قبل عدة أعوام وفي صباح عدني، وقف ابوعاهدين بفانيلته وملابسه الداخلية أمام النافذة المفتوحة في غرفة الحمام في البيت الأخضر بعد ان حلق ذقنه، يطيل النظر إلى السماء بزرقتها الجميلة ويحدق في شعاع الشمس وهي تعانق البحر وقلعة صيرة، الأمواج الصاخبة تضرب قوارب الصيادين وتراقصها، هزه الشوق لأيام الصبا وبساتين النخيل.. إلى الهور والمشحوف وقصب البردي و"مشحوفنا يسبق بمشيه الماطور" وراح يدندن "للناصرية.. حبيبي وياك أروح".وفي احد البيوت القريبة وقف شاب يلهو ببندقيته، يجرب حظه في صيد الغربان، ضلت احدى الرصاصات طريقها وأصابت أبو عاهدين. في تلك اللحظات شعر بدوار ولم يفهم ما الذي حدث. تلونت فانيلته البيضاء ببقعة دم، ما هذا؟ هل جرحت نفسي أثناء الحلاقة؟ لا... الدم يتفجر أمام عينيه.. صرخ الحقوني.. وسقط مغشياً عليه. هرع رفاقه الساكنون في البيت الاخضر فوجدوه ملقياً على الأرض، عرفوا أنه أصيب برصاصة، ولكن من أين جاءت هذه الرصاصة ومن أطلق النار من أطلق النار؟ سارع احدهم لاستدعاء سيارة الاسعاف. سارع سمير إلى التلفون ليخبر احمد بما حدث.كان احمد ممداً في سريره بعد يوم عمل شاق وحر مضن حين رن التلفون وصوت مرعوب يقول:اسرع يا احمد ابو عاهدين في خطر!وقبل ان يكمل كلامه قاطعه قائلاً:أنا متعب من العمل ولا وقت للمزاح ياسمير!لا ليس مزاحاً يا أحمد أبو عاهدين أصيب بطلق ناري وتم استدعاء الاسعاف لنقله إلى مستشفى الجمهورية.ارتدى احمد ملابسه على الفور وهرول مسرعاً لموقف التاكسي، وقف قرب متنزه بلقيس في التواهي في انتظار سيارة تاكسي لايصاله للمستشفى، وبدأت الهواجس والشكوك تراود ذهنه. أهي محاولة اغتيال؟ انتابه شعور غريب وحزين، وأحس بشيء يضغط على صدره وهو يتذكر حادثة اغتيال توفيق رشدي. في قسم الطوارئ التقى احمد باحدى الممرضات التي دلته على غرفة خاصة بعيدة عن ردهة الطوارئ وقالت:ـ اطمئن وكن هادئاً، صحة المصاب مستقرة ولحسن الحظ لم تصب الطلقة رأسه أو قلبه، وحسبما عرفت من احد الأطباء بان الطلقة استقرت في كبده وستجرى له عملية سريعة لإخراجها، ولا أظن أن هناك خطراً كبيراً عليه.استرد احمد بعض هدوئه.في الغرفة وقف رجل بجانب السرير حيث يرقد ابو عاهدين مقدماً نفسه إلى احمد بانه المحقق العدلي ويود معرفة فيما إذا يرغب المصاب بتسجيل دعوى قضائية ضد من اطلق الرصاصة، سأل احمد عن حقيقة ما حدث ومن أطلق النار، وهنا دخل الغرفة شاب لم يتجاوز بعد الثامنة عشرة عاماً.ـ صدقوني لم اتعمد إصابته.. كنت على سطح المنزل أتدرب على صيد الغربان وإذا بهم يقولون لي أصبت عراقياً في البيت الأخضر.صحا أبو عاهدين وفتح عينيه ببطء وقال:ـ اتركوه، لم يكن متعمداً في إصابتي، لذا لا أريد أن اسجل دعوى قضائية ضده.بعد ستة أعوام عاد أبو عاهدين للأهوار التي لم تفارق مخيلته في غربته.. عاد محملاً بهموم العراق.. عاد من أجل وطن حر وشعب سعيد.. وفي الأهوار التي عشقها استشهد أبو عاهدين.
|
ثقافة
رصاصة في البيت الأخضر
أخبار متعلقة