تدبر القرآن يعنى أن تدخل على كتاب الله جل وعلا بدون رأي مسبق تحاول إثباته ، بل بقلب مفتوح للهداية بالكتاب الذى هو (هدى للمتقين ) ، ثم تفهم القرآن وفق مصطلحاته ، وتتتبع كل الآيات الخاصة بالموضوع والقريبة من الموضوع ، و تتعرف على الفوارق بين ما يكون من الآيات قاعدة وما يكون تفصيلا وشرحا وما يكون استثناء، وما هو من المحكمات وما هو من المتشابهات الشارحات المفصلات للآيات المحكمات ..وفى النهاية سترى أن القرآن الكريم بناء الهي هندسي لا عوج فيه ولا اختلاف .. المهم أن تعرف (شفرة) هذا التكوين الهندسي الالهي البديع ، والشفرة ليست لغزاً ، هي ذلك المنهج الذي أشرنا اليه، وهو منهج علمي موضوعي لدراسة أي كتاب بشري . وبايجاز نقول : إن معنى الصلاة الوسطى هي الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر ، هي الصلاة التي تجعل صاحبها متقياً، هي الصلاة التي تطبق قوله تعالى ( أقيموا الصلاة ) ويكون من يصلي من (المحافظين على الصلاة ) أي يأتمر بقوله تعالى: (حافظوا على الصلوات ) .وبنفس الايجاز نقول :هناك نوعان من الصلاة حسب قبولها عند الله تعالى وحسب المقصد التشريعى منها :* صلاة مقبولة عند الله وهي الصلاة (المقامة : بضم الميم الأولى وفتح الميم الأخيرة ) أي التي أقامها صاحبها في سلوكه تقوى لله وخشية منه جل وعلا ، أوالصلاة ( المحافظ عليها : المحافظ : بضم الميم وفتح الفاء ) أي التي يحافظ صاحبها عليها بتمسكه بالطاعات و ابتعاده عن الفواحش والمنكرات.* صلاة لا يقبلها الله تعالى ، وهي الصلاة ( المضاعة : بضم الميم وفتح العين ) أي التي أضاعها صاحبها بالمعاصى والفسوق ،أو الصلاة ( المسهو عنها: المسهو : بفتح الميم وسكون السين وضم الهاء) أي التي يسهو المصلي عن الهدف من صلاته ، فيظل سادرا في فسوقه مع أدائه شكليا ومظهريا للصلاة.وعليه فان قوله تعالى:}حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ { يأمر المؤمنين بالمحافظة على الصلوات ، وشرح ذلك بأن تكون الصلاة وسطى ، أي أن الصلاة الوسطى هى التى يتم المحافظة عليها بالابتعاد عن الفحشاء والمنكر و بالالتزام بتقوى الله جل وعلا ، وهذه المحافظة على الصلاة تكون بعد وقبل تادية الصلاة ، بمعنى أن تؤثر الصلاة في سلوكك فتثمر تقوى وعملا صالحا بين الصلوات ، فلا تصلى وانت معتاد على الكذب أو مدمن للزنا أو متمسك بظلم الناس ، وأما في داخل الصلاة فلا بد أن تكون خاشعا أثناء صلاتك ،أو بالتعبير القرآني أن تقوم لله تعالى قانتا. أي أن واو العطف في قوله تعالى:}حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى { تقوم بوظيفتها في القرآن بالشرح والايضاح و التفصيل ، فالصلاة الوسطى (معطوفة عطف بيان ) على جملة ( حافظوا على الصلاة ) ، أي أن واو العطف هنا تجعل الصلاة الوسطى شارحة وموضحة لمعنى الأمر الالهي } حافظوا على الصلاة { . ثم تأتي واو العطف في بقية الآية } وقوموا لله قانتين { تزيد مع المحافظة على الصلاة أي الصلاة الوسطى أمراًِ آخر شارحاً وهو الأمر بالخشوع في تأدية الصلاة ، وأن هذا الخشوع يبدأ بلحظة التهيؤ للصلاة، والقيام لها ، والقيام فيها بعد الركوع والسجود ،في كل ذلك لا بد من القنوت والخشوع ،أي لا بد من المحافظة على الصلوات الخمس كلها بالتقوى فيما بين أداء تلك الصلوات ، ثم الخشوع أثناء تأدية تلك الصلوات.وبايجاز أكثر نقول : إن معنى }حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ { قد تم شرحه من قبل فى افتتاحية سورة (المؤمنون).وهذا يستلزم توضيحا :
