قراءة تحليلية لمسار العمل السكاني في اليمن .. نجاحات وإخفاقات (3-3)
بدر الغشم :في هذه الحلقة الأخيرة من قراءتنا التحليلية لمسار العمل السكاني في بلادنا، نستعرض مسار عمل بعض الجهات المنضوية تحت مظلة المجلس الوطني للسكان وشركا العمل السكانية في بلادنا من الجهات الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني وتقييم مستوى أدائها مع الوقوف عند نجاحاتها وإخفاقاتها.[c1]وزارة التربية والتعليم:[/c]تعتبر وزارة التربية والتعليم أحدى أعضاء تكتل المجلس الوطني للسكان ومن خلالها يمكن أن يصل العمل السكاني إلى أرقى مستوياته وأن يحقق المطلوب وفقاً لأهداف السياسة السكانية وباسرع الطرق في حال تفاعلت هذه الجهة مع القضايا السكانية بشكل كبير وتوفرت لديها النية الصادقة لاستيعاب وتقبل برامج وخطط العمل السكاني المرسومة من قبل الأمانة العامة للمجلس الوطني للسكان وتنفيذها عملياً وميدانياً على أرض الواقع.ومع عظمة الدور الذي تقوم به الوزارة في الحقل التربوي والتعليمي لإنشاء وإعداد جيل متعلم وواع متسلح بالعلم والمعرفة فإنه لابد من أن تضع القضايا السكانية على رأس أجندتها ومهامها كون تفاقم المشاكل السكانية له بالغ الأثر بما يشكله من انعكاسات سلبية على كافة المجالات الاجتماعية والصحية والتعليمية علاوة على أن إيجاد الحلول للمشاكل السكانية يخفف من التحديات التي تقف عائقاً أمام التعليم وبخاصة ما يتعلق برفع نسبة الوعي ومحو أمية المجتمع وكذلك الضغوط الواقعة على العملية التعليمية جراء الانفجار السكاني الكبير الذي يتسبب في العجز القائم في عدد المدارس والمدرسين والكتاب المدرسي وغيره والذي لن يتواءم أبداً مع حجم الزيادة السكانية التي يعانيها المجتمع.وإذا نظرنا إلى المواد السكانية التوعوية التي تتضمنها المناهج التربوية في مراحل التعليم فإنها قليلة جداً ولا يعتمد عليها في الإسهام بشكل كبير في رفع نسبة الوعي لدى الطلاب بالمشاكل السكانية ومن هنا يتضح أن قضايا السكان ليست محل اهتمام كاف من قبل وزارة التربية والتعليم التي تعد عضواً بارزاً في تكتل المجلس الوطني للسكان والمعنية بالنشاءءوالشباب أكبر شريحة من شرائح المجتمع التي ينبغي أن يتركز عليها وعبرها العمل السكاني التوعوي.[c1]وزارة الشباب:[/c]وبالنسبة لوزارة الشباب والرياضة فإنها لا تختلف عن سابقاتها من الوزارات والجهات الأخرى المعنية بالسكان من حيث عدم الاهتمام بالقضايا السكانية وتصنيفها في آخر أجندتها ومهامها ورغم العلاقة المباشرة التي تربط الوزارة بالشباب وكونها عضواً في المجلس الوطني للسكان إلا أنها تعقد مؤتمراتها الشبابية وتقيم المخيمات الصيفية وغيرها من الفعاليات الشبابية والرياضة دون أن تكلف نفسها حتى التواصل أو التنسيق مع الأمانة العامة للمجلس الوطني للسكان وإشعارها بمواعيد هذه الأنشطة والفعاليات ليتسنى للأمانة العامة للمجلس إلقاء محاضرات توعوية قصيرة بقضايا السكان في هذه التجمعات لا تتجاوز مدتها ربع الساعة أو توزيع البروشورات التوعوية التي تصدرها الأمانة العامة المتعلقة بهذه القضايا.[c1]وزارة الأوقاف والإرشاد:[/c]قامت وزارة الأوقاف قطاع التوجيه والإرشاد وكذلك المعهد العالي للتوجيه والإرشاد خلال الثلاث السنوات الماضية بدور توعوي سكاني متنوع يمكن وصفه بالجيد ونفذت العديد من الحملات التوعوية الميدانية للخطباء والمرشدين ويبدو التنسيق بين وزارة الأوقاف والأمانة العامة للمجلس الوطني للسكان هو الأفضل والأبرز والأكثر التزاما واتزاناً من بين الجهات الأعضاء في تكتل المجلس الوطني للسكاني ومهما يكن من أمر أي جوانب قصور فقد استطاعت الوزارة بجهودها التوعوية والإرشاد القائمة إزالة جزء كبير من الصورة المغلوطة عن تنظيم الأسرة التي تشكلت في أذهان بعض خطباء المساجد الذين كانوا يقفون ضد تنظيم الأسرة كما أنها من خلال ما تقوم به من توعية حول هذا الموضوع من منظور ديني قد أسهمت بشكل لأبأس به في توعية وإقناع المواطنين بأن تنظيم الأسرة لا يتعارض مع الدين الإسلامي وتعاليمه.