ابوظبي/علي الزكري تحتضن دولة الإمارات العربية المتحدة نخبة كبيرة وبارزة من المفكرين والمثقفين العرب الذين صبغ وجودهم الكثيف الحياة الثقافية الإماراتية بأشكال متعددة من التنوع الثقافي العائد أساسا لتنوع البيئات والمجتمعات الثقافية القادمين منها، والتي تغطي مختلف الدول العربية. وعلى الرغم من أن تواجد هذه النخبة في الإمارات سببه الرئيسي العمل، حيث أن الغالبية العظمي منهم يقيمون في الإمارات مرتبطين بالعمل، فان عمل غالبيتهم يتركز أساسا في المجال الثقافي والإعلامي والفني، ما أتاح لهم فرصة كبيرة ليس للمساهمة في الحياة الثقافية الإماراتية فحسب، بل ولصناعة المشهد الثقافي الإماراتي بشكل عام. وكالة الانباء اليمنية " سبأ " حاولت الغوص في اغوار هذا الملف الحيوي فكانت البداية مع الدكتور عمر عبد العزيز رئيس مجلس ادارة النادي الثقافي العربي ومدير تحرير مجلة " الرافد " ومسئول التحرير في ادارة البحوث بدائرة الثقافة والاعلام بالشارقة والذي استهل حديثه لنا بالوقوف على التنوع الثقافي في الإمارات، معتبرا ان التنوع الثقافي في دولة الامارات العربية المتحدة يعد ظاهرة موضوعية تتصل بالنمو الأفقي والرأسي المحكوم باللامركزية المالية والإدارية الناجحة، تلك اللامركزية المتّصلة نسيجاً ومقاصد بالنظام الاتحادي، فالإمارات العربية المتحدة ما كان لها ان تكون علامة فارقة في الزمن العربي لولا الرشد المتعلق بالآلية اللامركزية التي تواصلت منذ إنشاء الدولة لكي تمتّن وحدة الدولة لا العكس، ومن هذه الزاوية بالذات كان لابد للازدهار الكبير في الحياة المادية ان يأخذ بعده الآخر في الحياة الثقافية الروحية، فالوعي الاجتماعي في المجتمعات البشرية انعكاس جدلي للقيم المادية، والثقافة ليست في محصلتها النهاية الا ذلك الجماع الخلاق لتلاقح العناصر المادية والروحية. وعطفاً على ما سبق سنرى ان الوعاء الاماراتي الذي اتّسع لعالمية التفاعل كان لابد له ان يتّسع ومن باب أولى لجدلية تفاعلية عربية في أفق الثقافة، وذلك استناداً الى المشتركات التاريخية والجغرافية والثقافية العربية الموصولة حصراً بالعربية والإسلام، فالهوية العربية التاريخية تنبع من تضاعيف الهوية الثقافية الواحدة، المستعصية على التجاوز والشطب رغماً عن (سايكس بيكو) وكل التشكلات القطرية السياسية والجغرافية في العالم العربي من أقصاه لأدناه. ويخلص الدكتور عمر عبد العزيز الى ان التجربة الإماراتية من أكثر التجارب احتضانا للتنوع التعبيري في الثقافة العربية، استناداً لبيئة الإمارات المؤسسية والاجتماعية الجاذبة والتي بلورت المقدمات الكفيلة لإعادة انتاج الوعي والوجود ضمن أنساق تتسع ولا تضيق. وأضاف: التنوع الثقافي العربي القائم يضيف للمحلي في الدولة ويرتقي به، خاصة إذا عرفنا أن جملة الأسئلة والهموم الثقافية والتعبيرات الإبداعية العربية تتواشج في معاييرها الحاكمة، وأسئلتها الوجودية، ومنطلقاتها الفكرية. واعتبر الدكتور عمر عبد العزيز ان الحركة الثقافية العربية الشاملة في دولة الامارات العربية المتحدة تعد رافدا فتيا من روافد الثقافة العربية. وعندما