فالصلاة ليست هدفاً في حد ذاتها وكذلك كل العبادات، فهي جميعاً وسائل للتقوى، يقول تعالى للبشر:} يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ.{ { البقرة 21}فالتقوى هي الهدف وسائر العبادات وسائل لتنمية مشاعر التقوى والخوف من الله. فالصيام وسيلة إلى التقوى يقول تعالى :} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ.{ {البقرة 183}. والصلاة أيضا وسيلة للتقوى، والذي يحافظ على صلاته أومن يقيم الصلاة هو الذي تنهاه صلاته عن الفحشاء والمنكر فيكون متقياً لله تعالى :} وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ{ { العنكبوت 45} أما الذي يضيع صلاته فهو ذلك المصلي الذي يقع في المعاصي. قد يكون مؤمنا ولكنه لن يكون مؤمناً من المفلحين أصحاب الجنة. لقد بدأت سورة «المؤمنون» بتحديد المؤمنين المفلحين، وجاء التحديد مرتبطا بإقامة الصلاة والخشوع فيها ليؤكد إن بعض المؤمنين وبعض من يصلي منهم لن يكون من أصحاب الجنة لأنه لم يخشع في صلاته ولم يقم بالمحافظة عليها بالتزام السلوك الحميد. يقول تعالى:} قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ{ فلم يعط القرآن الكريم صفة الفلاح لكل المؤمنين بل توالت الآيات تحدد من هم المفلحون من المؤمنين ، فقالت : } الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ { أي حين يصلي أحدهم لا بد أن يخشع في صلاته حين يناجي ربه مبتهلا له يدعوه رغبة ورهبة دون أن يسمعه أحد، ودون أن يكون هناك وسيط بينه وبين ربه جل وعلا. إنها علاقة مباشرة بينه وبين مولاه يشكو له جل وعلا ما يلاقيه في المحنة ويشكر له عند المنحة والنعمة. بعد الخشوع في الصلاة تأتي صفات أخلاقية أخرى يتصف بها المؤمن ويلتزم بها بين صلواته، هي الاعرض عن اللغو ثم التزام الزكاة أي السمو في أفعالهم والابتعاد عن الزنا ثم مراعاة العهود والأمانات وبالتزام تلك الأخلاق يكون الحفاظ الفعلي على الصلاة } وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ {.هذا هو معنى المحافظة على الصلاة. وهو نفس معنى إقامة الصلاة.وهذا يستحق تفصيلاً وتوضيحاً.[c1] معنى إقامة الصلاة والمحافظة على الصلاة[/c] التطبيق العملي لإقامة الصلاة هو الجمع بين الخشوع في الصلاة والمحافظة عليها. فالصلاة تستلزم أثناء تأديتها خشوعا كما تستلزم تقوى ومحافظة على السلوك القويم فيما بين الصلوات الخمسة. أي أن يوم المؤمن المصلى ينقسم إلى قسمين: قسم أصغر هو الدقائق التي يؤدي فيها الخمس صلوات الموزعة على أوقات اليقظة في اليوم. والقسم الأكبر هو بقية الوقت الواقع بين تـأدية الصلوات الخمس، وفي تلك الأوقات يجب المحافظة على الصلوات بالتقوى والالتزام الخلقي القويم. وهناك علاقة وثيقة بين الخشوع أثناء تأدية الصلاة والمحافظة على الصلاة بعد تأديتها بعدم الوقوع في المعاصي بين الصلوات الخمس.فالخشوع أن يِؤكد المؤمن على إخلاصه في كل كلمة يناجي بها ربه جل وعلا في صلاته خصوصاً وهو يقول في كل ركعة في الفاتحة } اهدنا الصراط المستقيم{، الخشوع هو الصدق في مخاطبة رب العزة والإخلاص التام في دعائه وعبادته. ولا يمكن أن تخشع في صلاتك بهذا الشكل وأنت تفعل الفحشاء وترتكب المعاصي بعد الصلاة وتصمم عليها أثناء الصلاة وبعدها و تصلي لربك وتقول له جل وعلا:} اهدنا الصراط المستقيم{. إذا فعلت هذه فإنما ترائي الناس ولا تخدع سوى نفسك. إقامة الصلاة هو المصطلح القرآني الذي يعنd الخشوع في الصلاة والمحافظة عليها معاً. وهذا يؤكد أن الصلاة مجرد وسيلة لغاية أسمى هي التقوى، أو الابتعاد عن الفحشاء والمنكر. على هذا الأساس نستطيع أن نقرأ معا الآيات الأولى من سورة المؤمنون في ضوء ما سبق قوله عن الصلاة ، الخشوع فيها والمحافظة عليها.} قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لآمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ{{المؤمنون 9-1}وتكرر ذلك المعنى وفى سورة المعارج {22-34}.ومن أجل ذلك تقول الآية توضح معنى إضاعة الصلاة عند الخلف الذي جاء بعد الأنبياء }فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئًا { {مريم59 - 60}هم أضاعوا الصلاة حين اتبعوا الشهوات والمعاصي ومن تاب منهم وآمن إيمانا حقيقيا وعمل صالحا أصبح محافظا على صلاته غير مضيع لها واستحق بذلك دخول الجنة. ينطبق هذا على الخلف الماضين كما ينطبق علينا الذين خلفنا اللاحقين، ولذلك ذكر الله تعالى لنا هذه الحقائق في آخر رسالة سماوية كي نعتبر ونهتدي.في اللغة العربية والمصطلح القرآني تجد مفهوم « قام على الشيء» بمعنى حافظ عليه ورعاه. الله تعالى وصف ذاته باسم من أسمائه الحسنى هو « القيوم» الذي لا تدركه سنة ولا نوم:} اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ{ {البقرة 255 }.الآية الكريمة تشرح معنى القيوم، أي القائم على كل شيء ولا يغفل عن شيء، ويصف تعالى ذاته كقيوم يحفظ أعمال كل إنسان وأقواله ليحاسبه عليها يوم القيامة:} أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ { {الرعد 33} القيوم هنا بمعنى الذي يحفظ أعمال كل إنسان، يتم ذلك عن طريق ملائكة الحفظ }لَه مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ{ {الرعد 11 } }وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ{ {الانفطار 10 -} {أيضا سورة ق :16 -}.لذلك يأمرنا ربنا جل وعلا أن نكون ( قوامين بالقسط ) أي قائمين على رعاية العدل والقسط:} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلَّهِ { {النساء 135}.
ولأن العرب في الجاهلية وقريش في عهد النبوة كانت تصلى وتعرف الصلاة ولكن لا تقيم الصلاة لذا نزلت الأوامر لهم في مكة بإقامة الصلاة، أي بالمحافظة عليها بعدم الوقوع في الشرك والمعاصي والخشوع أثناء تأديتها. على سبيل المثال جاء الأمر بإقامة الصلاة في الفترة المكية في السور الآتية {فاطر 18 ، 29 }{ الشورى 38}{الروم 31}.لم تعلمهم الصلاة لأنهم كانوا فعلا يعرفونها ويؤدونها. أمرتهم فقط بفعل ما لم يكونوا يفعلون وهو إقامة الصلاة بالخشوع فيها والمحافظة عليها لكي تقوم الصلاة بدورها في سمو السلوك الخلقي وتهذيبه. وجاء فى القرآن أمثلة على صلاتهم غير المقبولة التى ضيعوها بنسيان الهدف من الصلاة وهو التقوى فقال تعالى: }أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ ؟ فذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ ،وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ ، فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ، الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ، وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ{ { سورة الماعون}. فأولئك الذين كانوا يصلّون وصفهم الله تعالى بأنهم كانوا يسهون عن صلاتهم لأنهم كانوا يكذبون بالقرآن الكريم وينهرون اليتيم ويظلمونه ولا يهتمون بالجوعى المساكين ، ومع ذلك يؤدون الصلاة مراءاة مع تمسكهم بمنع الخير عن الناس .