[c1]مها فهد الحجيلان[/c]بدأنا نقرأ مؤخراً عن العقوبات المقررة على بعض المجرمين من مرتكبي جرائم الاغتصاب والزنا واللواط. ورغم اختلاف تلك الأحكام من حالة إلى حالة، وهو أمر طبيعي، إلا أنه يلاحظ أن أغلب تلك الحالات يكون العقاب فيها أقل من المتوقع مقارنة بالجريمة التي يرتكبها المجرم أو المجرمون.فعلى سبيل المثال، نشرت صحيفة (الرياض) في الأول من مارس 2007م خبراً مفاده أن محكمة التمييز صادقت على الحكم الصادر بحق رجلين سعوديين أقدما على خطف حدث واغتصابه. والحكم يقتضي سجن كل واحد منهما أربع سنوات. ويكمل الخبر بأن شخصين يستقلان سيارة صغيرة استوقفا طفلا بعد خروجه من المدرسة وأركباه في سيارتهما بالقوة واتجها به لأحد الأحواش القريبة وهناك أقدما على فعل الفاحشة به ثم أعاداه لموقع قريب من مقر سكنه.وهناك أحكام شبيهة بهذا الحكم تنشر في الصحف بين فترة وأخرى؛ وهي أحكام تبدو هشة وضعيفة إذا قارناها بفظاعة الجريمة المقترفة. بل ربما تعطي انطباعاً سلبياً لدى المجرمين يشجعهم على مثل هذه الجرائم التي يحكم فيها على جريمة خطيرة تزلزل كيان المجتمع بأكمله بالسجن فقط أربع سنوات قابلة للتخفيض إذا تصنّع هذا السجين تحسين سلوكه وحفظ بعض السور لكي يوهم بأنه قد تحول إلى إنسان صالح.أعتقد أنه حان الوقت لمراجعة مثل هذه الأحكام والاستعانة بالقرائن والأدلة الحديثة التي تساعد على تحديد العقوبة المناسبة لكل جريمة. فهناك عقوبات قد تكون أكبر من الجريمة وبالمقابل ثمة عقوبات بسيطة كعقوبات الاختطاف والاغتصاب وما يرتبط بها من إرهاب وتدمير للأنفس.إننا نكن الاحترام والتقدير للأحكام الشرعية وللمحاكم في بلادنا ونتوقع منها أنها أقرب إلى العدل والإنصاف ومراعاة ظروف الجرائم والمجرمين والضحايا. ولكن مثل تلك الجرائم المفجعة والضحايا المتضررين أضرارا مستديمة تجعلنا في حيرة من تلك الأحكام ومن مسوغاتها القانونية والإنسانية.ولهذا يحق لنا التساؤل عند قراءة مثل تلك الأحكام التي تبدو لنا أنها ميسرة: هل فكر القاضي أو القضاة الكرام في الأثر التدميري الواقع على الضحية؟ وهل حسبوا حساب إمكانية معاودة المجرم لاقتراف هذه الجريمة مع ضحايا جدد؟ وما التعويض المناسب الذي يمكن أن يعطى للطفل ولأسرته المكلومة؟ وهل وضع في عين الاعتبار معالجة هذا الطفل جسديا ونفسيا وإخضاعه للإشراف والرعاية الطبية والنفسية والعقلية الملائمة؟إن هذا الطفل البريء الخارج لتوه من مدرسته والأمل يملأ فؤاده بيوم سعيد وبحياة مرحة يفاجأ بمن يستغل براءته ويحاصره ثم يختطفه؛ وما رافق ذلك العنف من رعب وإرهاب لهذا الطفل. ويزداد الأمر فظاعة حينما يغتصب هذا الطفل من رجلين يتناوبان عليه ثم يعيدانه جسداً كالقماش البالي وروحاً محطمة ومدمرة دماراً سيستمر معه إلى الأبد.ولو تأملنا الجريمة السابقة ووضعناها موضع دراسة وتحليل بشكل عاجل؛ لوجدنا أن هناك عدة جرائم ارتكبت مع بعضها وكل جريمة وحدها تقتضي عقوبة صارمة؛ ومنها: (1) استدراج طفل بريء والتغرير به، (2) استخدام العنف الجسدي في إرغام الطفل على الركوب في السيارة، (3) اختطاف طفل والهروب به إلى مكان مجهول، (4) إدخال الرعب على نفس الطفل أثناء الهرب به، (5) اغتصاب الطفل عدة مرات، (6) إرهاب الطفل، (7) تدمير حياة الطفل النفسية وجلب الأمراض المتتالية إليه.