أفكار
يواصل الرحالة النمساوي « لودفيغ سلفاتور « شدَّنا بأسلوبه الطلّي إلى ما كتبه في تقريره الذي ضمه كتابه ( السواحل الليبية التونسية ) عن رحلته من الإسكندرية إلى الكثير من المدن والمواقع والمواضع الليبية التي مرَّ بها ، وتوقف عندها على متن يخته « حورية البحر » ولا شك أن هذه الطلاوة قد سندتها طلاوة الترجمة التي قام بها الدكتور « عماد الدين غانم « لهذا الكتاب القيِّم مع تحقيقه تحقيقاً متقناً يصل في بعض الأحيان إلى فك الرموز لإيراد الأسماء الصحيحة والمسميات التي وردت فيها .ويحدثنا الدكتور عماد الدين غانم في تمهيده الذي وضعه للرحلة الكتاب عن « لودفيغ سلفاتور « في حياته الخاصة فيما يشبه السيرة الذاتية ويخلص إلى القول إن « لودفيغ سلفاتور « لم يكن يهتُّم بالمظاهر ، بل كان يعامل « طاقم « اليخت وحاشيته بمبدأ المساواة التامة ، فهو يقاسمهم كل شيء ، ويشاركهم المسكن والطعام ، وكان يقوم مثلهم بالأعمال على ظهر السفينة ، كما أن « لودفيغ سلفاتور» كما يقول الدكتور غانم - كان ينظر إلى العلم بأنه يجب أن يوجه لصالح الإنسانية ولذلك فإن المعلومات التي يجري التوصل إليها يجدر أن توضع تحت تصرف الناس بحيث يستفيدون منها ويقول إن « لودفيغ سلفاتور» كان ينتقد توجه الاهتمام إلى الحروب وقادتها إذ يقول : « ومما يثير الانتباه أنَّ الناس ينشغلون في الغالب بأفعال أولئك الذين يسببون الأذى « .ويصف الدكتور غانم « حورية البحر « ويقول إنه يخت بديع يتسم بأسمى معايير الترتيب والنظافة البالغة والراحة وقد اتسم « الطاقم « بالأدب الجمّ .وبلغ عد أفراده عشرين شخصاً إضافة إلى العديد من أصناف الحيوان التي ولدت على ظهر اليخت ولم يسبق لها أن وطئت اليابسة ، ويضاف إلى ذلك أعداد من القطط وغيرها الأمر الذي جعل أصدقاء « سلفاتور » ومعاصريه ممن عرفوا اليخت يدعون «حورية البحر « بأنها سفينة نوح !!ويصف « سلفاتور « مدينة بنغازي تفصيلاً فيقول: « وفي وسط المدينة ميدان فسيح نسبياً ، حيث يقوم المسجد الجامع بمنارته العالية ( لعله الجامع العتيق الذي لا يزال قائماً حتى الآن بميدان البلدية ) وما خلا ذلك توجد العديد من القباب ، يمكن تمييزها من الساريات المختلفة ، حيث ترفع في أيام أعياد معينة (سناجق أصحاب البركة ) ( لعله يقصد الطرق الصوفية ) وتمتد الأسواق من الميدان الرئيس ، بعضها مسقوف ، وبعضها الآخر مسقوف بسعف النخيل ، أو توضع قطع من الحصر على الجوانب ، وتباع هناك المواد الغذائية والأغطية وملابس أخرى ، والطرق غير مرصوفة يعلوها الغبار ، وفي الغالب يطمرها الرمل « .ويتوغل « لودفيغ سلفاتور « في بنغازي مواصلاً وصفه معالمها فيقول « أما ما يخص النزهات حول بنغازي ، فإن واحداً من أجمل الأمكنة « غوطة » النخيل في شرقيها ،ويصل المرء إليها عبر السهل الملحي خلف المدينة مروراً بمجموعة من البيوت ومصلحة الجمارك « ثم يقول « سلفاتور» : « وإذا ما سار المرء من هنا على امتداد الشاطئ باتجاه الشرق يمرُّ بعدة انهدامات حتى يبلغ طاحونة هوائية ، ثم يصل بروزاً صخرياً أسود يعقبه في نهاية المطاف خليج صغير حيث ينشط في الغالب صيادو السمك» . *عن/ صحيفة «الشمس» الليبية