في حوار إريس جيرلاخ
مغرمة بمخزن اليمن الأثري الهائلصنعاء/ سبأ: لقاء/ محمد السياغيأريس جيرلاخ خبيرة آثارية المانية ، ترأس المعهد الالماني للآثار والفريق الاثري الالماني العامل في الكثير من مناطق اليمن منذ ما يربو عن حوالي ربع قر.لها أبحاثها ودراساتها الاثرية العلمية المتخصصة ، التي توثق وتسجل العديد من الاكتشافات الاثرية الهامة للبعثة الالمانية، وتكشف الغموض عن الكثير من التفاصيل في تاريخ حواضر الممالك اليمنية القديمة.التقيت إريس في موقع عمل البعثة الحالي بمدينة صرواح التاريخية (45) كم غربي محافظة مأرب اليمنية، وتحدثت عن سر اهتمامها بالابحاث الاثرية في اليمن، وتاريخ عمل البعثة الالمانية في اليمن، وأهم النتائج التي توصلت اليها ،وكذا الاعمال الاثرية المدرجة ضمن قائمة اهتمامات البعثة مستقبلا.. ولم يخلوا حوارنا هذا معها من الحديث عن رؤيتها للواقع الاثري في اليمن ، والصعوبات التي تواجه عمل البعثة .. لكن البداية طبعا كانت من سؤالنا لها عن كيفية اكتشاف البعثة للنصب الاثري العملاق المنقوش الذي تم الاعلان عنه مؤخرا ؟- جيرلاخ : اكتشفنا هذا النقش العملاق ، اثناء عملنا الجاري في ترميم وتنظيف معبد المقه ، وكان مرميا على ساحة المعبد ، تغطية الاتربة ، ووجدنا إلى جانبه بعض النقوش الصغيرة تعود للعصر الاسلامي ، وكان النقش على ما يبدو قد تأثر بزلزال ما حدث في الماضي ، لهذا تجد فيه بعض الشروخ ، لكن النقش عموما بحالة جيدة كما ترى.وطبعا هذه قاعدة حجرية جديدة قمنا بعملها الان لتحمل النقش ، وسنحاول تنظيفها لتبدوا اكثر جمالا ليبقى النقش في مكانه هنا، وهناك نقش اخر اكتشف لعالم نمساوي اسمه جلازر يعود لعام 1888م وهو نقش جديد ويعود للقرن الخامس او السادس قبل الميلاد .والنقش الاثري العملاق المكتشف طبعا يحكي عن معركة دارت في الماضي بين (سبأ وقتبان)، والنقش حسب ما جاء فيه هو تخليد لمعركة عسكرية حربية تجسد الانتصار السبئي في عهد الملك يسع كرب إيل وتر على قتبان ويحكي عن الكثير من القادة الذي شاركوا واستشهدوا في هذه المعركة.< سبأ : ما اهمية هذا الاكتشاف بالنسبة لتاريخ اليمن ؟- نعم هذا النقش يصور الجانب الاخر من تاريخ الحواضر اليمنية القديمة ، انه يصور حالة العظمة والثراء ، والتنافس والمعارك العسكرية والصراعات التي دارت في تلك الفترة ، انت تعرف ان هذه الممالك كانت جميعها ذات نفوذ واسع لهذا كان لا بد ان يكون هناك تنافس فيما بينها على السيادة . < سبأ : ما ذا تحدثينا دكتورة عن أهم الأعمال والأبحاث الأثرية للبعثة في اليمن؟- المعهد يعمل منذ اكثر من 25سنه في اليمن،وقد بدأت الاعمال والتنقيبات الاثرية للبعثة في محافظة مأرب منذ قبل بناء سد مأرب الجديد، وفي تلك الفترة تم التنقيب في العديد من المواقع مثل معبد بران، وايضا السد المنشئة (أ)،وايضا العديد من منشأت الري.