أمين عبدالله إبراهيم:يشترك جميع الناس في هذه الكرة الأرضية وبدون أي استثناء في حادثتين بالضرورة هما: الولادة والوفاء، ولم يشغل أذهان الناس شيء كالموت على مر العصور، وما وجد من نقوش وكتابات لتاريخ التعامل مع الموتى وما صاحب ذلك من طقوس مختلفة الا دليل قاطع على أهمية هذا الحدث.فالموت هو توقف وظائف الأعضاء الرئيسية (التنفسي، القلبي، الوعائي، العصبي) توقفاً تاماً لا رجعة فيه وعدم قدرتها على العمل ذاتياً، والموت في اللغة يعني زوال الحياة، وقد عرفه الفقهاء بأنه نقيض الحياة، وهو خروج الروح من البدن. قال تعالى: (الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) صدق الله العظيم (الزمر آية 42).ونتيجة لاختلاف التعاريف وفقاً لما أستند إليه ضمن مفاهيم طبية ـ أكلينكية، بيولوجية، طبية ـ شرعية، جنائية، ولأغراض تدقيق وتوحيد المفاهيم في هذا المجال، قامت الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية بتعريف واقعة الوفاة كما يلي: الوفاة هي الاختفاء الدائم لكل مظاهر الحياة في أي وقت بعد أن تكون الولادة قد أخذت مكانها (حدثت)، كما أضيف إلى ذلك: التوقف ما بعد الولادة للوظائف الأساسية بدون القدرة على الإنعاش.إن واقعة الوفاة لفرد ما ظاهرة بيولوجية بحتة، بينما مستوى الوفاة لمجتمع ما تحدده الظروف الاقتصادية والاجتماعية السائدة فيه، فالوفاة حدث حتمي يتعرض له كل مخلوق حي، حيث قال تعالى: (كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا الا متاع الغرور) صدق الله العظيم ـ سورة آل عمران آية 185، وقال تعالى: (كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام) صدق الله العظيم ـ سورة الرحمن آية 26.لذلك فإن لدراسة الوفيات بصفتها ظاهرة من الظواهر التي تتعرض لها سائر المجتمعات ـ سواء أكانت متقدمة أو نامية ـ أهمية كبرى، فللوفيات أثرها على جوانب عدة في المجتمع، كما أن بعض خواص المجتمع لها أيضاً أثرها على الوفيات، يضاف إلى هذا أن الدراسة العلمية لظاهرة الوفيات في إطار الدراسات الديمغرافية قد أسفرت على إيجاد وسائل تحليلية ونماذج أصبحت صالحة للتطبيق على ميادين ديموغرافية أخرى كالزواج والخصوبة والهجرة، كما أن دراسة موضوع الوفاة تعد من أركان الدراسة السكانية، وذلك لما تلعبه من دور بارز في التأثير على السكان ولايبدو هذا الدور في انقاص فقط، بل وأيضاًَ فيما تحدثه من تغييرات على تركيب السكان: النوعي والعمري والاقتصادي وغيرها من أشكال التراكيب الأخرى، ويرجع ذلك إلى اختلاف معدلات الوفاة بحسب النوع والعمر والنشاط الاقتصادي والمستوى العلمي والاجتماعي، بل وحتى الاختلاف في الدين والعرق.وختاماً يمكن القول بأن دراسة موضوع الوفاة هام جداً من أجل تقييم الأحوال الصحية في المجتمع. وذلك من خلال وضع البرامج وتحديد الاحتياجات الصحية مستقبلاً كإنشاء المستشفيات ومراكز الرعاية الصحية ومراكز الأمومة والطفولة وتزويدها بالاختصاصيين حسب الظروف المرضية.ولا تقتصر دراسة البيانات المتعلقة بالوفاة على معرفة معدل الوفاة العام فقط بل معرفة معدلات أكثر تفصيلاً كاستخراج معدلات الوفاة الخاصة بالنوع والعمر، ووفيات الأطفال الرضع، وأسباب الموت مع تتبع هذه المعدلات خلال فترة زمنية معينة لمعرفة الاتجاهات التي تأخذها هذه الظاهرة، كما لابد من معرفة التوزيع الجغرافي للوفاة حسب أصغر الوحدات الإدارية للدولة.وما يجدر ذكره هنا أن سبب النمو المرتفع للسكان في دول العالم النامي في الوقت الحاضر وما حدث في أوروبا في القرنين أو الثلاثة القرون الماضية إنما يعود إلى هبوط معدلات الوفاة الا ارتفاع معدلات المواليد، ذلك لأن معدلات المواليد مرتفعة في الأصل، وبالتالي فإن انخفاض معدلات الوفاة هي السبب في ارتفاع نمو السكان لأن الرغبة بالتحكم في ضبط الموت لدى شعوب الارض وخاصة العالم النامي اكثر من رغبتها بالتحكم بضبط المواليد.
أهمية دراسة وفيات السكان
أخبار متعلقة