د. محمد سلمان العبودي :خلال أيام ستنعقد القمة العربية. وسوف يلعب الزمان والمكان والأحداث دورا هاما في نجاح أو عدم نجاح هذه القمة، فأحداث المنطقة وصلت إلى درجة التشبع في الوقت الذي باتت فيه الضغوط على لاعبي هذه الأحداث كبيرة جدا. واقتنع الجميع - متأخرا ولكن خيرا من عدمه - بأن القضايا لا تحل من طرف واحد وبأسلوب واحد. وأن استخدام العنف في حل الخلافات لا يؤدي إلا إلى عنف يساويه في القوة وبالتالي تكبر هوة الخلاف وتزداد صعوبة ردمها. ونحن جميعا في انتظار أن تصل الفكرة إلى من يقف خلف العنف المستمر في العراق ويقتنع بأن المقاومة التي قرأنا عنها في تاريخ شعوب العالم لم تمس مطلقا الأطفال والنساء وكبار السن وإنما لإخراج المحتل والقضاء على الخونة فقط. ومع ذلك، ربما سيقتنع هؤلاء ولو بعد حين بأن الحوار قد يكون أقوى سلاح لتحقيق نصر المقاومة. والدرس اللبناني والفلسطيني صالح لكل زمان ومكان. فهؤلاء إلى فترة قريبة جدا لم يستفيدوا من قراءات تاريخهم المحزن المليء بالدم والقتل والحروب والدمار والتشرد. فالفلسطينيون مثلا نقلوا مراكز مقاومتهم من قتال ضار ضد العدو إلى اقتتال شوارع فيما بينهم! واللبنانيون كذلك، بعد أن صمدوا متكاتفين ضد الهجمات البربرية الإسرائيلية، حولوا فوهات بنادقهم نحو أنفسهم وكادت الحرب الطائفية التي اشتعلت في منتصف السبعينيات وأطفئت في نهاية الثمانينات تعود من جديد. وكانت المسائل العالقة بين الطرفين لا تستحق حلها حتى بقطرة دم واحدة. والغريب في الأمر أن سبب اقتتال الأول هو نفس سبب اقتتال الثاني: (إسرائيل). والأغرب من ذلك، هو أن (إسرائيل) عدو كلا الطرفين. وربما سيكتشف العراقيون غدا نفس المعادلة، فهم يمرون اليوم لسوء الحظ بنفس تفاصيل تلك التجربتين وربما ضحية لنفس العدو السابق. والأهم من ذلك كله، أن لا تتكرر مثل هذه الأحداث في مناطق أخرى من المنطقة. حيث اكتشفت بعض الأطراف الخارجية بأن الخلافات الطائفية تشكل مواد رخيصة قابلة للاشتعال بأسرع من البرق بين العرب، ويكفي لعود ثقاب صغير واحد أن يحول الدنيا إلى جهنم. ولذا نقترح على القمة المقبلة أن تضع من بين توصياتها تدريس مساق الحذر من الطائفية إلى تلاميذ المدارس وطلاب الجامعات العربية. فالاختلافات الطائفية موجودة في كل بقاع العالم ولدى كل الشعوب. ولكننا أكثرهم حساسية في التعامل معها. وإذا علمنا أطفالنا بأن المسجد والكنيسة ودور العبادة الأخرى أيا كانت مذاهبها هي نقطة التقاء بين الأديان باتجاه واحد: الخالق، فان 99% من حروب المنطقة سوف تحل دون تدخل الأمم المتحدة أو حتى قوات التحالف. النتائج؟ هي كالتالي: المصالحة الوطنية الفلسطينية حققت اليوم ما لم تحققه على مدار الشهور الطويلة التي تصادمت فيها منظمة فتح وحماس خطابات وسلاحا. فها هي بعض دول أوروبا تحترم هذا الاتفاق، وتفتح ثغرة في الجدار الذي حاصر الشعب الفلسطيني منذ وصول حركة حماس إلى السلطة وكاد يخنقه. وهذا الاتفاق أغضب الشعب الإسرائيلي والولايات المتحدة الأميركية أكثر من أي وقت مضى. فهم يعلمون جيدا أن اتفاق الفلسطينيين لا يتماشى مع مخططاتهم في المنطقة بأسرها. كما أغضبهم في الوقت نفسه عدم تحول حالة الاحتقان في الساحة اللبنانية إلى الانفجار ولكن إلى اتجاه الاتفاق والمصالحة. وأمام الشعب الفلسطيني والشعب اللبناني الآن أن يقررا الاستمرار في الاتفاق أو العودة إلى تحقيق أحلام أولمرت ومن سبقه من حكام إسرائيل. إذن، الزمن الذي تنعقد فيه قمة الرياض مهم وخطير للغاية. فإسرائيل في أدنى مستوياتها منذ إنشائها. فهي تتخبط يمنة ويسرة بين الفشل العسكري في لبنان وبين انتشار ظاهرة الفساد الأخلاقي والمالي بين صفوف قيادييها، إضافة إلى أنها تحكم من قبل أضعف رئيس حكومة إسرائيلي عرفه تاريخها كله وذلك