سطور
مجيب الرحمن الوصابي:عندما تقترب من جوهر شاعر ((حقيقي)) تتحسس متلمساً منابع توهجه وروافد تألقه ؛ فلا بدّ من أن ينالك من (( سره)) الذي استودعه الله فيه (( شيء )) . وهذا حالي مع ((عبدالرحمن)) ومقامي منه !! ، إنما هي ((عامان)) اختطها من العمر وأحطت بتفاصيل ((ملكته الشاعرية )) .. عشتها .. وظفرت وأيما الظفر بتجربة فريدة ؛ ظلمتها إن رويتها وظلمته . لازمته كظله .. فكان ((القطب)) وأنا ((المريد)) ، فتح لي بيته وقلبه ، وغمرني بكرمه وخلقه منذ اللحظات الأولى لصداقتنا حيث العام التمهيدي ((لماجستير)) في كلية التربية جامعة عدن . كان (( مجازاً )) زميلاً لنا ؛ وأتحفظ من أن أقول زميلاً لأنه والحق يقال بمقام الأستاذ لنا وتخيل أنك تنتظم في قاعات الدرس وبجوارك (( عبدالرحمن إبراهيم )) ، ويحاضرك عمالقة في الأدب واللغة والنقد مثل ((الجنابي)) و ((النهر)) و ((الحمداني)) و ((هلال)) و ((الهمداني)) و ((عمشوش)) وأخيراً وليس آخراً الأستاذ ((عبدالله فاضل)) . مع هؤلاء العلماء الأفذاذ و (( عبدالرحمن )) نلت ما لم أنله من المعارف والعلوم طيلة سني الدراسة ، وهو في أثناء دراسته معنا كان متواضعاً خلوقاً ، لا يظهر تميزه وتفوقه إلا إذا طلب منه أو احتاج الأمر لإثراء المحاضرات بالنقاش والمداخلات .. هذا التميز وهذه القدرات هي التي جعلت أستاذه (( عبدالمنعم كليمة )) الناقد المصري الشهير ، يقف له تحية إجلال ذات يوم في قاهرة المعز في السبعينيات عندما أظهر نبوغاً في علم العروض وكان (( ونفخر به )) يرتجل شعراً من البحر المدروس كالخبب (( وأحبك يا مراة ينتشر العشق بعينيها ... تنويعات مدارية ... أحبه كلّ زملائه في أثناء الدراسة (( الماجستير )) حتى أنهم اعتصموا لأجله عندما حرم من دخول الامتحانات النهائية لأسباب ظالمة ليس هذا مجالها .. وفضل الجميع عدم الدخول إلى الامتحان .. إلى أن جاء الفرج !! . قدّم لي الكثير .. والكثير .. قاسمني رزقه - حيث لم أكن إذاك موظفاً - بالرغم من ضيق حالته ؛ حتى أنه عرض علي التكفل برسوم الدراسة بعد أن ضاقت الدنيا وكدت اتخذ قراراً بالانسحاب .. فكان له الفضل الذي لن أنساه ؛ عندما شجعني على مواصلة الدراسة ونيل شهادة الماجستير .. بل وتوسط لي عند رئيس الدراسات العليا لتخفيض الرسوم إلى النصف وتقسيطها .. فلن أنسى فضلك هذا أبداً يا أبا مهيار . في (( العامين )) وفدت معه على مجالس الأدب والثقافة والفن ، انهل معه من حياضها ولا سيما تلك التي كان يعقدها الدكتور الهمداني لخلصائه يوم الخميس .. فيحضر امرؤ القيس والمتنبي والبحتري وابن الرومي بصوت (( عبدالرحمن )) و ((الهمداني)) و ((علوي طاهر)) ويحضر النقد - والتاريخ - والفن - والسياسة - تخيل بم سترجع من عند أولئك القوم ؟؟! وبم ستفوز وأنت تتلظى طيلة عامين بهالة ((درّية )) اسمها (( عبدالرحمن )) وعبدالرحمن وحده القمر .. وتطوف معه صوالين عدن الثقافية التي كان قطبها بلا نزاع ، ومهوى أفئدة الفنانين الذين تغنوا له .. والنقاد الذين كتبوا عنه .. والشعراء الذين كتب عنهم .. كتب للناس .. للأطفال .. للوطن .. وللصباح .. والجمال .. والأشجار .. و.. و.. والبحر !! .أيها ((البحر)) الذي طالما يبحث عن أنثاه .. لكأنك البحر وكل قصيدة لك هي أنثى يسجرها ، ويمدّها بألقه .. أيها البحر يا من تحتضن ((عدن)) بجوارحك ؛ عدن التي قال لي ذات يوم عنها : ((لا أدري ما الذي فعلته لي هذه المدينة ؛ التي أتنفسها وتتنفسني ، ولا استطيع منها الفكاك .. من يخلصني من عدن .. « فالحب في صنعاء .. والعشق أجل العشق في عدن. كيف يا صديقي أعدد مواهبك وفضائلك وصفاتك ، فهي أجل من أن توصف .. وأكثر من أن تحصى ، تعلمت الكثير .. الكثير (( على يديك تعلمت القراءة والكتابة )) بمعناهما الأعمق الشامل وأخيراً والاهم تعلمت في (( عامين )) منك كيف أحيا مفتشاً عن الجمال مستمتعاً به كنت نهراً ألا وبحراً متدفقاً من العذوبة والألحان والجمال .. والحب والعطاء .. ولازلت في قلوب من عرفك ، ولا عجب أن تكون الحياة به ومعه (( شعراً ونغماً وجمالاً وخيراً )) . نم قريراً بحسن أخلاقك وسيرتك العطرة .. أيها الباحث عن الهدوء .. والسكينة .. والجمال .. والحب واللحن .. والخيال .. الباعث لها .. وسأكتفي منك بالعامين .. وبـ (( إلزا)) التي هي قدرك .. وقدر كل رائع مثلك واسأل الله أن يتغمدك بواسع رحمته. واسأل ممن قرأ مقالي هذا أن يقرأ الفاتحة على روحك النبيلة