تتصف الصحافة في الغالب بأنها مهنة البحث عن المتاعب لأنها دائماً ما تسعى بشتى السبل إلى تقصي الحقائق واستجلائها من مصادرها المعينة ما استطاعت إليه سبيلا ، وتقديمها لقرائها ، ولهذا فهي تلعب دوراً كبيراً ومؤثراً في صناعة الرأي العام بعين الناس في المجتمع ، وتضطلع بمهمه خلق الوعي الوطني والدفاع عن الوطن ومصالحه العليا ومكتسباته في مختلف مجالات الحياة ، وتنوير عقول القراء وتوعيتهم وتثقيفهم من مناهل العلم والمعرفة المتجددة ، وتطلعهم على مستجدات الأحداث ، وتزودهم بأدق الأخبار المستجدة في الأوساط الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية والرياضية والفنية ، محلياً وإقليمياً ودولياً .ولاشك أن الصحافة في أغلب العالم تسعى وراء الإثارة، ويكفي أن نتأمل في ما يتعلمه الصحفيون المبتدئون “ أنه لو عض كلب إنساناً فهذا ليس خبرا، ولو عض إنسان كلباً فهذا هو الخبر المثير”!!إن أغلب ما تهتم به الصحافة هو ما يتعامل مع شغف الجماهير ويشير فضولهم ، ولذلك فالرائج في الصحافة هو صفحات الرياضة، والفن ، والحوادث، وقليل من السياسة ، وقليل من الأدب ، بينما العلم ضائع ليس له مكان وسط هذا الكم من المتغيرات ، وأن وجد فليس له أكثر من ركن أو زاوية أو عمود واعتقد أن ذلك مرجعه إلى عدم وجود الصحفي العلمي المتخصص في دور الصحف. والملاحظ أن أكثر المحررين العلميين في الصحف الأجنبية من حاملي درجة الدكتوراه ، ويكفي أن ترى في صحافتنا العربية الخلط الواضح بين المسميات والمصطلحات العلمية لافتقادها إلى وجود المحرر العلمي المتخصص ، فالكواكب والنجوم سواء ، والأقمار الصناعية والصواريخ لا فرق بينهما ، وعندما تكون هناك حاجة لموضوع علمي جديد ، فإن أغلب الصحف العربية تلجأ إلى بعض المتخصصين لالتقاط آرائهم ، لذلك هم يضعون السؤال وجوابه ، ويملون المقالات كأنها مواضيع إنشاء وعندما تعمد سكرتاريات التحرير إلى اختصار هذه الآراء ، فإنها تشوهها ، وكثيراً ما تكون عاجزة عن خدمتها بالصورة أو الرسم التوضيحي ، لأنها تعتقد أن هذا ليس من رسالتها .. وبهذا نجد أن العلم في صحافتنا خبري وليس موضوعياً، فلا تعنى إلا بنقل قشور الأخبار عن الأحداث العلمية، دون التعرض لتفاصيلها ، ولابد من الإشارة إلى أن أسلوب عشق التهويل ، جعلها تستعمل “افعل” التفضيل بصفة مستمرة ، فإذا قدم أحدهم بحثاً ، فهو أول بحث في هذا المجال ، وإذا اخترع آلة أو صمم جهاز فهو “أول” جهازاً و” أهم “ اختراع. لقد افتقدت صحافتنا الصحفي العلمي المتخصص، ففي الوقت الذي يوجد فيه محرر سياسي وآخر اقتصادي لا مكان للمحرر العلمي .. ولا حل لذلك إلا أن تكون هناك شعبة جديدة في كليات الإعلام ، للثقافة العلمية الصحفية ، فكليات الإعلام تعنى بالتعليم التلفازي ، والإذاعي والصحفي وإفراد العلاقات العامة، فلماذا لا تكون هناك شعبة جديدة للدراسات الصحفية العلمية؟ نأمل أن يتحقق لنا ذلك في المستقبل القريب إن شاء الله .
|
اتجاهات
متى يكون لنا صحافة علمية متخصصة؟
أخبار متعلقة