باعترافهم بأنفسهم. وحيث أنها في الأساس دولة قامت وتقوم على القوة العسكرية، إلا أنه لم يعد لديها اليوم رجال كبن غوريون وغولدا مائيير واسحق رابين ومناحيم بيجن واسحق شامير. أما الولايات المتحدة الأميركية فهي الأخيرة تعيش نفس مأساة إسرائيل من كافة الجوانب: حكومة تتهاوى وقوة عسكرية تتخلى عن مواقعها ويتخلى عنها حلفاؤها المقربون. فبوش في أضعف حالاته حتى بين مؤيديه خاصة بعد أن تساقطت من أمامه أهم قطع الشطرنج التي اعتمد عليها في حمايته، كرامسفيلد وتينيت وبولتون، بينما القوة العسكرية الأميركية في العراق هي الأخرى تتخبط في وحل ليس له أول ولا آخر أمام تزايد أعداد القتلى بين الجيش الأميركي الذين أصبحوا هدفا سهلا لقناصة المقاومة. فالفرصة مواتية لحل خلافات البيت الواحد دون أي تدخل خارجي. فاليوم الكل مشغول بمشاكله الداخلية، حتى فرنسا وبريطانيا مشغولتان هذه الأيام بالانتخابات القادمة. فهل شعر زعماء المنطقة بأنهم أصبحوا أوصياء على أنفسهم؟ وأنهم مسؤولون عن تقرير مصيرهم؟ وأن عليهم أخيرا القيام بواجباتهم تجاه شعوبهم؟ وأنهم أعرف وأعلم وأفهم بمشاكلهم وأسبابها وطرق حلها من غيرهم؟ ربما. وقد لا يكون الأمر إلا مثل مكره أخاك لا بطل، أو كما يقول الفرنسيون: ألق بنفسك في الماء تتعلم السباحة! لكننا على الأقل في وضع بدأ الجميع يشعر فيه ببارقة أمل جديدة. حكى لي أحد الفرنسيين الذي جلس بجانبي في الطائرة التي تقلنا إلى باريس وهو ينظر إلى الوجبة التي وضعت أمامنا، بأنه ظل خمسة وأربعين سنة يقتات على ما كانت تقوم والدته رحمها الله بطبخه ثم على همبورغر ماكدونالد ودجاج كنتاكي أثناء عزوبيته ثم أطباق زوجته التي تجهل مبادئ الطبخ إلى أن اضطرته الظروف بعد نقله للعمل في المملكة العربية السعودية قبل لحاق زوجته به، لأن يعد لنفسه وجبة الغداء في شهر رمضان حيث كانت كافة المطاعم مغلقة! فكانت الكارثة... فقد كسرها أولا في المقلاة بينما كان الزيت لا يزال باردا. ثم نسي وضع الملح والبهارات. وأصيب أثناءها بعدة لسعات من الزيت المتطاير إلى أن رأى الدخان يملأ مطبخه الخالي من كل شيء! وأخيرا أكلها محترقة عن بكرة أبيها من شدة الجوع. هذا الاعتماد على النفس رغم أن نتائج التجربة في البداية قد تكون سيئة جدا، إلا أنه اليوم يقوم بإعداد وتحضير أصعب الوصفات الفرنسية كالشاتو بريان والاستراغانوف بصلصلة الفطر وحتى المحاشي اللبنانية! لقد علمته الوحدة وشهر رمضان والمملكة العربية السعودية كيفية التحرر من الحاجة إلى وصاية الغير. فهل تستلم هذه المملكة اليوم زمام الأمور للدعوة إلى الاعتماد على النفس؟ لقد نجحت إلى حد كبير في حل قضية فتح وحماس، وحل آخر هو أيضا في طريقه إلى الأشقاء في لبنان، واليوم تتجه أنظار المملكة إلى العراق الدامي منذ أكثر من أربعة أعوام. ولا نشك في قدرتها على وضع اللبنة الأولى في هذا الاتجاه بعد أن استطاعت أن تضمن تأييد الجمهورية الإسلامية لها في تحركاتها. وهي حركة ذكية جدا. فخبر استضافتها لاجتماعات قادة سياسيين عراقيين على أراضيها، يخبئ الكثير ويشير إلى حدوث تحولات هامة في المنطقة وتغيير في الموازيين قد يغضب الكثيرين. وهكذا تصبح أحداث المنطقة ووقت انعقاد القمة ومكانها وشخصياتها كلها ذات مغزى. فهل انقلبت الموازين فعلا في منطقة الشرق الأوسط؟، وهل تعلمنا بعد عشرات السنين من الاعتماد على مطابخ الغرب كيف نسلق بيضة واحدة بأنفسنا؟ ربما. لأن الشعوب العربية ملت من الخطب الرنانة، ومن الخلافات العقيمة، ومن الأحلام الواهمة، وهي تطالب بالواقعية قبل الخبز، وبالخبز قبل المدفع، وبالمدفع قبل الأوصياء الغرباء! وتاريخنا وحضارتنا ورسالتنا ليست وليدة الأمس كما هو الحال للآخرين. [c1]نقلاً عن صحيفة البيان[/c]
قصة الفرنسي والبيضة
أخبار متعلقة