فن القصة .. تقنيات متقدمة ومسارات عدة
شفاء منصرللقصة القصيرة حضور طاغ في الامسيات الادبية وعلى صفحات الجرائد والمجلات ومواقع الانترنت كما ان لها بهاءً خاصاً يجتذب قلوب وعقول القراء الذين يقبلون على قراءتها اكثر من غيرها من الاجناس الادبية الاخرى ليس اقبالاً اعتباطياً ولكنه اقبال اختياري يسبقه التفكير والفهم لمفردات العصر المتسارع بوتيرة هائلة. وهم من ذلك المنطلق يفهمون ان ذلك الجنس الادبي الحديث يلائم متغيرات المرحلة الراهنة فمئات المجلات والصحف تنشر كل يوم مئات القصص بحكم انها لاتأخذ حيزاً كبيراً كما تسهم مواقع الانترنت في رواج ذلك الفن على اعتبار ان السرعة غدت مظهراً من مظاهر حياة الناس الذين اصبحوا ميالون للبساطة فيما يختارون للقراءة فوجدوا ان القصة القصيرة هي ماينشدون اذ توفر لهم الوقت لانه يمكن الانتهاء من قراءتها في لحظة وجيزة وجلسة واحدة .. يعكس الرواية التي تحتاج الى وقت طويل وتتطلب ( استرخاء ذهني ونفسي) ومما لاشك فيه ان سبب غزارة انتاج هذا الفن في السنوات الاخيرة وانتشاره الملفت للنظر يعود الى ان القصة القصيرة من حيث طبيعتها قد اغرت كثيراً من الادباء الشباب والمبتدئين بكتابتها ورغم انها اصعب انواع القصص ولكن يخفق 70 على الاقل في الكتابة بها بحسب رأي الدكتور عز الدين اسماعيل " نظراً لما ترسمه من صورة سهلة على المغامرة ومظهر مخادع".ففن القصة فن مراوغ يتطلب حرفية عالية ومهارة في الامساك باللحظة المكثفة ... والوامضة لكن هنا معوقات وتحديات افرزها الحضور المجاني للقصة القصيرة كما سماه الكاتب السوري " اسد دوارة" في مقالة له على موقع الكتروني بعنوان ( تحديات القصة القصيرة) وهو موضوع لفت انتباهي يفهم منه ان ذلك الحضور المجاني للقصة لم يدفع فيه كتاب ذلك الجنس الادبي الصعب ثمن الاجادة الادبية والفهم الصائب لطبيعة القصة الذي افضى بدوره الى اعادة النظر بفن القصة القصيرة من قبل بعض النقاد بهدف تحديد هويتها اولاً واسلوبها وهدفها ثانياً على اعتبار انه من الصعب ان نجد تحديداً نهائياً لمنهج القصة القصيرة.ومع فهم اكثر عمقاً للقصة القصيرة بدأت تظهر كما يقول الكاتب ( اسد دواره) اهم خصائص هذا الفن المتمثل " بالعمق الدلالي واللغوي" الناتج اساساً في اهم العناصر الفنية وهو ( التكثيف) وهو نوع جديد من التكنيك اصبح صفة اساسية في فن القصة القصيرة.في طريقة سرد الحادثة وفي طريقة تصوير الموقف اي من استخدام اللغة القادرة على الوصول الى اعماق القارئ والتاثير عليه باقل قدر يمكن من المفردات.وهذه التقنية الجديده من كتابة القصة ادت الى بروز صعوبة هذا الفن الجديد " ورأى الناشرون الجدد انفسهم في مستنقع تصعب السباحة فيه على المبتدئين فتحول الكثير منهم الى الرواية لما تتمتع فيه من حيز اكبر واسهل على المناورة والحرية " ولكن ابرز تحد يواجهه ذلك الفن يتمثل في ابتعاد كثير من النقاد عن الخوض فيه وهو يعود كما يرى الكاتب لامرين هامين هما :اولاً : عدم رغبة النقاذ في الخوض بطريق غير واضحة المعالم.وثانياً : الاغراء الذي تقدمه الرواية كطريق سهل للشهرة عند الكثير منهم مع افتقاد فن القصة الى رواد حقيقيين مقارنة برواد الرواية والشعر اذا ما استثنينا البعض ( كزكريا تامر) ( وسهيل ادريس) و( غسان كنفاني)..وليجلو الكاتب ذلك الغموض الذي يكتنف فن القصة القصيرة وما اعتبره النقاد طريق غير واضحة المعالم يستشهد باحد رواد القصة القصيرة في ( الغرب ، روبرت لويس ستيفنسون" الذي حدد ثلاث طرق واضحة لكتابة القصة قائلاً :" قد يختار الكاتب حبكة تم يرسم الشخصيات الملائمة لها او ياخذ شخصية ويختار الاحداث والمواقف التي تتحدث عن تلك الشخصية وتنميتها او يأخذ جواً او وسطاً معيناً ويسخر الفعل والشخصيات للتعبير عنه وتجسيده" ولكن ورغم الاطار الضيق الذي تتحرك فيه القصة القصيرة مازال هناك تنوع ملحوظ في المناهج التي يتبعها كتاب هذا الفن كما يرى الكاتب عز الدين اسماعيل ومايزال كتاب القصة القصيرة يبتكرون بين الحين والاخر تقنيات متقدمة " ويتخذون مسارات عدة جديدة الى الحد الذي ادى الى شيوع القول بان كل قصة قصيرة هي تجربة جديدة في التكنيك..واذا كانت القصة القصيرة قد واجهت في ( الغرب) تهديداً حقيقياً بالانقراض في ظل تحدي الاجناس الادبية الاخرى وارتفعت الاصوات العالية من اجل انقاذها ودعم هذا الفن وكتابه فان اهم تحد يواجهه القصة القصيرة في عالمنا العربي.هو الحاجة الى الاهتمام بهذا الفن من قبل النقاد والكتاب ودعمه بقوة من خلال تقديم المراجعات النقدية الجادة له في المؤلفات والدراسات الادبية ومن خلال الصحف والمجلات..كما يقع على الكتاب انفسهم مهمة الاسهام في رسم صورة واضحة لمعالم فن القصة القصيرة .. وأتفق مع الكاتب " اسد دواره " بأن تقنيات القص التي يتبعها كتاب هذا الفن ويبتكرونها في كل مسارت القصة الجديدة والتي تضيف الى هذا الفن ثراء وتنوعاً لا تكفي وحدها بالضرورة لانتاج فن قصصي متميز بل ان وجود المادة القصصية هو العامل الاساسي الذي يبدأ منه العمل القصصي.وهو ماذكره الناقد " وبت بيرنت" في قوله :( اني لا اعتقد انك تستطيع كتابة قصة قصيرة جيدة دون ان يكون في ذاخلك قصة جيدة .. افضل ان يكون لديك شيء تقوله من غير تقنيات القصة عن ان تملك التقنيات وليس لديك شيء تقوله ".