وعلى نفس الملة يسير الدين السني الآن حيث جعل الصلاة هدفاً في حد ذاتها فاذا أدى أحدهم صلاته فقد ضمن الجنة مهما فعل ، أى صارت تأدية الصلوات مشجعاً على الفسوق وليست حائلاً يمنع السقوط .. وبذلك كرر عصرنا وأسلاف عصرنا نفس سيرة القرشيين الذين أضاعوا ملة ابراهيم بتأدية صلاة حركية خالية من التقوى فأصبحت حركات السجود والركوع والقيام مجرد حركات تخلو من مضمون التقوى ، أو بالتعبير القرآني الرائع: }مكاء وتصدية { أي حركات من اللهو واللعب ، يقول تعالى: }وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاء وَتَصْدِيَةً{ { الأنفال 35 } .وبهذه الصلاة غير المقبولة جعلوا المساجد في مكة معابد للشرك ومقابر للأولياء المقدسين ، يرفعون لهم التقديس ويطلبون المدد والعون و الشفاعة فأكد لهم رب العزة أن المساجد يجب أن تكون لله تعالى وحده فلا يدعو فيها احد إلا الله وحده ، وأخبر رب العزة أنه عندما قام خاتم النبيين يدعوهم الى اخلاص العبادة لله تعالى وحده وأن تكون المساجد لذكره وحده وتعظيمه جل وعلا وحده تكالبت عليه قريش وكادوا يفتكون به ، بالضبط كما لو قمت تقول نفس الكلام في مسجد الحسين أو مسجد السيدة زينب أو السيد البدوي . إقرأ قوله تعالى :}وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا،وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا،قلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا، قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا، قُلْ إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا، إِلا بَلاغًا مِّنَ اللَّهِ وَرِسَالاتِهِ{{الجن 18 ـ }.وبعد الهجرة الى المدينة بقى في مكة بعض المسلمين العاجزين عن الهجرة ، فمنعهم الملأ القرشى من دخول المساجد ، فقال تعالى :}وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَـئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَآئِفِينَ لهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ{ {البقرة 104 } وهو نفس ما يفعله السنيون مع أهل القرآن اليوم ..أي أولئك هم الذين يؤدون الصلاة غير المقبولة لأنها مجرد تأدية حركية مع وقوعهم في الشرك العقيدي (بالاعتقاد وتقديس غير الله جل وعلا ) ووقوعهم في الشرك السلوكى بالاجرام والظلم والاعتداء على الآخرين ..أما الذي يؤدي الصلاة المقبولة أو (الصلاة الوسطى ) فهو الذي يتقي الله تعالى بعد الصلاة وقبلها ، والذي يخشع لله تعالى حين الركوع و السجود والقيام في الصلاة ..هو الذي (يحافظ ) على صلاته ، وهو الذي (يقيم ) صلاته بالتقوى .ووصف الصلاة المقبولة بـ (الوسطى ) من روائع النظم القرآني ..[c1]دلالة الوسطية فى (الصلاة الوسطى ) [/c]في المصطلح القرآني فالوسط هو الأفضل.جاء هذا وصفا لأفضل طعام يقدمه المؤمن فى الكفارة ، يقول تعالى: } لا يؤاخذكم الله باللغو في ايمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان فكفارته اطعام عشرة مساكين من اوسط ما تطعمون اهليكم{ {المائدة 89 } فقوله تعالى :
