أبو الفضل الوليد
الشاعر اللبناني العربي إلياس عبدالله فرج طعمة كانت له صفة ترفعه إلى أعلى منازل الإخلاص والصدق والإكرام هي إيمانه بقوميته العربية وافتخاره بمحتواها الإسلامي يوم كانت هذه الصفة قد اندثرت وامتحت من أفئدة الذين نادوا أيام الحكم العثماني ثم تناسوها وتنكروا لها يوم نزلت فرنسا ( الأم الحنون) على شواطئ الساحل اللبناني والسوري عام 1918م وأعلن وكيل المندوب السامي الفرنسي في بيروت قائلاً : " إن فرنسا تلبي طلب أصدقائها الموارنة وتأتي لهذه البلاد لحمايتهم".إعداد/ ميسون عدنان الصادق :[c1]مولده ونشأته[/c]ولد شاعرنا الثائر في القرنة الحمراء من قضاء المتن عام 1889م حيث كان لآل طعمة في تلك المنطقة السيادة والنفوذ وكان والده عبدالله طعمة شديد الإعجاب بالعرب وبتاريخهم يعتز بأمجادهم ويتغنى بأشعارهم ونوادر فصحائهم ومآثر أبطالهم. وكان جداه – جده لأبيه إلياس طعمة وجده لأمه خليل طوبيا من الجاه والثراء والسمعة الحسنة ما جعل الشاعر ينشأ في بيت عريق الحسب والنسب ويرفل في بحبوحة من الوجاهة.[c1]في معهد عينطورة[/c]في أواخر عام 1899م أرسله والده إلى معهد عينطورة بعد أن غدا إلياس متمكناً من العربية والفرنسية في القرية وكان معهد عينطورة المعهد الفرنسي الأول في منطقة الشرق الأدنى لا يدخله سوى أبناء الوجاهة والثراء وأنصرف التلميذ إلى الدرس والاجتهاد ما أدهش أساتذته ووجد إلياس متسعاً من الوقت لينظم الشعر باللغتين العربية والفرنسية كما أن نفسه – بما حملت من الإباء والشمم والنزوع إلى الحرية مالت إلى التمرد على ما لا يلاءم طباعه من تقاليد في المدرسة.وفي عام 1902م انتقل الشاعر إلى مدرسة الحكمة في بيروت واكب على دراسة العربية برغبة واندفاع حتى بلغ منها تحقيقاً ودرساً ما جعله أحد الجنود في نهضة اللغة العربية المعاصرة.وعاد إلى قريته في نهاية عام 1905م وهو مكتمل الشخصية مع أنه كان في السابعة عشرة من عمره وأمضى وقته يناظر ويجالس العلماء وانصرف بكليته إلى الأدب والتبشير بحب العربية وتراث الأمجاد.[c1]هجرته إلى أمريكا[/c]وفي عام 1908م أبحر من بيروت سالماً إلى مصر وايطاليا وفرنسا وأسبانيا والبرتغال وهناك تاقت نفسه إلى العالم الجديد فتوجه إلى الأرجنتين وتجول في أرجائها طوال سنتين ثم انتقل إلى الارغواي ومنها إلى البرازيل حيث استقر في عاصمتها ريودي جانيرو أثني عشرة سنة وفي تلك الحقبة قام بجولات واسعة يطوف على أبناء الجالية العربية يلقي الخطب والمحاضرات ونشر المقالات والقصائد في تمجيد الوحدة العربية والعمل على جمع كلمة أبناء بلده في الخط الوطني السليم.[c1]جريدة الحمراء[/c]وقبل إعلان الحرب العالمية الأولى بسنة واحدة أصدر جريدة الحمراء تيمناً باسم قريته واسم حمراء قرناطة الأندلسية فكان لها شأن كبير لدى المغتربين والأوساط الرسمية وظل يصدرها حتى عام 1917م وهي منبعه بالشعور العربي الصادق والمحبة الوطنية.[c1]اسمه الجديد[/c]وبإصرار المؤمن الثائر اتخذ في تشرين الأول عام 1916م اسم الوليد وكتبه (أبي الفضل) ودونهما في السجلات الحكومية فأصبحا اسمين رسميين يعرف ويعامل بهما ولم يغير اسمه لأنه غير عربي بل لأن أخصامه حاولوا إغراءه في سبيل إسكاته عن دعوته العربية وحمله على مؤازرتهم في ركاب ( الأم الحنون ) وحلفائها الذين خلفوا الحكم التركي البائد ومن أثر عمله هذا أنه بادر أصدقاؤه ومحبوه إلى إقامة الحفلات التذكارية لهذا الحدث الممتلئ بالتحدي لمن كان يتلمس الخلاص والغناء وراء الأجنبي الجديد ويقدس انتدابه متميزاً انتصاره دعماً لمعتقداته الذهبية الواهية.[c1]العودة إلى الشرق ووفاته[/c]وفي عام 1922م ركب البحر عائداً إلى الوطن بقصد معرفة رجالات الثورة العربية الأولى فعرج على الجزائر وتونس ثم وصل إلى لبنان وقام بعد ذلك بزيارة مصر وفلسطين والأردن وسوريا والعراق وفي عام 1929م انتدبته لجنة من الوطنيين الأحرار ليمثل لبنان في المؤتمر الشرقي ضد الاستعمار المنعقد في برلين فقام بهذه المهمة خير قيام وأدى رسالة العروبة بكل أمانة وشجاعة. ولقد أثر في أيامه الأخيرة الانصراف إلى العزلة وقد هاله طغيان الاستعمار في البلاد وظل هكذا يعيش حتى وافته المنية عام 1941م فكانت كلماته الأخيرة قوله :على عمرانها الدنيا حراب[c1] *** [/c]ومع قمريها يتغنى الغرابفدعها غير مأسوف عليها[c1] *** [/c]فأولها وآخرها تراب[c1]أهم مؤلفاته[/c]وللشاعر إلياس طعمة مؤلفات عديدة إلى جانب ديوانه الضخم من الأهمية بمكان في عمق التفكير وبلاغة الأسلوب والترسل في الرواية والإنشاء وله روايات مسرحية مقتبسة من تاريخ العرب وهي أسرار بغداد ( وأحمد وولادة ) و ( نكبة البرامكة ) كما عرب نظما ( البحيرة ) للامراتين و ( الليالي ) لدى موسيه وقسماً من الكوميديا (الإلهية) لدانتي وفي خليط من النظم والنثر ترجم ( آخر بني سراج ) و ( أحلام العذارى ) و ( الحب آخره قتل).ونظم نشيد المنسوب إلى سليمان وطبع رواية ( زوال الحب والملك في بيروت ) واتبعها بـ ( أحاديث المجد والوجد ) وديوان ( رياحين الأرواح) و ( السباعيات ).هذه أبرز ما في حياة الشاعر المجاهد المغترب إلياس طعمة ومن المحقق أن حياته وأدبه الحافل بصخب الإعصار العربي على الأجنبي جدير بالدراسة.