربي الجميل أبو القاسم الشابي منذ عقود طويلة؟! والمضحك المبكي أن يبرز من بين ظهرانينا أناس جهلاء يفتون بتحريم التعامل مع الصناعات الغربية والأوروبية منها التلفاز والكمبيوتر والإنترنت والهاتف النقال وقيادة المرأة للسيارة إلخ .. من المهازل ، ولمنع التعامل مع الغرب يقومون بنشر فتاوى إجرامية بين أوساط الشباب والمراهقين والأطفال بتحليل تفجير أنفسهم لقتل هؤلاء الكفار، كما يزعمون ، كنوع من الجهاد في سبيل الله !! ولم يفتِ أحد منهم أن الجهاد في سبيل الله في منافسة هؤلاء الكفار ، كما يصفونهم ، بالتعليم وامتلاك سلاح العلم الذي به تتطور الأوطان والشعوب فيزيدهم الله من خيراته ويبارك لهم في نعمه ويباهي بهم يوم القيامة ، لكنهم رضوا بالهوان والسخرية منا كمسلمين وعرب ، وهاهي تتداعى الأمم علينا كما تتداعى الأكلة على قصعتها والبركة في الجهل والغباء.