محمد حسين الدرزي
سلوى صنعاني فجعت لحج برمتها إنساناً وتربة برحيل الشاعر الأستاذ محمد حسين الدرزي الذي رحل عنا إثر نوبة قلبية وهو أحد رجالاتها الذين لهم عيار ثقيل في حياتها الأدبية والثقافية. رحل الأستاذ محمد بصمت دون ضجة عهدناه بها في زمن ركن فيه معظم المبدعين في زاوية الظل بينما ظلت دوائر الأضواء مسلطة على انصاف المحترفين والمدعين الانتماء إلى أهل الإبداع وحقوله المتعددة.وقد عرفته شخصياً باعتباره جاراً لي في حارة مساوى ونعم الجار...وعرفته كشعلة متقدة ذكاءاً وموهبة ونبع متدفق بالعطاء المتواصل في كافة المناسبات واللقاءات والمهرجانات الشعبية والأدبية والفنية.ومن هنا نقدر حجم تلك الخسارة الكبيرة التي لحقت بلحج وثقافتها وفنها.كان آخر لقاء لي به في منتدى مسعد مطلع العام في حوطة لحج في تلك الزاوية التي تميزت بحضوره وبشخصه وبابتسامته المرحبة حين أقبل...ومعه الأخوة أعضاء المنتدى وقدم لي زملاؤه الكثير من المعلومات المتعلقة بشعر لحج وأهله لأضيفها إلى موسوعة الشعر الغنائي التي نعمل على تكملتها..وكان ممن خطوا بأقلامهم العديد من القصائد الغنائية..وودعته في إحدى تلك الأمسيات التي كنت اتردد فيها على المنتدى ولم أدر أنها المقابلة الأخيرة التي كحلت طرفي برؤيته ولم يخطر ببالي أنني لن أراه أبداً،رحل ومواعيد قائمة وعمل لم يكتمل مشواره بعد.فالرجل لا يبدو عليه أي سيمات الرحيل..بل كان مفعماً بالنشاط والنفس التواقه إلى حب الحياة وعشق الجمال ذلك الجمال الذي يملأ وجدانه.الأستاذ الشاعر محمد حسين الدرزي الذي ينتمي إلى أسرة محافظة جداً وورعه في أمور الدين،كنت أقابله وأنا صغيرة ارتاد منزل أسرته وأقراني من الصغار،حيث كنا نتلقى أبجديات اللغة والقرآن في حضن والدته الفاضلة التي حفظ عنها أجيالاً وتعلم منها القرآن الكريم.وهو من مواليد حي مساوى الحوطة العام1946م وفي حضن مدرستها المحسنية تلقى تعليمه الابتدائي و الإعدادي...ولم يكتف بذلك فالرجل واسع الاطلاع سعيه في الحياة المعرفة،ولأن بيئة لحج متخمة بالثقافة والعلم والأدب..فقد أثرت وجدانه بمعارفها المتعددة الأنواع والمنابع،فتأصلت لديه هواية قرض الشعر منذو الصغر،وكتبه في مرحلة مبكرة من عمره إلا أنه توقف عن كتابته نزولاً عند رغبة أسرته التي اتسمت بالتزمت الديني .إلا أن ذلك لم يردعه عن التردد على مجالس الأدب والمساجلات الشعرية والجلسات الفنية وعشق القراءة والاطلاع على كتب التاريخ والأدب فاشتد عوده وصلبت قامته الثقافية.سبعة عشر عاماً كانت مسافة توقفه عن كتابة الشعر وعودته إليه.وقد شجعه على تلك العودة الجميلة التي أثرت على حياتنا الأدبية الأستاذ والفنان سعودي أحمد صالح فكانت رائعته(اختيار)التي صاغ لحنها الرائع الأستاذ سعودي أحمد صالح وهي ليست الأولى ولكنها الأبرز في باقة قصائده الغزلية ومن خلال نظمه القصيد باح بمكنون صدره في حب لحج التي تيمته عشقاً ففي قصيدة غنائية له بعنوان لحج يقول.لحج يا نغمة أصيلة[c1] *** [/c]عانقت لحنـي الأصيــللحج يا كلمة جميـلة[c1] *** [/c]تحضن المعنى الجميــلأنت مهد المعرفـة[c1] *** [/c]وانطلال الوارفة والهوى الشافي العليل وبلهجتها المحلية الغنجاء يواصل قائلاً:-أن غبت بالجسم عنّش[c1] *** [/c]ما أعتقد روحي تغيبوأنت إلهـامي ومنّش[c1] *** [/c]يستمد فنــي العجيبلحج يا مرتع صبـاي[c1] *** [/c] باش تنسيني ضنـايلا متى دمعي يسيل واكتفي بذلك لأن المجال لا يتسع لاستعراض هذه الصبابة الرعنة في سطور الشاعر وعواطفه الجياشة صوب مرتع صباه التي ارهقنا جميعاً حبها واضنانا واياه عشقها..وهي لحج التي جمعتني واياه وعشاقها في عدد من المحافل وأبرزها مهرجانات القمندان الثلاثة التي ابتدأت مواسمها العام88م.وكان الأستاذ الشاعر رحمه الله أحد فرسان المساجلات الشعرية الزوامل والدان وقد تألق كثيراً في تلك المجالس المزدانه برموز لحج الأدبية وله فيها باع وذراع وصولات وجولات تشهد له بذلك وتبصم لحج.شاعرنا الذي غيبه التراب واختطفته يد المنون من حياتنا الأدبية ظل وإلى آخر يوم حاضراً.بل وما زال حاضراً في وجدان محبيه...غنى له العديد من الفنانين المعروفين ومنهم الفنان فيصل علوي وسعودي أحمد صالح وأحمد محسن عبدالله وعارف سرور ويحيى محمد فضل..وله الكثير من القصائد الشعرية التي تناولت مختلف أغراض الشعر بالعامية والفصحى..أما نشاطاته فكانت متعددة تعكس تعدد مواهبه وله كتابات كثيرة في الحقل الإعلامي وفي مجال الدراسات والبحوث وكل ذلك كان ينم عن بعد ثقافته ومداها البعيد فالوعاء بما فيه ينضح.فلا لوم إن كانت قلوبنا مكلومه وصدورنا يملأها الغبن ودمعات حرى قد ذرفتها مآقينا وجعاً لفراقه...عسى رب السماء يتغمده برحمته ويلهم قلوبنا وأسرته الصبر والسلوان.