أوبريت الشاعر غالب الحكيمي
محمد نعمان الشرجبي[c1] تمهيد...[/c]الشاعُر الغنائي المعطاء ، غالب الحكيمي ، شاعرٌ (ما شاء الله ). صحيح الجسم من مرض الغرور، كبيُرعلى صغر دائرة المطالعة، وعلى قدٍر واسع ٍ من معرفة أن ممارسة الإبداع ليست في مناُى عن الأعمال الشّاقة .ِزدْ على ذلك، ليست الغاية عنده الشهرة، أو بقاء الشاعر ، أو الكاتب عند الفرح باسمه وصورته، بل بالقدرة على تأدية دوره الأساسي إلى درجة التوهج ، وايجابية الفعالية بنتاج شعري راق ٍ بعيدا ً عن الوقتية الزائلة ، والافتعال والزيف.هذا هو الشاعر الحكيمي ، وهو عندي أيضا ً يكتب القصيدة المقروءة، والمغناة المتمكنة من نفسها عند الإلقاء في حين تشد الناس على تقبل سماعها، وتحافظ على هذا كله مثلما تحافظ على أنها عمل كُتب ليفعل في النفوس ما تفعله العيون في القلوب.والحكيمي بعد ذلك ، شاعر يمارس الاشتغال الإبداعي حتى اختمار القصيدة في معبد الشعر متكئا ً على الاصطفاء الفني، فارضا ً وجوده على الساحة الأدبية بأجود قول يسوقه إلى مستوى أرفع وآفاق أرحب.وإنّي لأرغب في القول بأن في الكثير من غنائياته المثبتّة في ديوانه المطبوع، (عيون القوافي )،تجسيد العلاقة وتنميتها بين الشاعر و المتلقي قراءة وسماعا ً دونماضيق في المبنى، ولا ترهّل على حساب المحتوى. إذا بنظرة متبصّرة أصبح الحكيمي واحداً من الأسماء الشعرية التي أكدت نفسها، واعتلت مدماك هذا الجنس الأدبي، وتبوّأ منصبه باقتدار في بلاط دولة الأدب. و استمرت بفعالية وحتى الآن مؤثرة في حياتنا الثقافية، متطورة بتطور الحياة الإجتماعية بكل وجوهها، ومحافظة على أمور منها : النظرة إلى وظيفة الشعر نظرة فيها الكثير من الجدية، والجهد والعطاء.التعامل مع القارئ باحترام على مستوى المبنى والمعنى.عدم التورط في مزالق الحداثة والتحديث.وإلى جانب توظيف ما تتمتع به القصيدة من إمكانات في خدمة الناس، يهتم بالخصوصية المحلية، وهذا المنفذ مكنه من أن يكون مرغوبا أكثر. إنه شاعر يمارس طقوس الحرف الإبداعي ضمن خط إعلامي مفتوح لا يسمح فيه لنفسه بادراج المشوّه من التراكم الكمي، وطمس معالم ومستويات هذا الفن. يكفي أنه شاعر في بداية مشواره الشعري الغنائي، حمل الكثير من الوهج ومعنى ومازال في التألق والجدية. [c1]ليالي الدم والمعارك[/c]بعد كل ما سبق أراني ألج مباشرة إلى (إرادة شعب) للشاعر غالب الحكيمي، واقع في أربع عشر مقطعاً شعريا غنائيا محكماً، متصل الثنايا، والحلقات، منبعه، إنسانية الوجدان، والوطنية الصادقة العالية. وفي سياق المعنى الإجمالي، يتبنّى الأوبريت قضية تحقيق المطلب المشروع بانتصاب عود (الجمهورية اليمنية). ممهداً لهذا المطلب الوحدوي، بظاهر المعنى، ودلالاته، بالنضال في سبيل الكرامة، والانعتاق من عبودية أغلال الأئمة، وكسر طوق الإحتلال البريطاني، والبذل والعطاء في تضحيات (الأنجم الزهر)، في ليالي الدم والمعارك. لنقرأ :[c1]الليل والنهار والفرحة باختصار.. الشعب قد قال كلمته بدّدنا ليل الانكســار باختصار .. بـادر وأعلن ثورتــــه نقشنا في وجه النهار باختصار .. رسم بدمه فرحتــــه إرادة الشعـــب الـــتي في شهر سبتمبر.. رمز الثائريـن ترفض حياة الانشطاررمز الإباء والحب.. والنصر المبين [/c]فأنت تراه من أول المقطع التمهيدي يصوغ موضوعه بأسلوب شعري شائق ومقبول، غير معترف بالحواجز، لهجة كل الوطن والجنس. ولأن الأوبريت اختار له الشاعر عنوان، (إرادة شعب)، أكد في مطلعه على قدرة ارادة الشعب في صنع المعجزات، وتفجير الثورة وتحقيق