منبر التراث
[c1]لكل قصيدة قصة[/c]لكل قصيدة قصة وكم من القصائد تظهر وتختفي ويبتلعها النسيان , ولكن هناك بعض القصائد منحوتة في وجدان الإنسانية على مرور الزمان وتقلبات الدهر , وكلما مضى عليها الوقت فإنها تزداد تألقاً وبريقاً ولمعاناً . والسؤال الذي يطرح نفسه هو ما الأسباب الحقيقة وراء خلود القصيدة ؟ . ويجيب نقاد الشعر أنّ القصيدة الصادقة التي تخرج من القلب إلى القلب دون تكلف أو تصنع هي القصيدة الباقية والخالدة في عقول ، وقلوب ، ونفوس الناس مهما تراكمت عليها الأيام ، والشهور والسنون الطوال . [c1]كعب بن زهير[/c]وهذه قصيدة كعب بن زهير الذي أنشدها بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عندما مثل بين يديه ليدخل في دين الإسلام الحنيف ، فيقول في أحدى أبياتها الشعرية :" بانت سُعاد فقلبي اليوم مَتبُولُ[c1] *** [/c]متيمُ إثرَها لم يُفدَ مَكبُولُ " ويروي الرواة لنا أنّ كعب بن زهير ، كان شاعراً نابغاً بلغت شهرته الآفاق أتقن الشعر بفضل موهبته وأبوه زهير بن أبي سلمى والذي كان يعد من فحول الشعر في الجاهلية الذي علمه قرض الشعر . ويقول الرواة " عن كعب إن أباه زهير كان يخرجه إلى الصحراء فيُلقي عليه بيتا أو شطراً ويطلب إليه أنّ يجيزه تمريناً له وتدريباً على صَوغ الشعر ونظمه ". [c1]البُردة[/c]وتذكر المراجع التاريخية أنّ كعب ، دخل الإسلام في وقت متأخر وتحديداً بعد فتح مكة . وقيل أنه كان قبل الإسلام ، قد هجا رسول الله هجاءاً شديداً . ويقال أنّ أخيه ( بجير) الذي أسلم قبله ، حث كعب بالمثول أمام يدي رسول الله في المدينة ليصفح ويعفو عنه . " وشرح الله صدر كعب للإسلام ، فقدم المدينة وبدأ بأبي بكر ، فوقع من نفسه " فلم فرغ رسول الله من صلاة الصبح " جاء به وهو متلثم بعمامته . فقال يا رسول الله ! أنا كعب بن زهير . فتجهمته الأنصار وغلظت له . . . وأحبت المهاجرة أنّ يسلم ويؤمنه النبي صلى الله عليه وسلم ، فأمنه رسول الله " . ورضي رسول الله عن كعب بن زهير , " فكساه النبي صلى الله عليه وسلم بُردة اشتراها معاوية من أبنائه بعشرين ألف درهم ، وكان يلبسها الخلفاء بعد معاوية في العيدين . وقد اكتسى بها كعب حلة مجد لا تبلى ، ولقبت قصيدته من أجلها بالبُردة " . [c1]ويصفح الصفح الجميل[/c]ويقول شوقي ضيف في كتابه القيم تاريخ الأدب العربي - العصر الإسلامي - عن التغيير الجذري الكبير الذي حدثت في قصائد كعب بن زهير بعد الإسلام : " إذ نراه دائماً في شعره الجاهلي مفاخراً متوعداً مهدداً . حتى إذا أسلم أخذت نفسه تصفو . وأخذ يستشعر معاني الإسلام الروحية . وما دعا إليه من الخلق الفاضل حتى لنراه في الهجاء نفسه يعلن لهاجيه أنه يصفح الصفح الجميل ، سائقاً له لا من الشتم والسباب بل من الحكم ، ما يحاول به أنّ يكف أذاه عنه " . [c1]التغيير الجذري [/c]وستظل قصيدة بن كعب الذي مدح فيها رسول الله محفورة في تاريخ الأدب الإسلامي . والحقيقة عندما أظهرنا مدح كعب بن زهير لرسول الله في تلك القصيدة ، كان الغرض منها هو أن القصيدة النابعة من المشاعر والأحاسيس المتدفقة الصادقة والصافية مهما طال بها الزمان ، فإنها تكون دائماً وأبداً متألقة وبراقة ومضيئة ومشرقة - كما أسلفنا - ومدى ما أحدثه الإسلام من تغير عميق وجذري في القيم الروحية في نفوس الشعراء ومنهم الشاعر الفحل كعب بن زهير الذي صار شعره مرآة صادقة عن إيمانه المرتبط بقيم الإسلام المُثلى ومبادئه المضيئة .