[c1]جمعية رعاية الأسرة:[/c]هي إحدى أعضاء هذا التحالف السكاني وتعتبر جهة مستقلة غير حكومية بحد ذاتها ومتخصصة بتقديم الخدمات الطبية وخدمات الصحة الإنجابية وتنظيم الأسرة والمشورة والتوعية السكانية المتعلقة بهذه الجوانب ولها إسهامات كبيرة في هذه المجالات التي تعتبر عصب العمل السكاني فهي تمارس أنشطتها منذ 1976م أي ما قبل تأسيس المجلس الوطني للسكان حتى اليوم ورغم أنها جمعية تهتم برعاية الأسرة وتعتمد على نفسها إلا أن ما قدمته يساوي تقريباً أو يزيد على ما قدمته وزارة الصحة والسكان في هذا الإطار حيث أنها تستهدف الجمهور من خلال المراكز الثابتة التابعة لها في سبع محافظات والعيادات التي تنتقل من محافظة إلى أخرى وتغطي بخدماتها (13) محافظة وتقوم بتزويد المراكز ونقاط التوزيع التابعة للجمعية وغيرها بالخدمات والتي تصل إلى حوالي (270) مركزاً تقريباً في الجمهورية كما أنها تقوم بتقديم وسائل تنظيم الأسرة بأسعار رمزية لتتمكن من مواصلة تقديم الخدمات ودفع رواتب العاملين والإيجارات. [c1]لجان تنسيق الأنشطة السكانية في المحافظات:[/c]وبالتعريج على لجان التنسيق التي شكلت على مستوى أغلب محافظات الجمهورية فتشكيلها يشابه تماماً تشكيل المجلس الوطني للسكان ولا يدري المرء ماذا قدمت هذه اللجان للعمل السكاني فهذه اللجان تتكون على مستوى المحافظات التي شكلت فيها من محافظ المحافظة كرئيس للجنة وعضوية مدير عام مكتب الصحة والسكان بالمحافظة ومديري عموم التربية والأوقاف والإعلام وغيرهم من مدراء عموم المكاتب التنفيذية التابعة للتكتل العام الخاص بالمجلس الوطني للسكان.ويمكننا القول إن أغلب هذه اللجان لم تقدم للعمل السكاني أي شيء منذ تأسيسها إلا ما ندر فأعضاء هذه اللجان منشغلون بمهامهم الأساسية التنفيذية فقط وليس من المبالغة إن قلنا إن بعض روساء هذه اللجان وبعض الأعضاء لا يعرفون مهامهم ولا مهام المجلس الوطني للسكان المحسوبين عليه فمتى يجتمعون وماذا يناقشون وماذا حفظوا للعمل السكاني في محافظاتهم باستثناء محافظتي لحج وتعز في ظل عدم توفر الإمكانيات والنية الصادقة وضعف وغياب التنسيق بين كبار أعضاء تحالف المجلس الوطني للسكان.من هنا ومن خلال القراءة التحليلية لمسار العمل السكاني يتضح جلياً أن العمل السكاني في بلادنا يسير ببطء شديد ولن يخدم ويحقق أهداف السياسة السكانية وإذا بقي الحال كما هو عليه من تشتت للعمل السكاني وتراخٍ في التنسيق بين الجهات الأعضاء في تحالف المجلس الوطني للسكان واستحالت أن تتوحد جهودهم وخطابهم بعمل موحد يلبي الطموح فإن البلاد تسير في طريق مليء بالتحديات والمخاطر التي ستربك البلاد والعباد وإذا لم تسند مهمة العمل السكاني (مستقبلاً وقريباً) إلى جهة سكانية واحدة مستقلة بذاتها تتحمل كافة المسؤوليات أمام هذه القضايا وتكون هي المخططة والمشرفة والمنفذة لكافة الأنشطة السكانية التوعوية وتتحمل المسؤولية الكاملة عن أي تقصير تجاه العمل السكاني والتوعوية فإننا لن نحقق أهداف السياسة السكانية ولابد أن تتعاون مع هذه الجهة كافة الجهات بصورة صادقة وملموسة وبخاصة وزارات التربية الإعلام التوجيه والإرشاد ولكم أن تتصوروا مستقبل العمل السكاني كيف سيكون لوتم العمل بهذه الصورة وتبنته جهة واحدة ونفذته وأشرفت عليه وأخرجته عبرها بالتعاون مع الجهات الثلاث المذكورة آنفاً. قد تكون هذه الرؤية غير صائبة منطقياً في نظر البعض أو أنها قد تتسبب في حرمان جهات محسوبة على العمل السكاني من الغنائم التي رصدت في موازناتها أو التي يقدمها المانحون للعمل السكاني إلا أن دراسة هذه الفكرة أو الرؤية أو التفكير فيها لا يفسد للود قضية وإن كانت روية صائبة وتم دراستها وقبولها وأخذها ما خذ الجد فسيكون العمل السكاني والوطني هو المستفيد الأول والأخير فلا نعتقد أن أي من الدول الأخرى ممن لها باع طويل وحققت نجاحات كبيرة في ميدان العمل السكاني تعاني هذا التشتت في العمل السكاني الذي نعانيه أو أنها تجمع أكثر من (15) وزارة وجهة كحلف سكاني لمواجهة المشاكل السكانية مثل الذي لدينا.