جمال شراءليلة الخميس الماضي في شهد منتدى خورمكسر الثقافي ليلة ضافية وأمسية شائقة توافرت لها أرضية خصبة متفردة تعكس أهمية المحتفى به الراحل الأكبر فنان الطرب الأصيل “ أحمد بن أحمد قاسم”، وتم الإيذان بذلك بدعوة يُشكر عليها الأستاذ علي السيد عبدالله “ عميد المنتدى الذي أصاب عين الاختيار بدعوة الأستاذ الباحث والناقد الخلوق “ علي محمد يحيى “ للتصدي لفحوى الفعاليَّة التي وسمت بـ “ كشف المستور وما هو مأثور في حياة أحمد قاسم” وللحق فقد كان “ يحيى” موفقاً للغاية فيما سَرَدهُ وأبداه وفي إماطتهُ اللثام عن الراحل الكبير وما أحاط حياته من أفراح وأتراح وذكريات ومعلومات لعل بعضها كان جديداً بالفعل أو غائباً عن إدراكِ الحضور الذين كان معظمهم من النقاد والأدباء والفنانين ومحبي الفنان الراحل.فبعد مقدمة موجزة عن حال ووضع المسرح الفني وساحته قبيل الولادة الفنيّة للفقيد والمزاج الفني السائد على أرضيّة عدن ولحج وأبين وحضرموت كإتحاد متناغم أثرى الرصيد الفني اليمني بمآثر قلّما تتكرر وذلك في مبتدى الخمسينات من القرن الماضي وهو ما يتفق الكثير من النقاد على تسميته بالعصر الذهبي لفن الغناء في محافظات اليمن الشرقية والجنوبية آنئذٍ. والقصد من مقدمة “ يحيى” تلك التأكيد على أن انطلاقة “ أحمد قاسم” استندت إلى أرضيّة صلبة وجوٍ كان مازحاً بألوان متعددة من فنون الغناء حينها وهو الجانب الذي من خلاله أشعّت موهبةً “ أحمد قاسم” وأضافت وتنامت ارتكازاً على موهبته الفذّة فكان العطاء على قدر المحيط المواكب.وعرّج “ يحيى” بالذكر على نبوغ الراحل منذُ نعومة أظفاره والملكة الرائعة الملازمة لحنجرة الراحل وهو لم يجاوز العاشرة والمآل الذي ارادتهُ له والدتهُ الحاجّة “ سلام” رحمةُ الله عليها حين لامست حلاوة صوته فعرضته على الداعية الشيخ المعروف “ محمد بن سالم البيحاني” غفر الله له متوسمةً لابنها الخير في الحياض الديني لكن مرادها لم يتم لعدم رغبة الولد الذي أحسن بصرامة الدرس وبُعْده عما يجول في رأسه الصغير. وهكذا فان ذلك ولّدَ ميلين. ميل “ أحمد الصغير” عن دراسة الشرع وما يحيط به. وميله إلى فن الغناء والموسيقى.ثم استمر “ يحيى” في رواية كثير مما استقاهُ من كتب ومقالات عرضت لحياة الفقيد أو ما مَسّهُ هو شخصياً من ذكريات ذاتية مع الراحل الكبير. مع إشادة الراوي بأكثر من شخصيةٍ من أعيان وأدباء وشعراء عدن حينها ممن حظى الراحل بدعمهم الفائق الكريم لإبراز موهبته بل وصقلها ولعل أكبر تلك الشخصيات رجل الأعمال الذواق “ حسين خدابخش خان غفر الله له الذي أحتضن “ أحمد قاسم” مؤمناً بموهبته النادرة ومما ذُكر في هذا الجانب الدعم الخاصّ وما ساهم به الرجل الفاضل “ خدابخش خان” في دراسة وتأهيل الراحل بما يؤكد ويعلي شأن ملكته على أساس ما سبقها من شهادات بذلك أهمها جاءت من فنان عظيم وموسيقار متمكن مثل “ فريد الأطرش” رحمة الله عليه حينما استقدمه “ خدابخش” إلى عدن منتصف خمسينات القرن الماضي واطّلاعه على موهبة “ أحمد قاسم” وثقته العاليّة بمكنوناته وإمكاناته فحث من حضر على إرساله إلى معهد متخصص لصقل الموهبة والتأهيل. وهكذا صار. فبالموهبة والدعم والدراسة مُجتمعةً قدمت لنا أحمد قاسم كما عرفناه وطربنا لعذوبة صوته ورقة ألحانه التي دُمَغَت بها ذاكرة من عاش الانطلاقة وعايش النتاجَ الثّرَ مباشرة بمعيّة الفنان الراحل أو عبر “ التسجيل” ومروراً بالاسطوانات وانتهاءً بالأثير الإذاعي فالمرئي لاحقاً.وللحق انفرد وتفرد “ يحيى” بذكرى تفاصيل كثيرة لا تتسعُ لها العجالة هنا. وحرى بنا القول أن المنتدى بعميدهِ والساردِ الراوي وقبلها الفنان الراحل كانوا في الموعد وأتحفونا كلٌ في مجال إبداعه بما جعلنا نأوي ليلتها منتشين مغتبطين فلهم الشكر الجزيل ولراحلنا العزيز الرحمة والرضوان آمين.