}من اوسط ما تطعمون اهليكم { يعني أن نقدم كفارة اليمين الطعام من أفضل الطعام الذي نأكله ، وليس الفضلات و الزبالة وبواقي الطعام ، ويؤيد ذلك في نفس التشريع قوله تعالى عن الصدقة بالطعام :}وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا{{ الانسان 8 } أي يطعمون من أحب الطعام اليهم المسكين و اليتيم والأسير .وهذا جزء من تشريع عام يؤكد ى أن يكون الانفاق في سبيل الله تعالى من أفضل شىء نحبه حتى يكون المؤمن من الأبرار، ويقول تعالى : }لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون{{ آل عمران 92 }.و يقو ل تعالى:}يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ{ { البقرة 267}. فالمستفاد هنا ان وصف (الوسط ) يفيد الأفضل . والأفضلية ينالها المؤمنون بالتمسك بأوامر الله تعالى حتى يكونوا خير أمة أخرجها الله تعالى للناس :}كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ{ { آل عمران 110} على نحو ما فصّلناه في مقال ( الصحابة ك هل كانوا خير أمة أخرجت للناس ؟)ولو حقق المسلمون أوامر ربهم لكانوا خير أمة أخرجها للناس ، ولاستحقوا أن يكونوا الأفضل ، أو بالتعبير القرآني أن يكونوا (أمة وسطا ) كما اراد الله تعالى أن يجعلهم ، يقول تعالى :} وكذلك جعلناكم امة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا { {البقرة 143 } ومن الطبيعي أن الشهادة على الناس ستكون يوم القيامة حين يقوم الأشهاد }إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأشْهَادُ يوْمَ لا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ { { غافر51}. وواجب المؤمنين في هذه الدنيا أن يكونوا أفضل أمة أو أمة وسطا لينالوا موقف الشهادة على باقي الأمم يوم القيامة . وبالتالي فإن مصطلح الوسطية هنا يعني الأفضلية . ونفس الحال فى قصة الأخوة أصحاب الحديقة الذين نقضوا عهد الله و منعوا اخراج الصدقة من حديقتهم ، يقول الله تعالى عن أحدهم يقول لاخوته : }قال اوسطهم الم اقل لكم لولا تسبحون{ { القلم 28 } أي قال أفضلهم ..واذا عرفنا أن الوسط يعني الفضل فان الصلاة الوسطى هي أفضل صلاة يؤديها المؤمن ،أي يكون خاشعاً أثناء صلاته ، ثم يحافظ على صلاته بأن يقيمها في سلوكه تقوى و عفة و عملاً صالحاً نافعاً للناس والمجتمع . وبالتالي تكون تلك الصلاة انعكاساً مضيئاً لعمله الصالح ، و(شاهدة ) لسلوكه وتصرفاته الحسنة . ومن هنا نفهم مغزى النظم اللغوى القرآني في استعمال (الصلوات) و ( الصلاة ) ، وللمرة الوحيدة تأتي الكلمتان فيآية قرآنية واحدة . فالأمربالمحافظة جاء على كل (الصلوات) أي يجب أن يحافظ على كل فريضة صلاة من الصلوات الخمس ، يحافظ عليها جميعا بالتقوى سائر يومه ، وإذا فعل ذلك فقد قام بالصلاة (الوسطى ) المقبولة عند الله تعالى.[c1]دلالة وجود الآية الكريمة في سياق تفصيلات تشريعية متنوعة [/c]-1 ومن الاعجاز القرآنى أن قوله تعالى : }حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ {قد جاء فى سياق آيات للتشريع بدأت بآية كريمة مذكور فيها تعبير الوسطية ، وهى قوله تعالى :}وكذلك جعلناكم امة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا { { البقرة 143} ثم تتابعت التشريعات وتنوعت من الاتجاه للقبلة في الصلاة والطواف حول الصفا والمروة والمحرمات في الطعام الى القصاص والوصية والصيام والحج والأهلة وتشريعات القتال في سبيل الله جل وعلا والنكاح والطلاق والعدة و المتعة والمحيض والرضاعة والنفقة وخطبة الأرملة الى أن يقول تعالى ذاكراً تعبير الوسطية :}حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ{{ البقرة 238 } ثم يستمر التشريع بعدها عن المطلقات ..