نعقد مقارنة بين الثقافي اماراتياً والثقافي عربياً فكأننا نفسر الماء بعد الجهد بالماء، والشاهد أن العربية الثقافية تتراءى أمام ناظرينا في واحديتها النسيجية التي تمتد من أقصى المغرب العربي الى أقصى مشرقه، ومن شماله الى جنوبه، متناغمة مع الجزئيات الصغيرة التي ترفد هذا النهر الزاخر بعناصر التنوع والخصوبة ولا تستطيع إلغاء جوهره الأصيل، وبالتالي فان حالة التفاعل الإبداعي القائم بين محلية الثقافة الإماراتية وعربية هذه الثقافة في ذات الوقت لا تغني عن واحدية هذه الثنائية الإجرائية، تماماً كما هو الحال في أقاليم ثقافية عربية اخرى تتجاوز حتى خارطة الجامعة العربية الى امتدادات افريقية، آسيوية، وأوروبية. والتفاعل والتواشج بين (المحلي والعربي) إماراتيا لا يلغي الخصوصية بل يرتقي بمفرداتها الى مستوى التعبير الأشمل، وهذا التنوع يرتقي بالعربية في مستويين: مستوى إغناء الخصوصية المحلية، ومستوى إغناء التعبير العربي نفسه، وعلى ذلك يمكننا ان نقرأ أبعاد المشهد. ويرى الكاتب والمسرحي والاعلامي الاماراتي مرعي الحليان أن ابرز تأثيرات المثقفين والمبدعين العرب في الساحة الثقافية الاماراتية هي انها حولتها الى ساحة ثقافية مفتوحة، تعددت فيها المدارس والاصوات والاختلافات ايضا، هذا التنوع وتجاور حتى التضادات الفكرية جعل في الساحة هدوءا من نوع خاص، ففي الساحة الثقافية في الامارات لم تنشأ لدينا صراعات فكرية حادة، لأن الساحة هيأت بشكل غير مباشر مناخا جيدا لقبول الاختلاف بمعنى قبول الآخر.الامر الآخر الذي اضافه المبدعون والمثقفون العرب هو انهم نقلوا الينا ايقاع ساحاتهم الثقافية، ايقاع منابعهم، ومن المعروف ان الثقافة تبقى منتجا محليا صرفا ينطلق الى آفاقه الرحبة تبعا لاصالته في خدمة الانسان. وذكر الحليان أنه في بداية الثمانينات عمل الشاعر الراحل محمد الماغوط في احدى الصحف المحلية مشرفا على ملحقها الثقافي، ولوجود مثقف ومبدع بمثل قامة الماغوط تكونت حوله كوكبة من شعراء شبان من الامارات مارسوا معه النبش في تفاصيل واعماق الشعر واطلقوا معه خطواتهم نحو حداثة شعرية ما زالت تأثيراتها باقية الى اليوم. وأشار إلى أن المسرحي واثق السامرائي جاء الينا في اواخر الخمسينيات واشعل اول شرارة لفن المسرح في البلاد، ثم جاءت من بعده مجموعة لا بأس بها من المسرحيين العرب ايضا ليفتحوا علينا نافذة المسرح السياسي، من خلال طرح العديد من هموم وقضايا القومية العربية واشكالاتها.. ولا يمكن اغفال المبدعين العرب والمثقفين في حضورهم وتأثيراتهم.. ولا يمكن ايضا نكران انهم جلبوا معهم شيئا من ايديولوجياتهم، وبعضا من آليات تفكير وتعامل اثرت بجانبها السلبي، لكن في النهاية لا يمكن الا الاعتراف باهمية هؤلاء المثقفين في اثرائهم للساحة الثقافية وجعل المنافسة والمناقشات اشد واحمى واثرى. وعن نظرة المثقفين الإماراتيين لهذه المسألة وعما اذا كانوا مقتنعين بهذا الوجود ويعتبرونه جزءا من الحركة الثقافية في الإمارات أم ينظرون إليه على مضض، يوضح الحليان أنه في مرحلة من المراحل خصوصا في اوائل التسعينات حينما اشتد عود المثقف