البعض يراه نفاقاً وليس تديناً :
القاهرة /14اكتوبر/وكالة الصحافة العربية : يشكل التدين الشكلي خطرًا متزايدًا داخل المجتمعات، لأنه لا يمثل إلا قشورًا سطحية في جوهر الدىن الحنيف، فيكتفي الشاب بارتداء الجلباب القصير وإطلاق اللحية وغيرها من المظاهر التي يعتقد أنه بدونها لا يكتمل إيمانه وتدينه، متجاهلاً جوهر العقيدة وتعلىماتها السمحة التي ربطت الإيمان بالعمل الصالح والنيات الحسنة والتفقه في الدىن ومعرفة تعاليمه وشرائعه، وكيفية رد الحجة بالحجة ومناظرة الآخر وإقناعه - ولا شك في أن هذا الفهم القاصر للدىن عند حدوده الشكلية يرجع في كثير من الأسباب إلى تراجع دور الدعاة وانحصاره حول الخلافات في الفتوى والقضايا الفقهية التي شتتت عقول الشباب، فأصبح حائرًا في مجتمعه لا يجد من يأخذ بيده إلى الطريق الصحيح..عن هذه الظاهرة يقول د. شفيع السيد الأستاذ بكلية دار العلوم جامعة القاهرة : إن هناك كثرة في المتحدثين باسم الدعوة، ولقب الداعية أصبح محببًا لدى الكثيرين وساعد في هذا بعض العوامل مثل انتشار الفضائيات التي تتيح للمتحدث الانتشار على نطاق واسع في حين أن كثيرًا من هؤلاء لا يتوافر لدىهم الحد الأدني الذي يجب أن يتوافر في الداعية، هذا بالإضافة إلى أن منهم من لا يعرف الحدود التي يجب أن يتوقف عندها، ثمة أحداث تجد وتتطلب رأي الشريعة الإسلامية. ويضيف : الإعلام كثيرًا ما يسارع إلى هؤلاء اعتقادًا أنهم أهل فتوى في حين أن الإفتاء له ضوابط وهناك مقومات يجب أن تتوافر لدى المفتي أو الداعية بصفة عامة، أما عن وجود من تتوافر به هذه المقومات ومن لا تتوافر لدىه، فهذا خلط من شأنه أن يثير الاختلال، ومن ناحية أخري فإن الشباب معذور لأنه لا يتلقي جرعة دينية كافية، ومن يريد المعرفة الدىنية أو البحث عن أي معلومة فإن ذلك يكون بطريقة عشوائية، فإما لدى الشيوخ الذين يلقاهم في المساجد، وإما الكتيبات التي لا تعتمد على معلومات مستقاة من مصادر موثوقة والأسئلة التي يبحث عن إجابات لها عن طريق المشايخ في المساجد فإن بعضهم يكون مهيأ للإجابة الصحيحة والبعض الآخر على عكس ذلك.ويري د. شفيع أن المقررات الدىنية لو قدمت في مراحل التعلىم المختلفة بصورة أكثر تخصصًا لكفى ذلك الشباب ولن يحتاجوا إلى استجلاب المعرفة الدىنية من هنا وهناك، وبعيدًا عن ذلك فإنه من الأشياء التي تمثل خطورة كبيرة أن هناك بعض الأشخاص قد تكون لدىهم أفكار دينية معينة يجدون الفرصة لغرس هذه الأفكار في عقول الشباب الذين يتوجهون إلىهم وهذا سبب ما نراه من تشبث بعض الشباب ببعض المظاهر وتتحول المسألة إلى أمور شكلية تتعلق بالزي أو إطلاق اللحية وما إلى ذلك ويجب أن نذكر في الوقت نفسه أن هناك عددًا كبيرًا من الشباب يتفهم الإسلام فهمًا صحيحًا، فينعكس ذلك على سلوكه وأخلاقه ويغدو نموذجًا طيبًا يُقتدي به كثيرًا، وعلى أي حال فإن الذي يلزم جانب الدىن سواء أكان أقرب إلى الجانب الشكلي أم تمسك باللباب والجوهر فإن هذا أفضل من الشباب الذي لا يعير الدىن أي اهتمام وربما يسير في طريق مخالف.