-2 وليس التشريع عن الصلاة مقحماً هنا بين كل التشريعات القرآنية المتنوعة لأنها ترتبط بالتوصية بالتقوى( والتقوى هي الهدف من تأدية الصلاة ) ، والتقوى ايضا هى المقصد التشريعى من كل تشريعات القرآن الاجتماعية وفي الأحوال الشخصية ، لأن فلسفة التشريع القرآني تعتمد على تقوى المؤمن في تطبيق شرع الله تعالى وتجعل المؤمن رقيباً على نفسه فيخشى الله تعالى بالغيب، واقرأ مثلاً قوله تعالى : }وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النَّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لَّتَعْتَدُواْ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلاَ تَتَّخِذُوَاْ آيَاتِ اللّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ .{ { البقرة 231 }.فالآية الكريمة نصفها تقريباً جاء في التشريع }وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النَّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لَّتَعْتَدُواْ { وجاء نصفها الباقي في الوعظ والتذكير بالتقوى }لَّتَعْتَدُواْ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلاَ تَتَّخِذُوَاْ آيَاتِ اللّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ {. وهذا النصف الأخير من الآية هو لضمان تطبيق التشريع افضل تنفيذ بيد المؤمن المتقى . ونفس الحال مع قوله تعالى في الآية التالية من نفس السورة:}وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ { { البقرة 232} ، فالقسم الأول من الآية هو تشريع تحريم عضل الزوجة أي منعها من الزواج بعد طلاقها }وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ {، والقسم الآخر هو الوعظ حتى يمكن تطبيق ذلك التشريع }ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ {.لذلك كان منطقيا الاشارة إ لى الصلاة الوسطى أي الصلاة المقبولة عند الله تعالى لأنها هي الميزان الذي يدل على سلوك الانسان ، والمحكّ الذي يعرف به المؤمن منزلته عند ربه ،فإن أطاع تلك التشريعات كانت صلاته وسطى ومقبولة عند الله لأنها أثمرت عملاً صالحاً و سلوكاً ملتزما بطاعة شرع الله تعالى ، لذا قال تعالى بعد كل تلك التشريعات: }حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ { ليتحدث في هذا السياق الشريعي عن المحافظة على الصلاة باقامة الصلاة أو تأدية الصلاة الوسطى ، والتي تعني أن المؤمن الذي يصلي يجب أن يحافظ على صلاته ويقيمها في تنفيذه لتشريعات الرحمن اتباعاً لأوامره جل وعلا ، ومن جهة اخرى فإن صلاته غير مقبولة ذلك الذي يصلي ويعصي الله تعالى ولا يقيم شرع الله تعالى في سره وعلانيته .ولا يكتفي رب العزة بذلك بل تأتي الآية التالية لتتحدث عن نوع معين من صلاة الخوف ، عندما يخاف المصلى ضياع وقت الصلاة ، حين يكون في موقف صعب ـ كالحرب أو المطاردة ـ أو في موضع صعب يتعذر معه أداء الصلاة بكيفيتها المعروفة ، عندها له أن يؤدي الصلاة كيفما اتفق ماشياً سائراً أو راكباً في طائرة أو اتوبيس أوقطار، وبعدها في أحواله الطبيعية يصلي كالمعتاد :}فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ{ فالمهم أن تكون الصلاة (وسطى) في كل حالة عادية أو إستثنائية ، أي تثمر تقوى وعملاً صالحاً ..هذا هو التدبر القرآني في فهم (الصلاة الوسطى ) ..والله تعالى أعلم ..[c1]---------------------------------------------------------* عالم ازهري ورئيس المركز العالمي للقرآن الكريم[/c]