ومن يدرس القانون الجنائي في كثير من دول العالم ويتابع تعامل المحاكم مع هذا النوع من الجرائم يلاحظ أن هذه الجرائم تقتضي عقوبات مستقلة ثم مجتمعة مع بعضها تدون بوضوح ضمن قرار العقوبة الرسمي الصادر من المحكمة. ولكن قرار العقوبة الصادر عندنا والذي تعلنه الصحف لا يتضمن في الغالب التفاصيل القانونية بل يقرر الصيغة النهائية للعقوبة؛ وهذا ما يبعث على التساؤل إن كانت بعض تلك الجرائم قد حذفت أو لم ينظر فيها أصلا أو أنها خففت أو دمجت مع جريمة أخرى؛ وغير ذلك من الاستفسارات التي تتبادر إلى أذهان الناس وهم يقرأون مثل تلك الأحكام بدون تفصيل في مقابل قراءة ملابسات الجريمة بتفصيل أوضح!أعتقد أن وزارة العدل وهيئة القضاء العليا والجهات القانونية قادرة على مراجعة مثل هذه الأحكام ودراستها وربطها بالواقع وبالمعطيات الحديثة لتقنية العصر. فمثلا اشتراط وجود أكثر من شاهد عيان حسي يكون قد اطلع على ممارسة العمل الجنسي لكي تثبت الإدانة ربما يستعاض عنه بما يثبته التقرير الطبي ونتائج الحمض النووي للشخص (دي إن أي) وما يرتبط بذلك من معلومات التحقيق الجنائي ومعلومات الشهود وأي أدلة أخرى بما في ذلك سجل الهاتف أو الكمبيوتر أو غير ذلك من الوسائل التي تعتبر إما قرائن أو أدلة تثبت أو تنفي الجريمة وما يرتبط بها من أطراف.وربما يكون هذا من الموضوعات الفقهية التي تحتاج إلى قرارات من هيئات دينية وعلمية متخصصة؛ ولكنه موضوع مهم لا يقل أهمية عن موضوعات المال وزراعة الأعضاء وغير ذلك من القضايا الجديدة على الفقه القديم والتي كان للفقهاء المحدثين فيها آراء تناسب العصر وتراعي ظروفه وحاجته.ولا شك أن موضوع الحمض النووي - الذي يظهر أنه لم يعتمد في المحاكم بعد - بحاجة إلى أن يشترك في بحث اعتماده كل من العلماء المتخصصين في الطب والبيولوجيا مع علماء الدين والقضاة لكي يتوصلوا إلى حقيقة هذا المعطى العلمي وهو أنه يعتبر دليلا قويا لا يخالجه الشك في تحديد الشخص أو الأشخاص المطلوب التعرف عليهم بدقة علمية تفوق المعطيات الأخرى المتاحة كالشهود والوثائق مثلا.ومما يمكن ذكره هنا أن هناك رغبة أكيدة من كثير من الناس ومن المجتمع ورجال القضاء أنفسهم في ضرورة مراجعة بعض الأحكام وأساليب الحكم والمقاضاة وبخاصة في القضايا التي تستجد مع مرور الزمن ومع تغير الحياة وظروفها وأساليبها. فالعقوبات تعتبر من الروادع للجرائم التي أقرها الشرع الإسلامي وعدد من الأنظمة العالمية؛ ويجب أن يشترك مجموعة من المعنيين في تقريرها دون أن تترك لشخص واحد قد يجتهد أو قد يرى الأمر من زاوية ويغفل زاوية أخرى بسبب جهده البشري الضعيف أو كثرة العمل والضغوط الروتينية في إجراءات المحاكمات والتحقيق.إن الهدف في النهاية من العقوبة هو توفير حماية مناسبة للأفراد وللمجموعات وللمجتمع وللأمة بأكملها من الضرر الواقع عليها أو المحتمل وقوعه وفق مسوغات وقرائن وأسباب معينة. كما أن الهدف من المحاكمة ومقاضاة الشخص أو الأشخاص هو محاولة الوصول إلى العدالة والبعد عن الظلم والجور في حق أي شخص أو مجموعة. ومن هنا جاء هذا الاقتراح وهذه الملاحظات التي تؤمل كاتبة هذه السطور أن تلقى الصدر الرحب لدى المسؤولين المعنيين بمتابعة الأحكام القضائية والمهتمين بضرورة إحقاق الحق ونصرة المظلومين ورفع الأذى عن الضحايا في المجتمع.ــــــــــــــ[c1]نقلا عن صحيفة "الوطن" السعودية
التهاون في عقوبات جرائم الاغتصاب
أخبار متعلقة