يلغي الفنان ويضيف إلى الشخصية المؤداة
القاهرة:14أكتوبر/ وكالة الصحافة العربية :أثبتت دراسة أمريكية أن الممثل ما هو إلا مجموعة الشخصيات التي يؤديها على الشاشة ، حيث تترك كل شخصية بصمة على الفنان لا يمكنه التخلص منها ·· صراع نفسي مرير يعيشه نجوم الفن ، كلما أدى أحدهم دوراً درامياً مؤثرا يجد نفسه أسيرا لهذا الدور ، بل إن البعض قد يصل إلى أن تغلب شهرة الشخصية الدرامية على شهرته ، ويجد نفسه بين شقي الرحى ، بين القيام أداء دور سطحي لا يترك أثراً على شهرته كفنان ، وبين القيام بأداء دور حيوي مؤثر يرتبط به المشاهدون ، الغريب أن بعض الفنانين يتقمصون شخصياتهم الفنية للحد الذي يتناسون معه صفاتهم الشخصية ، وهو ما تسبب في إصابة البعض منهم بالاكتئاب ، وآخرون لجأوا لأطباء النفس هربا من سطوة الشخصية الدرامية عليهم، في هذا التحقيق نقترب من الفنانين ، نستمع لمعاناتهم ،وللطرائف التي تواجههم بسبب سطوة أدوارهم وتفوقها على شخصياتهم الحقيقية · تتحدث الفنانة المتألقة " إلهام شاهين " عن أدوارها ، ومدى تأثير الشخصيات التي تتقمصها على حياتها الشخصية كفنانة ، فتقول : كثير من الشخصيات التي قمت بأدائها على الشاشة أثرت بشكل كبير في حياتي ، لدرجة أنها أصبحت تطاردني في أحلامي وتصيبني أيضاً بالأحلام المزعجة ، وبالطبع لم أتردد في اللجوء لطبيب نفسي بفرنسا وكان رده علي : لا يوجد فنان جهازه العصبي سليم تماماً ، وذلك لأن الفنان يتقمص الأدوار والشخصيات بعمق بما فيها من مشاعر ، وهو ما يؤثر سلباً على الفنان ذاته ·وتضيف إلهام : بعد أن استمعت لكلام الطبيب النفسي أعطاني عقارا منوماً ، رفضت استخدامه حتى لا أتعود عليه ، وأحاول التغلب على هذه المشكلة بتنويع أدواري ، حتى لا أسقط أسيرة سطوة الشخصية والدور الأوحد ·[c1] الباشا [/c]الفنان المحبوب يحيي الفخراني من أكثر الفنانين الذين غلبت شهرة أدوارهم على شهرتهم كإنسان ، ولعدة سنوات عاش أسيراً لشخصية " سليم البدري " التي أحبها الناس ، من خلال المسلسل الرمضاني الشهير " ليالي الحلمية ؛ وعن شعوره بمنافسة تلك الشخصية له كإنسان يقول " إذا لم أتقمص الشخصية التي أقدمها بمنتهي الصدق فلن أكون مقنعا للجمهور ، وبالتالي لن أنجح ، ولكن هذا النجاح في معايشة الدور لابد أن يكون له ثمن ، فأنا مثلا عشت سبع سنوات في دور الباشا سليم البدري في مسلسل " ليالي الحلمية " ، وتأثرت كثيراً بهذه الفترة الزمنية الطويلة وبقدر الإمكان حاولت التخلص من تأثير النجاح الرهيب لتلك الشخصية عليّ واستعادة نفسي كفنان وإنسان من خلال اللجوء إلى أعمال جديدة وشخصيات وأدوار مختلفة ، وهو ما حدث فعلاً مع شخصياتي في مسلسلات " لا " ، " الخروج من المأزق " ، " زيزينيا " ، " لما التعلب فات " ، " نصف ربيع الآخر " ، " الليل وآخره " ، " عباس الأبيض ، و" المرسي والبحار " وغيرها ··ويختتم الفخراني كلامه قائلا : تركت الشخصيات التي