كما تم التنقيب ايضا في محافظات اخرى خلال هذه الفترة مثل محافظة لحج ،واشهر الاعمال في المناطق الجبلية بمنطقة العود،هذه طبعا كانت من اهم الاعمال التي وجدت الاكتشافات الاثرية فيها تأثيرات تعود للقرن الثالث قبل الميلاد إلى القرن الثالث الميلادي.ايضا قمنا باعمال كثيرة جدا ، مثل الحفريات الانقاذية التي نفذتها البعثة مع الهيئة العامة للاثار كما هو الحال في الحفرية الانقاذية لمقبرة شعوب.وطبعا منذ اكثر من خمس سنوات بدأت اعمال التنقيب في مقبرة أوام، بالاضافة إلى اعمال تنقيبات في وادي الجفينة بمأرب، وفي 2001م بدأت اعمال التنقيب هنا في مدينة صرواح في هذا المعبد المقه، ومدينة صرواح هي مدينة صغيره لكنها مدينة مهمة جدا لما تحتويه المدينة، هذا اذا ما قارنتها بمدينة مأرب القديمة هذا بالنسبة للمعابد والقصر والمساكن.< لكن سمعنا ان البعثة ستقوم باعمال تنقيبات في مدينة مأرب القديمة في حين كانت هناك اعمال قد اجريت ؟- نعم نود القيام باعمال التنقيبات الاثرية في مدينة مأرب القديمة، وبالفعل تمت هناك اعمال وهي الاعمال الخفيفة السطحية في منتصف المدينة القديمة ، لكن للاسف الشديد لم يتمكنوا من اعمال التنقيب باستمرار كامل نظرا للطلبات التي يقدمها بعض القبائل من الحكومة.والحقيقة هناك الكثير من الموضوعات التي تتناولونها انتم في وسيلتكم، ،وهي فعلا ذات اهمية بالغة تسعى للرفع من مستوى الوعي لدى المواطنين باهمية الحفاظ على الموروث الاثري ، خاصة ما يتصل بما يتهدد المناطق الاثرية، كما هو الحال في مدينة مأرب القديمة ، وبقدر ما انا مستائه من تلك الاعمال التخريبية في موقع يجمع الكثير من النقوش الهامة، آمل في أن تتوقف مثل هذه الاعمال، وان تحذوا بقية الوسائل والصحف حذوكم في مناقشة مثل هذه المواضيع الحيوية الهامة ويكتبوا عن المواقع الاثرية وتهديمها لما له من اثر في ايقاف مثل هذه الاعمال. < ياترى كم مواسم تم تنفيذها من قبل البعثة حتى الان في صرواح؟- من 2001 وحتى الان حوالي ثمانية مواسم في كل عام نعمل موسمين، وتوقفنا في موسم واحد عام 2003م تقريبا نتيجة الظروف الدولية حينها.وفي هذا العام بدأنا لمدة خمسة اسابيع وسيتوقف العمل في منتصف هذا الشهر وسنستأنف العمل بعد العيد.< ياترى على ماذا تتركز الاعمال الحالية في هذا المعبد بالضبط؟- تركز في اعمال التنقيب الكاملة في معبد (الاله المقه)، وكان المتبقي جزء يسير داخل هذا المعبد، وكانت المفاجئة بالنسبة لنا هو الكشف عن هذا النقش الكبير البالغ طوله حوالي 7 أمتار، وكما اوضحت ان اهميته تكمن في ما يحكيه من تفاصيل عن المعارك الحربية في منتصف الالف الاول قبل الميلاد.< لاشك ان الاعمال التي قمتم بها هنا قد كونت لديكم رؤية أو حقيقة ما .. ماهي ياترى ؟- (تضحك) بالنسبة للتنقيبات في هذا المعبد اعطت لنا الكثير من المعلومات الهامة والواضحة جدا عن مكونات المعبد، وشكله والمباني نفسها والعديد من المعلومات الاخرى. لكن هل من رؤية او حقيقة توصلتم اليها ذات بعد تاريخي ما على تاريخ اليمن أو الجزيرة العربية؟