حنان محمد فارع استوقفتني كثيراً عبارة سمعتها منذ حوالي شهرين تقريباً وما تزال عالقة على جدران الذاكرة حتى يومنا هذا، كان ذلك أثناء حضور فعالية الاحتفال باليوم الوطني للطفولة والشباب في قاعة فلسطين بعدن، حينما قال رئيس فرع اللجنة الاستشارية حسام مصطفى:”إذا لم تزرعوا الوطن في أعماقنا فلا تتوقعوا أن نزرعه”.لا أتوقع أن التفكير بزراعة حب الوطن في عقول وقلوب كل أبنائه بالعملية السهلة ويمكن إنجازها بطرفة عين، كما أنها ليست بالمعجزة يستحيل تحقيقها، فالزراعة تحتاج إلى أرض شاسعة ذات تربة خصبة صالحة لنمو الزرع والثمار، وحتما لابد أن يحاط الزرع بالجو المناسب والمهيأ الذي يساعده على النمو، ولا ننسى أن فلاحة الأرض تتطلب رجلاً متمرساً ومتقناً لحرفته مدركاً ما يفعل ويبذل الجهد المضني في الحرث، يعلم جيداً كم ستطول زراعته ومتى سيكون الحصاد، في الزراعة نستعين بالوسائل التقنية الحديثة التي تساعدنا في وضوح الهدف وتوفير الوقت والقدرة على الإبداع، كل ذلك لا يسير إلا وفق خطة مرسومة ومحدودة الأهداف مسبقاً ليأتي الإنتاج وفق المواصفات المطلوبة وتعطي الأرض ثمارها بعد أن نجتاز جميع الأزمات بقوة وثبات وصولاً إلى النجاح الباهر.إن الأرض الطيبة التي ستغرس في أعماقها بذور حب الوطن هم الأجيال الناشئة ولا يوجد منا أكثر ملائمة من المدرسة لتحقيق هدفنا المنشود، والفلاح إنما هو المعلم المتقن لمهنته، من يغرس بذور الأمن الفكري في العقول الناشئة ويربي طلابه على المثاليات الحميدة ويحمي أفكارهم من أي شائبة، بذلك يساعدهم على تنمية حب الوطن وهذا لا يتآتى إلا عبر التخلص من المناهج الدراسية العميقة،حيث تقع على عاتق التربية والتعليم مسؤولية وطنية في إعداد خطة تربوية تهدف إلى تربية جيل يقدس وطنه ويرسخ حب الوطن في نفوس الطلاب من دون أن يكون حب الوطن مجرد تلقين فاتر وحشو معلومات في أذهان التلاميذ لتأدية الامتحانات لتنقطع الصلة بين الطالب ووطنه بعد إغلاق الكتاب المدرسي.الوطن قيم تترجم وآمال تتحقق، عندما يصبح الطالب في وضعية المستهلك والمعلم هو المصدر الوحيد للتلقين والمعرفة يغيب حب الوطن وروح الانتماء إليه عن عقول أبنائه ولا يدرك الطالب الذي يذهب إلى المدرسة ليتعلم وينفع أهله ووطنه إنما هو يعبر عن حبه لوطنه، صحيح إن حب الوطن فطرة جبل عليها الإنسان لكن التعبير والإفصاح العملي عن حبهم لوطنهم أمر ضروري ولابد من وجود المحيط الثقافي المتنور الذي يربط التعليم بالواقع وإيلاء التربية والتعليم أهمية إلى جانب تنظيم الفعاليات الطلابية واختلاطهم بالمحيط الثقافي لأن ذلك يكسبهم المهارة في كيفية التعبير عن الانتماء إلى الوطن والحفاظ على ممتلكاته والالتزام بأنظمته وتقديم مصلحته على مصالحهم الخاصة وطرد الشعور بالاغتراب وردم مشاعر اليأس وبناء جسور الثقة بين المواطن وبيئته.إذا سأل أحدكم: هل تستطيع أن تحب وطنك من دون أن يمنحك مصدر رزق؟!سؤال لم تغب إجابته طويلاً: يبقى وطني بجميع مساوئه ومشاكله وإن لم يسعني وطني لن يسعني وطن غيره، يكفي أنه منحني أرضاً تؤويني وأكلت من شجره وشربت من مائه وتسلقت جباله، كيف لا أحب وطني وتقف على ترابه أمي وأحبائي!! قيل قديماً: من علاقات الرشد أن تكون النفس إلى بلدها تواقة، وإلى مسقط رأسها مشتاقة.
|
مقالات
لو لا الوطن .. لكنا سراباً
أخبار متعلقة