تقمصتها أثر بداخلي، ربما لا أستطيع تحديده ولكنني أستطيع تأكيد أنه اندمج مع شخصيتي الحقيقة ليصبح التأثير متبادلا بينهم ·[c1]نازك السلحدار [/c]ونترك الباشا " سليم البدري " ونلتقي مع حرمه " نازك هانم السلحدار " التي يعرفها البعض باسم الفنانة "صفية العمري "، والتي تعترف بأن سبع سنوات تقمصت خلالها دور " نازك السلحدار " قد أصابتها بالإحباط ، فمن الطبيعي أن يكون الفراق بيني وبين شخصية " نازك " جزءاً من " صفية " وإتقاني لتقمص الشخصية جعل الجمهور يعتقد أن هذه هي شخصيتي الحقيقية ، والبعض عندما يقابلونني ينادونني باسم " نازك هانم " وكأن " صفية العمري " لم يعد لها وجود ، فالشخصية أصبحت أشهر من صاحبها ·وتتذكر الفنانة صفية العمري موقفا مؤلما حدث لها بسبب "نازك السلحدار" فتقول : في المرحلة الأخيرة من شخصية " نازك " والتي كانت فيها تمر بمرحلة التقدم في العمر ، أصابني الاكتئاب الشديد بسبب الماكياج الذي حول نازك الجميلة إلى المرأة العجوز ، لهذا كان بمجرد انتهاء تصوير المشهد أُسرِع بالخروج من البلاتوه كي أغسل وجهي لأستعيد ملامحي الحقيقية ، قبل أن أصبح " نازك " العجوز فعلاً ·ويقول نور الشريف عن سيطرة الشخصية التي يتقمصها الفنان : عن نفسي وقعت فريسة لعصبية بعض الشخصيات التي تقمصتها، كدوري في فيلم " سواق الأتوبيس " و " دائرة الانتقام " و " كتيبة إعدام " إلا أن هناك شخصيات أخرى أعادت إليّ الهدوء الذي افتقدته كدوري في مسلسل " عمر بن عبد العزيز " و " عبد الغفور البرعي " في مسلسل " لن أعيش في جلباب أبي " وشخصية " الحاج متولي و" العطار والسبع بنات " وكذلك شخصية " عمرو بن العاص " ·ويضيف " الشريف " : أكثر من يشعر بتأثري الكبير بتلك الشخصيات هم زوجتي وابنتي ، فأحياناً أكون مستغرقاً في شخصية جديدة ، أجهز نفسي لتقمصها وعندما تناديني ابنتي باسمي لا أنتبه لندائها وكأنني شخص آخر ، وبمجرد أن تناديني باسم الشخصية التي أستعد لتقمصها فإنني أنتبه على الفور ، فالفنان يعيش مأزقاً حقيقياً ، لأنه لا يستطيع التخلص بسرعة من تأثير الشخصية التي يتقمصها ، وقد يحدث له اضطراب نفسي نتيجة صراعه مع تأثير تلك الشخصيات عليه ، والحل الوحيد هو الهروب إلى شخصية جديدة يتقمصها الفنان ·أما الفنانة ليلى علوي والتي تعد من الفنانات الحريصات على اختيار أدوارهن بعناية ، وتعيش الشخصية التي تؤديها كما لو كانت حقيقة ، فتتحدث عن تأثرها بالشخصيات التي تقمصتها قائلة : أهم شئ عندي هو التركيز في الشخصية التي أؤديها ، لذلك فأنا أعيش تفاصيلها بكل دقة ، بل وأنفصل عن ذاتي كإنسانة وعن كل من حولي ، حتي أنتهي من تصوير الشخصية ·وتضيف ليلي : تترك الشخصيات التي أتقمصها بداخلي ترسيبات لا أستطيع تحديدها بالضبط ، قد تكون ذكرى وربما شجنا ، المهم أنها تؤثر في ، وخاصة الشخصيات التي أحببتها وعشت أحاسيسها فمثلا في مسلسل " التوأم " جسدت شخصيتين مختلفتين