- نعم هذه دائما تأتي عن طريق المفاجئات، مثلا في المواسم السابقة تم العثور على نصب حجري منقوش مكتوب بالخط السبئي والنبطي في نفس الوقت، وهذة الحالة تشبة النقوش المصرية الجديدة التي تم اكتشافها وكانت اكتشافات ضخمة ، الامر الذي يؤكد على اهمية العلاقات والروابط الوثيقية التي كانت تجمع بين اليمن السعيد في الماضي والنبطيين وكانت علاقات واسعة جدا، بالاضافة إلى ما ذكرنا سابقا عن تاثيرات الاكتشافات في جبل العود، حيث تحمل التماثيل تأثيرات يونانية.< لكن ماذا عن رمز(اللاله المقه) هل عرفتم ماهية الرمز الذي كان يرمز له مثلا وكيف كانت تمارس طقوس العبادة؟- المقه معروف انه القمر، والمعروف ان هذه اللالهه كانت سماوية ثلاثية ، ورموز اللالهه كانت كثيرة جدا، يمكن تكون قرون الثور او الوعل او الهلال او النجمة .في الوقت الحاضر لا نعرف كيف كانت تمارس طقوس العبادة ، اما عن سؤالك كيف كانت تمارس طقوس العبادة فهذا ما لم تذكره النقوش. .هناك كثيرين تحدثوا عن الديانات القديمة في اليمن ، لكن عن (الكيفية كطقس يمارس) لايوجد نقش واحد ذكرها. < الملاحظ ان هناك تشابه في اشكال المعابد في منطقة مأرب مثل احتواءها على الاعمدة مثلا هل من تفسير ؟- هذا ليس تشابه ، تخيل أن هذه الاقوام التي نتحدث عنها وشيدت هذه الحضارة ، وصلوا إلى مرحلة معينة من الرقي والترف والايمان والعقيدة ، وهذا كان يتطلب منهم في عمل المعابد اخذ اشياء كثيرة في الاعتبار ، مثل اتساع المعبد تشييد الاعمدة العملاقة والزخرفة الافاريز النقوش ليعطوا ايحاء لزائر المعبد بهيبة المكان وعظمة هذه الحضارة او تلك، ويمكن أن تقارن هذا باي معابد العالم الاثرية الموجودة كما هو الحال في الاقصر في مصر نفس الشىء هذا كان في اليمن.< لو انتقلنا د.إريس من الحديث عن المعابد ، إلى سر اهتمامك بالعمل الاثري رغم مشقته ماذا تحدثينا ياترى؟- العمل الاثري شاق بالفعل ، لكنه ممتع كما هو الحال مع العمل الصحفي المهني، واهتمامي واهتمام بلدي بالعمل الاثري ، ينبع دائما من الاهتمام بالمعلومة وقيمة الابحاث العلمية التي يمكن ان نقدمها لليمن ، فعلا أنا مغرمة بمخزون اليمن التراثي والحضاري الهائل هذا ، ودائما اقول أن مأرب تمثل المخزن او العاصمة الاثرية لليمن تماما كما ان اليمن تمثل العمق التاريخي والحضاري والاثري لمنطقة الجزيرة العربية . أخير ما هو تقييمك للوضع الاثري في اليمن على ضوء عملك في هذا المجال؟- اليمن غنية بالآثار والوعي الاثري هنا يتسع بشكل دائم ، بالنظر إلى ما كان الحال عليه في الفترات السابقة، حيث كان من الصعب ان نعمل في مثل هذه المواقع والحقول الاثرية المهمة كما تعرف، كنا نواجهة الكثير من الصعوبات لكنها اليوم خفت ، وما آمله فعلا هو ان يتسع الاحساس بالمسئولية لدى الجميع تجاه هذا الارث الحضري الوارف الذي فيه تكمن الهوية الاساسية لكل ابناء اليمن السعيد.