أقصوصة
إلى روح أبي الطاهرة- رحمه الله.غامت بعينيها الدموع ولم تنزل..كانت تنظر إلى زوجها الطريح على فراش المرض..يعاني بصمت مثلما هي تبكي بصمت..ستون عاماً أو يزيد..عاشا معاً حياة تقاسما خلالها شيء..أحب كل منهما الأخر بعمق، تتضح معانيه على كل صفحة وجه كل منهما.سعل..انتبهت كل حواسها..كانت تجلس بالقرب منه على كرسي خشبي، نهضت نصف استقامة لعله يريد شيئاً تناوله،سكت..جلست مرة أخرى تسلم نفسها لكتاب الذكريات..تقلب صفحاته صفحة إثر أخرى والدمعات لا تزال غائمة في عينيها ولم تبرح مكانها..تبتسم ثائرة وتعبس أخرى..تزمُّ شفتيها اليابستين ثالثة.. تتقلص عضلات وجهها رابعة.. رفع يده بصعوبة..نهضت..اقتربت منه..حرك شفتيه ولم يقل شيئاً،صوت مبحوح لا أكثر..أحنت رأسها لعلها تسمع شيئاً،..كانت أنفاسه تتلاحق .. أمسكت يده الباردة.. تتحسسها، تضغط عليه بعطف ورفق ورَّقة..سقطت يده..توقفت أنفاسه ومال برأسه جانباً،حينها تساقطت الدموع دفعة واحدة مدرارة على خديها الضامرتين.. وكانت الشمس عندها قد التحفت ثوب الغروب،كأنما هي الأخرى تشاركها مرارة اللحظة تحت وطأة قسوة الوداع في صمت مخيف.