تماما ، شخصية " تهاني " الوصولية التي كرهتها ، وشخصية " عزيزة " الطيبة ولقد أحببتها وتعاطفت معها ، لذا فقد تأثرت بها كثيرا علي الرغم من أنني قدمت الشخصيتين معاً في مسلسل واحد ·[c1]سجن أحمد زكي [/c]ومن أكثر الفنانين الذين عانوا بسبب شخصياتهم الفنية والتي تصل إلى درجة التوحد مع شخصيته الحقيقية الفنان الراحل أحمد زكي ، ومن الأدوار التي ساهمت في إكسابه شعبية وقبولا كبيرين لدي الجماهير شخصية عميد الأدب العربي " طه حسين " في مسلسل " الأيام "، وشخصية رجل السلطة المهم في فيلم " زوجة رجل مهم "وشخصية المحامي في فيلم " ضد الحكومة "، ومن الشخصيات التي تأثر بها كثيراً شخصية الزعيم الراحل "جمال عبد الناصر " والذي عايشها لمدة عامين ،وكذلك شخصية الرئيس السادات ·وفي بدايتها الفنية بذلت الفنانة نبيلة عبيد جهداً خارقاً بحثاً عن فرصة عمل تقدمها إلى عالم النجاح والشهرة ، وفجأة وجدت نفسها وجهاً لوجه مع شخصية تتناقض مع شخصيتها كفنانة في دور " رابعة العدوية " ، وعن هذا الدور تقول الفنانة نبيلة عبيد : دوري في فيلم " رابعة العدوية يعد أهم أدواري الفنية ، ولا أخفي أنني عندما عُرِض علي القيام ببطولة هذا الفيلم ترددت كثيراً ، فمواصفات الشخصية الزاهدة الورعة تختلف عني تماماً ، ولكنني بعد أن قرأت سيناريو الفيلم أعجبت به كثيراً ·وتضيف نبيلة عبيد: بعد أن قررت القيام بالفيلم ووجدتني متقمصة لشخصيتها تماماً وجدت النقاد يهاجمونني أثناء تصوير الفيلم ، وقالوا كيف يمكن أن تلعب نبيلة عبيد الممثلة المثيرة دور رابعة العدوية " الزاهدة ؟! وبعد عرض الفيلم لم يصدق النقاد أنفسهم ، وتراجعوا مذهولين وأكدوا أنني أفضل مَن تؤدي هذا الدور ·· فكان تقمصي لشخصية " رابعة العدوية " فاتحة خير لي ، بعد أن تمكنت خلالها من تثبيت أقدامي ، وفتحت لي أدوار التألق والنجومية ·[c1] في العيادة النفسية [/c]عن رأي الطب النفسي في ظاهرة طغيان الشخصية التي يتقمصها الفنان على حياته كإنسان ، يقول د · محمود عبد الرحمن أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر : من الممكن أن يتعرض الفنان لاضطرابات نفسية مختلفة ، منها انشقاق الشخصية ، أو الاكتئاب ، أو الهوس ، وهو ما يرجع إلى الفنان نفسه ، فهناك ممثل محترف لا يسمح للشخصية التي يؤديها أن تؤثر على حياته الخاصة ، وهناك فنانون ضعفاء تتغلغل الشخصيات الدرامية بداخلهم لتؤثر عليهم بشدة.ويحذر د · يسري عبد المحسن - أستاذ الطب النفسي - النجوم الشبان بأنهم أكثر من يتهددهم خطر سيطرة الشخصية ، فيقول : الفنانون الشباب الذين لا يزالون في مراحل تكوين شخصياتهم هم أكثر قابلية للتأثر بالأدوار التي يتقمصونها ، بخلاف الممثل صاحب الخبرة الطويلة والشخصية القوية ، الذي يكون تأثره بالشخصيات التي يؤديها محدودًا ، ولا يزال الفنانون في صراع شرس بين شخصياتهم الحقيقية ، والشخصيات التي يعايشونها في أعمالهم الفنية ·