[c1]نفاق وليس تديناً[/c]ويري د. مصطفي الشكعة أستاذ الشريعة بجامعة القاهرة أنه لا يوجد شيء يسمي تدينًا وهناك انصراف عن الدىن، أما التدين الشكلي فهو يندرج تحت بند النفاق، فالشخص عندما يرتدي ملابس معينة ويكون على شاكلة معينة ليعطي انطباعًا عنه بذلك، فهذا يكون نفاقًا لأن الدىن مكانه القلب وليس الملابس أو الشكل، وهي ليست ظاهرة بقدر ما هي حالة فردية ولا يمكن أن نعممها.ويقول د. محمد المصيلحي أستاذ أصول الفقه بكلية الشريعة جامعة الأزهر: إن التدين الشكلي هذه العبارة المقصود بها هو العمل بالأحكام الشرعية التي تتعلق بالشكل والمظهر دون العمل بباقي الأحكام الشرعية والعمل بهذه الطريقة له ثلاثة أسباب، أولها هو أن كثيرًا من الناس يعمل هذا بقصد النصب أو أن يعطي انطباعًا عن شخصيته أنه متدين وذلك بقصد الاعتداء على الناس وعلى أموالهم إذ يجعلون الناس يظنون أنهم يسيرون على الدىن الصحيح وأنهم يعملون بالأحكام وبهذا يتعلق الناس بهم وتسهل عملية السرقة والنصب والاحتيال وتكون الأهداف كلها سيئة، وعلى الرغم من أنهم يستخدمون طرقًا وأدوات شرعية إلا أن ذلك يجعلهم في دائرة المخطئين والمذنبين بجميع الأحوال وهناك مشاهد التاريخ الإسلامي تدلك على هذه الأمور مثل مسجد ضرار وقد بني للعبادة وشكل لتطبيق الشرع ومع هذا كان الهدف منه الإضرار والنصب والاحتيال، فأمر الشرع بتركه والابتعاد عنه وجاءت في الآيات «أمّن أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم» وهذا يعود إلى المسجد، وهو من أهم أشكال العبادة، فماذا يكون بالنسبة للجلباب واللحية والمظاهر والتي تحوي في مضمونها أهدافًا أخري.ثانيًا: بعض الناس يفعل هذا وقد تعود على عدم عمل الكثير من الأحكام الشرعية وتصعب علىه ويقتصر عمله على الجزء الظاهر فقط، وبذلك يكون إيمانه ناقصًا وعلىه أن يكمل، وأن يتعود على تكملة الخير فنحن لا نقول له اترك هذا الجزء الذي تعمل به ولكن يقال له أكمل، ولكن إذا اعتاد على الاهتمام بالأمور الشكلية فقط، فإن هذا لا يفيده بأي حال من الأحوال لأن الشكليات لا تفيد كثيرًا دون الحقائق، فالصلاة نفسها وهي من الأعمال الظاهرة، ومن أسس الدىن إذا لم يكن صاحبها منفذًا للدىن فتكون لا فائدة منها، فالحديث: >من لا تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له> فإذا كان هذا شأن الصلاة، فماذا يكون أيضًا بالنسبة للشكليات القليلة العديمة الفائدة.ثالثًا: بعض الناس يأتي ببعض الأحكام الشكلية، بل وأكثر منها يلتزم بزي معين أو شكل معين لكن تفكيره يكون غير منضبط فتراه مقصرًا في حق والدىه وأخوته وحق الناس، وتراه يلام في كثيرًا من الأحوال، والنبي صلي الله علىه وسلم يقول: ( خير الناس أنفعهم للناس) وعلى هذا فإن كان هذا الانضباط ناشئًا عن عدم تعلم، فإن صاحبه يكون من المسيئين للإسلام، فكيف يدعو إلى الدىن وهو مقصر، بل ومخطئ في كثير من الأحيان.