المحلي وبدأت ترواده نزعة الظهور والبروز وجد ان الاخوة العرب يسدون المنافذ لتأقلمهم في الساحات الاعلامية وظهورهم على صفحاتها الثقافية وفي منابرها.. ومن هنا شعر المبدع المحلي بالذات من جيل الشباب ان هناك من يسد الطريق عليه، لكن هذا الامر لم يستمر طويلا، بل كانت كأنها مرحلة مراهقة في سنيها الاولى، وسرعان ما عاد الجميع ثانية الى خيمة واحدة، نتيجة التأثيرات السياسية وما عصف بالمنطقة في التسعينات من ارتجاجات نتيجة الزلزال الذي اصاب الثقافة العربية والفكر العربي والشخصية العربية عموما الى اليوم.. حينما حدث الانشقاق العربي منذ احداث احتلال الكويت وما تبعها، الامر الذي وجد الجميع انفسهم معه مطالبين بالدخول الى خندق واحد، فانتهت تلك الحالة ولم تعد، وعاد التناغم من جديد. ويضيف: ربما يكون هذا الكلام ورديا عن احوال الساحة الثقافية في الامارات، الا ان السؤال عن التناغم بين المثقف المحلي والعربي الوافد في الامارات يقود الى هذا السياق وهذا العموم. لكن اهم ما يقلق الساحة الثقافية في الامارات ليس في وجود المثقف العربي وانما في وجود خلل كبير في تركيبة المجتمع، حيث تسيطر ثقافة 80 بالمئة من العمالة الآسيوية على الشارع والهواء الاماراتي، وتتغلغل ثقافة هذه العمالة في شرايين المجتمع بطريقة مقلقة ومخيفة.واليوم يطالب الكثير من المواطنين من اصحاب الثقافة والفكر في الامارات بضرورة تعريب الشارع الاماراتي.. والتعريب يعني تعزيز الثقافة المحلية بمعززات عربية حفاظا على الهوية والخصوصية والعروبة قبل كل شيء. اما الشاعر والكاتب العربي علي كنعان فيقول: مناخ الحرية المتوافر في دولة الإمارات يشكل فضاء مشجعا وحافزا على العطاء بلا حدود. وأحس أن الفن التشكيلي يقف في الصدارة ويوشك أن يكون منافسا للشعر. ولأن اهتمامي الأول هو الشعر،فأنا لا أملك أن أخفي سعادتي بوجود عدد كبير من الشعراء والشاعرات، وإن اختلف مستوى الإبداع بين شاعر وآخر. ويرى كنعان أن كل تجربة جديدة في الحياة لها إيحاءاتها وتأثيراتها العميقة، سلبا وإيجابا. وهذه البيئة الجديدة، المناخ الجديد المختلف اختلافا كبيراعن بلاد الشام لا بد أن يكون مفيدا وحافزا في مجال الثقافة والإبداع معا..إنها فرصة جميلة أتاحت لي لقاء وجوه عديدة وسماع أصوات مختلفة، والجمال يكمن دائما في روعة التنوع والاختلاف. لا يمكن لي أن أغدو شاعرا خليجيا ولو عشت عشرين سنة هنا.. لأن الشعر، كما أراه، مرتبط بالطفولة ولغة الأم والينابيع الأولى. ما كتبته في اليابان، خلال سنوات عملي في جامعة طوكيو، مختلف عما كتبته في دمشق... وما كتبته في أبو ظبي مختلف جدا عما كتبته في أمكنة أخرى.والفضل الأول يعود لذلك الصرح الحضاري المدهش الذي اسمه (المجمع الثقافي) في أبو ظبي. هناك عشرات من الكتب لم يتح لي أن أطلع عليها إلا هنا، وهناك عشرات المجلات العالمية لم أسعد بتصفحها وقراءة ما يهمني منها إلا في المكتبة الوطنية داخل المجمع. ولن أتحدث هنا عن روائع الأفلام السينمائية وعشرات المعارض الفنية التي شاهدتها.
|
ثقافة
دور المثقف العربي في المشهد الثقافي الإماراتي
أخبار متعلقة