أبوح لكم
في صمت وهدوء يرحل أفضل من أنجبتهم اليمن من أدباء وفنانين ومبدعين في جميع مجالات العطاء والإبداع، شموع قدمت لهذا الوطن أجمل أيام عمرها.. واسهمت في صنع أمجاده وانتصاراته بأروع القصائد والأغاني التي مازالت تحكي لنا المآثر العظيمة في تاريخ الوطن اليمني.. ترحل تلك الشموع التي أنارت سماء الوطن، دون أن تجد من يهتم بها ويوفر لها إمكانيات العيش الكريم في وطن أسهمت هي في انتصاراته وصون كرامته!!.عبدالقادر خضر*وبعد رحيلها يبعث كبار المسؤولين في الدولة ببرقيات التعازي ويؤكدون فيها انهم سيهتمون بأسر هؤلاء المبدعين وسيجمعون إبداعاتهم ليصدروها في كتب ودواوين ومكتبات أدبية وموسيقية.. الخ.وتمر السنوات .. ولا يتحقق أي وعد بل تتحول تلك الوعود والتأكيدات الى سراب والى حسرة تقتل أهالي وجماهير أولئك المبدعين.. والمؤسف أكثر أن أجهزة الإعلام والثقافة لاتتذكر حتى مناسبات وتواريخ ميلادهم ورحيلهم لتقدم من باب المجاملة ليس إلا برامج وندوات وأمسيات شعرية وسهرات فنية تليق بعظمة عطاء أصحاب تلك الإبداعات العظيمة!!هكذا تمر ذكرى ميلاد ورحيل أعظم من انجبتهم اليمن في عالم الإبداع الثقافي والفني والإعلامي في هدوء ودون ضجة او بتقديم فعاليات ضعيفة الصمت أفضل منها. مستثنين في ذلك الاحتفالات التي تقيمها محافظة الوفاء (حضرموت) لمبدعيها، خاصة مهرجان صانع الفرح الحضرمي (حسين أبوبكر المحضار)!!هكذا تمر ذكرى ميلاد ورحيل محمد محمود الزبيري، لطفي أمان، محمد سعيد جرادة، احمد قاسم، محمد سعد عبدالله، اسكندر ثابت، الفضول، الزيدي، البردوني، الغزالي، محمود اربد، بن شامخ، بومهدي.. وغيرهم من نجوم الإبداع.. دون ان يتذكرها احد، ولا حتى تلاميذهم واصدقاؤهم.. إلا فيما نذر!!وهكذا أصبحت حياتنا وفعالياتنا الثقافية والإبداعية عبارة عن كتابات حزينة عن مبدعين رحلوا.. أو مناشدات استعطافية لابقاء حياة مبدعين ينهشهم المرض والفقر والإهمال الذي يعجل برحيلهم من وطن أضاءوا سماءه ورصعوها بنجوم من اشعارهم وأغانيهم وأدبهم فوهبهم المرض والفقر والقتل أيضاً!أي ظلم هذا.. وأي جحود؟!اختفى الانتاج الإبداعي العظيم برحيل بعض الرواد واستعداد البعض الآخر للرحيل.. بينما من تبقى من مبدعينا يقتلهم الاحباط وتضطرهم الحاجة للبحث عن لقمة كريمة لاسرهم وأولادهم.. يطلقون قهقهات حزينة في وجهك عندما تسألهم عن انتاجهم الإبداعي قائلين بألم الدنيا كلها:ـ نفضل أن تسألنا عما سيأكله وسيلبسه أطفالنا وعن فواتير الكهرباء والماء وكيف سندفعها.. أما الإبداع فهذا ترف لم نعد نمارسه!!هذا هو واقع حياتنا الثقافية والإعلامية بكل أسف.. مناسبات حزينة نتحدث فيها عن مبدعينا الراحلين دون الاهتمام الحقيقي بما تركوه من انتاج.. ومقالات استعطافية عن مبدعين يصارعون المرض والفقر والموت دون ان يكون لهذه الاستعطافات أي رد فعل من أصحاب الشأن!!.