الانتصار في الوطن شماله وجنوبه، وفي دلالة هذا النصر، نستذكر قول الشاعر عبدالله البردوني:[c1]أفقنا على فجر يوم صبي أتدرين يا شمس ماذا جرى فيا ضحوات المنى أطربي سلبنا الدجى فجرنا المختبي[/c]وبالمقابل يقودنا إلى قراءة قول الشاعر لطفي جعفر أمان عقب انتصار ثورة الشعب اليمني في جنوب الوطن: [c1]على أرضنا بعد طول الكفاحتجلىّ الصباحُ لأول مرة وأقبل يزهو ربيع الخلودوموكب ثورتنا الضخم أثرهتزين إكليلهألف زهرةوينثر من دمنا الحر عطرهويرسم فوق اللواء الخفوقحروفاً لأول مرةبلادي حرة[/c]وقبل التواصل نرغب في الإشارة إلى أن هذا الاوبريت قبل أن يكون، وجد في نفس الحكيمي مدخلاً تفاعل معه، مما حبب إليه الاشتغال في صياغة أحداثه، ولهذا تراه بعد المقطعين الأول والثاني قد أحكم الطوق في تسلسل الحدث في المقطعين الثالث والرابع، هكذا :[c1]بكل فخر، أكتوبر الأحرار دعانابكل فخر، ثرنا وأرخصنا دمانا بكل فخر، أعلنا للدنيا إباناوقلنا للمستعمرين نرفض وجود الطامعينوبفضل رب العالمين تحقق النصر المبينحققنا أكبر انتصاربعشق من دم وناروأضحى مجدك يا يمنلأمجاد العالم مزار[/c]من هذا، وسالف التدوين، يكشف لنا الشاعر الحكيمي عن اهتمامه بالإنسان اليمني، وتطلعاته، وآماله، وأحلامه، ومستقبله، مما دفعه إلى ترجمتها بشعر صادق وملتزم، لا كمن يترك إنسانيته تحترق أمام عينيه.وما جاء هذا الصدق، والالتزام إلا لعلمه بأن (الأدب هو الالتزام بالإنسان وقضاياه).ومن عبور ليالي الدم والمعارك والانتصار التي قال فيها أمير الشعراء أحمد شوقي :[c1]وللحرية الحمراء باببكل يد مضرّجة يدقإلى...ومن حيثما مر الوفا، مر الصفا، مر الجدودأهل المبادئ والقيم، أهل التصدي والصمودمررنا إلى مايو العظيم، وكلنا للحب جنودلملمنا أشواق الوطن، وطن الرجال المخلصينوبفضل رب العالمين، تحقق النصر المبينباختصار الشوق سارعلى البراري والقفاريوزع الحب والسلامعلى الديار كل الديار[/c]تأمل معي صدق الشاعر إلى أبعد حدود الصدق في الاعتراف بالصلة التي تربطنا بتأريخنا، وبأخلاق ومآثر الأجداد البطولية، إدراكاً منه بأن الحالة المشطورة لفرح ناقص، فجاء شعره ملبياً للحنين المتقاطر من القلوب المتحابة التي أصرت بعناد على العبور إلى طريق الثاني والعشرين من مايو.وفي المقطعين السابع والثامن نقرأ..[c1]أعدنا وحدتنا لأمتنا المجيدةربطنا حضارتنا القديمة بالجديدةبفضل حكمتنا ونظرتنا البعيدةوبفضل رب العالمين تحقق النصر المبينإلى الأمام سار القطاربكل حكمة واقتدارليل التقاعس قد رحلوحل فجر الازدهار[/c]ومن الواضح هنا أن الجمال العام، وظف لأهداف إنسانية، وحياتيه تواصلية اندماجية، بحيث اقتطع الشاعر صور جمالية خاصة ظاهرة وواضحة المعنى، أثبت فيها بقوة طموح وأمل الإنسان اليمني في تحقيق وحدة أرضه المجزأة، باتفاق إمامي/إنجليزي/ بمصداقية التعبير عن الأحداث والوقائع التاريخية وربط ماضيها بحاضر تأريخها المعاصر، وبتحقيق فعل المطلب الوحدوي، بألفاظ صادقة تدخل الأعماق وتلامس الواقع، ألفاظ شعر ترجمت بحق ذاك الحنين المتقاطر من القلوب المتحابة..ومن نشوة القلب التي يسمونها الحب.. ومن قول الشاعر الحكيمي في المقطع المتناول هذا، (إلى الأمام سار القطار- وحل فجر الازدهار) استوطنت البهجة والانسجام والتناغم والفرح روح أرض الوطن الواحدة.والأوبريت من ألحان الفنان مليح النغمة والصوت (جمال داؤود) الذي يتعامل مع فنه بمقاييس الكلمة ولحنها، له وللشاعر كل الحب. (ولنا لقاء) مع بقية أجزاء الاوبريت لأهميته الوطنية والجمالية.