ارتبط المؤرخ الراحل نقولا زيادة بعلاقة وجدانية خاصة بفلسطين التي تلقى فيها تعليمه الابتدائي والعالي وما لبث أن عاد إليها مدرسا، وحتى يومه الأخير ظل فؤاده في عكا التي أحبها وأحبته. وقد وردت عكا كمحطة هامة بسير ذاتية للكثيرين من أعلام السياسة والثقافة من أتراب زيادة منهم من عبر عن بالغ حنينه ومحبته لها, كما فعل زيادة في مؤلفه "أيامي" ود. هشام شرابي بكتابه الأخير "صور من الماضي" بالإضافة إلى آخرين من بينهم رئيس الوزراء اللبناني الأسبق سامي الصلح الذي ولد بعكا وكان مغرما بها بما لا يقل عن ولع أحمد الشقيري وغسان كنفاني. ويستدل من مذكرات زيادة أن عكا كانت مدينته المدللة فرغم العمر المديد والترحال ظلت أيامها الحلوة محفورة عميقا بذاكرته، وفي آخر حلقة من مذكراته قال المؤرخ قبل رحيله الشهر الماضي "في السنوات العشر التي قضيتها في عكا كنتُ أنعم بشكل خاص بصحن الفول". عكا كانت مشهورة بتلك المنطقة بأنها تُعد صحن الفول المدمس بطريقة خاصة, كان الفول يوضع في جرار كبيرة ليستوي وعند الفجر يذهب الفوال فيأتي بهذه الجرة الكبيرة.وكان الراحل قد ولد بدمشق عام 1907 وانتقل طفلا إلى جنين بفلسطين برفقة والده الذي عمل موظفا بالحكم العثماني، فأنهى دراسته الابتدائية والثانوية هناك، وأكمل تعليمه العالي بالكلية العربية بالقدس التي أسسها أحمد سامح والد المؤرخ وليد الخالدي قبل أن ينتقل للتربية والتعليم بقرية ترشيحا شمال أراضي 48 لمدة عامين.وعين زيادة مربيا بالمدرسة الثانوية في مدينة عكا من 1925-1935. وفي عكا تعرف على الإعلامي والناشط أكرم زعيتر، وتعاونا في إذكاء الروح الوطنية. وعاد نقولا للتدريس بالكلية العربية في القدس منذ 1939 حتى إغلاقها عقب النكبة.وروى د. مصطفى كبها أنه التقى زيادة بألمانيا قبل سنوات، فسأله في سياق محادثتهما عما إذا كان يرى في نفسه لبنانيا أم فلسطينيا فأجاب "أرى أن تعرفني شاميا". ولفت كبها أن الراحل الذي أتقن لغات عديدة تميز بكونه مؤرخا مهنيا ومثقفا تاريخيا، بنفس الآن تميزت كتابته بالموازنة بين السرد الروائي وبين الحفاظ على الحقيقة.وأضاف "رغم اعتزازه القومي واظب زيادة على الالتزام بالموضوعية وعرف كيف يفصل في مؤلفاته بين التاريخ العلمي وبين الوعظ والتنشئة القومية" مشيرا إلى أنه أمسك بناصية التوثيق والكتابة التاريخية وبإتقان اللغة العربية إضافة إلى ناصية التربية والتثقيف.وكان الراحل قد عمل محاضرا ضيفا بعدة جامعات منها الجامعة الأردنية، ووضع 50 مؤلفا صدرت بالعربية منها ستة كتب رأت النور في فلسطين.
|
ثقافة
المؤرخ نقولا زيادة رحل وبقي حنينه إلى عكا
أخبار متعلقة