أصبحنا نتحدث عن المبدعين اليمنيين دون أي اهتمام حقيقي بإبداعاتهم .. والنتيجة هي ما قالته احدى قريباتي الطالبة الجامعية.. حيث قالت بنبرات أسف:ـ نحن جيل مظلوم معكم.. تحدثونا عن العديد من المبدعين اليمنيين وعندما نبحث عن إنتاجهم الثقافي في المكتبات نفاجأ بانه لا يوجد لهم أية كتب أو دواوين شعر أو قصص وروايات..نسمع عن لطفي أمان والزبيري والجرادة وغيرهم.. ولكننا عاجزون عن الاطلاع على ذلك الانتاج لانه قد نفد من المكتبات منذ فترة طويلة.. تحدثونا عن التراث الغنائي ولا تقدمونه لنا عبر فضائيتكم بأصوات الفنانين الرائعين، بل تقدمونه بأصوات ضعيفة مشروخة.. وتغضبون عندما يقدمه غيركم بأصوات جميلة وبشكل فني راقٍ!إنكم لا تظلمون أولئك المبدعين فقط، ولكن تظلمونا نحن وجيلنا كله بل الأجيال القادمة لاننا لا نجد الأعمال العظيمة في المكتبات فنضطر إلى قراءة أعمال الآخرين والاستماع إلى الأغاني والألحان المائعة لأنصاف الموهوبين!!موت المبدع حياً؟!*عن موت المبدع العربي (حياً) تقول الكاتبة غادة السمان:تدفقت في قلبي صور عشرات من المبدعين العرب الذين قضوا في شبابهم الفني.. ان احداً لم يسألهم: لماذا مت مبكراً؟! من قتلك؟! وكيف عشت موتك؟!عشرات من الذين لم تتح لهم الفرصة للاعتدال في الطعام والشراب والهم لأنهم ربما قضوا جوعاً وعطشاً بعد وجبة من الهم لا اعتدال فيها!!أتخيل انني احاور أحدهم بعد ان اخرجته من قبره، لا تسألوني من بالضبط ليستحضر كل منكم في ذاكرته اسم فنان عربي مات في ذروة شبابه الجسدي والفني وما أكثرهم في كل قطر.. لن أعد الاسماء لان المقصود من هذا البوح ليس التشهير ببعض مجتمعاتنا التي تهدر مبدعيها وانما التحريض على حفظ ما تبقى منهم أحياء.. ومن سيولد فيما بعد!!سيخرج إلي الفنان الذي تخيلت انني احاوره من قبره سيحدثني كيف عاش موته؟!.. كيف مات عشرات المرات خلال حياته!! سيحدثني عن ظاهرة اهمال العرب بصورة عامة لمبدعيهم أحياء وحرصهم على تكريمهم أمواتاً!! سيروي لي حكاية موته الأول وموته الثاني وموته الثالث والرابع!! وقيامته كل مرة من رماده !! ثم سيروي حكاية موته الأخير حين انفجر بطريقة ما مريضاً او منتحراً أو مقتولاً!!أفكر أيضاً بمئات الموهوبين العرب الذين لم تتح لهم الفرص ليخبرونا "كيف عاشوا حياتهم؟!" لانهم وببساطة لم يعيشوا حياتهم لم يولدوا؟!.. أجهضت موهبتهم قبل ان تولد!! تم اغتيالها في ظلام اللامبالاة والهدر.. أو تحت أضواء الجري وراءالعيش لتوفير اللقمة والهدمة!؟أسألوا المبدع العربي: كيف عاش حياته.. ولكن أسألوا أيضاً: كيف عاش موته؟!تساؤلات مشروعة*ويظل السؤال قائماً وموجهاً إلى وزارة الثقافة ووزارة الإعلام واتحاد الأدباء والكتاب والمحافظين وكل من له علاقة ويملك الإمكانيات والأموال: حتى متى سنكتفي بالاحتفاء بالمبدع اليمني ميتاً وإهماله حياً؟!حتى متى سيظل شبابنا يقرأ (عن) المبدع اليمني دون ان يقرأ ( أعمال) المبدع اليمني؟! ويسمع (عن) رواد الغناء اليمني ولا يشاهد في الفضائية اليمنية وخشبة المسرح إلا أصحاب الأصوات المشروخة وأنصاف الموهوبين؟!فهل من إجابة؟!