على ملتقى النيلين هذا قد أزرقا [c1] *** [/c]وهذا قد ابيضت صحيفته عتقا تدفق وادي النيل نهرا مرجبا[c1] *** [/c] به وحد السودان ما كان منشقافعاد الذي قد كان في الشرق مغربا [c1] *** [/c] وما كان في غرب البلاد غدا شرقاوأهوى على جيد الجنوب يضمه [c1] *** [/c]حنانا شمال القطر في وحدة وثقيفيا ملتقى النيلين بوركت ملتقى [c1] *** [/c] وطاب لمن يلقي لديك الذي يلقى وحييت من واد ذكرنا به الصبا [c1] *** [/c] فطرنا له شوقا وهمنا به عشقاإذا ما دنت شمس الأصيل دنا بنا [c1] *** [/c] إلى الشط نهفو للنسيم الذي رقا ونستاف ألحان العبير وقد سرى [c1] *** [/c] بها العطر نغماً والنشيد شذى عبقاونشتام من أفق المحاجر في الدجى [c1] *** [/c] إذا أومضت بالسحر أجفلها برقاليالي لا ليل الغرام بغارب [c1] *** [/c] ولا فجره يغتال من شرقه الأفقـاتطيب به الأوطار سعياً ونائلا [c1] *** [/c] فتوسعنا نفحا ونوسعه نشقامعاذ الهوى ألا نهيم بذكرها [c1] *** [/c]هياما يحيل الصمت عن ذكرها نطقاومن كاليمانيين في العهد للهوى[c1] *** [/c] وفاء إذا هاج الحنين بهم حقاتغنوا به من قبل أن تعرف اللها [c1] *** [/c] غناء وتاهوا في مسارحه سبقا.. بهذه الأبيات استهل الدكتور محمد عبده غانم قصيدته “على ملتقى النيلين” التي كتبها وهو ينظر مسحوراً إلى ملتقى النيلين الأبيض والأزرق من شرفة “جراند هوتيل” فلا غرو أن تأتي الأبيات متدفقة بالصور والشعر. وكان د. غانم قد وصل قبيل هذه القصيدة - إن صح هذا التعبير - بأيام أو ساعات للالتحاق بهيئة التدريس في جامعة الخرطوم كأستاذ في قسم اللغة العربية في كلية الآداب وذلك في صيف 1974 وقد بقى في تلك الجامعة حتى خريف 1977 عندما طلبته جامعة صنعاء للعمل فيها وقد أهدى هذه القصيدة إلى صديقه الحميم الأديب الشاعر السوداني الكبير البروفسور عبد الله الطيب. وقد نشرت هذه القصيدة فيما بعد في ديوان في “المركبة” وهو الديوان الخامس للشاعر. ولكن علاقة الشاعر بالسودانيين قديمة سواء كانوا زملاء عمل في حقل التربية والتعليم في عدن حيث عمل الشاعر وتدرج حتى صار مديراً للمعارف فقد كان البروفسور نصر الحاج علي صديقه أيام الدراسة في الجامعة الأمريكية ببيروت في مطلع ثلاثينيات القرن العشرين وكان المعلمون السوادنيون أمثال الشيخ محمد سعيد القدال والأستاذ حسن فريجون يساهمون مساهمة فعالة في رفع مستوى التعليم في جنوب اليمن وخصوصا حضرموت. أما زيارة الشاعر الأولى للسودان فقد شاءت الأقدار أن تكون عشية استقلال السودان في مطلع 1956 وقد أوحت له الزيارة وفرحته باستقلال وطن عربي عزيز بقصيدته “فوق السحاب” التي استهلها بوصف رحلة الطائرة وصفاً رائعاً، وشاعرنا قد اشتهر برسم اللوحات في شعره كما كان يمارس الرسم في شبابه وإلى هذه الميزة أشار الناقد العراقي هلال ناجي في كتابه “شعراء اليمن المعاصرون” قائلاً: “وبعد فإن أبرز ميزة يكشف عنها الديوان هي قدرة الشاعر على رسم اللوحة. إن قصائده: على ضفاف الرين، ليل باريس، جنة العشاق، وسواها هي لوحات حية رائعة وتبدو فيها قدرة الشاعر على تجسيد الجو وتجسيمه”. فبعد أن يناجي الشاعر الطائرة ويفلسف فكرة شوق الإنسان إلى التحليق بالحديد الذي كان قيدا يكبل ساقيه إلى أرضية السجون يقول: غدونا والسحاب لنا سماه وأمسينا سماء للسحاب [c1] *** [/c] إذا أبصرت ما دوني أراني أحلق فوق بحر من ضباب [c1] *** [/c] كأن السحب قد نسجت بساطا من الديباج مؤتلق الإهاب [c1] *** [/c] فلا بر يبين ولا بحار ولا قاع يلوح ولا روابي[c1] *** [/c] فجرنا في سويعات قصار مسافات الشهور لذي الركاب [c1] *** [/c] وأمسينا بوادي النيل نصغي إلى أنغام خرته العذاب[c1] *** [/c] ونلقي عنده قوماً كراماًوأخوانا من العرب العراب [c1] *** [/c] بني السودان جارهم منيع وضيفهم المحكم في الرقاب [c1] *** [/c] وكم فيهم لن خل وفينبيل النفس سمح كالرباب [c1] *** [/c] يذكرنا بعهد قد تولي بأثواب الشباب وبالشباب [c1] *** [/c] ببيروت الجميلة حين كنا رفاق العلم نداب في الطلاب وهي إشارة ولا شك إلى أصدقائه أمثال الدكتور نصر الحاج علي. ويشيد الشاعر بالسودانيين كثيراً في هذه القصيدة فقد رأى كما يبدو في أخلاقهم وأسلوب حياتهم الكثير من الخلال العربية الأصيلة والقريبة من الطباع اليمنية. يقول الشاعر: بنى السودان والسودان دار[c1] *** [/c] ليعرب سامق طلق الرحاب نزلت بأرضكم فدعيت فيها [c1] *** [/c] إلى نار القرى من كل باب فكدت لكثرة الترحاب أنسى [c1] *** [/c] حنيني للأحبة والصحاببنى السودان والسودان شعب[c1] *** [/c] أحق الناس بالقدر المهاب نزلت بقطركم في يوم عيد[c1] *** [/c] ندى اللحن مصطفق الملاب ترف بنوده في كل دار [c1] *** [/c] وتخفق في المناثر والقباب فكنت بذاك أسعد يعربي[c1] *** [/c] يرى السودان مرموق الجنابوهو بذلك يشير إلى أفراح الاستقلال، وقد نشرت هذه القصيدة في الديوان الثاني للشاعر “موج وصخر”. أما عندما استقر المقام بالشاعر في السودان في منتصف السبعينات للعمل في الجامعة فقد كتب عدة قصائد في السودان وأصدقائه السودانيين منها على سبيل المثال قصيدة “الأعياد الثلاثة” التي نشرت في ديوان “المركبة” وفيها يقول:[c1]بين قوم قد أدركوا قيمة الساعي إلى الخير همة وصموداكرَّموه وليس يدري مقام الفضل ألا الكريم رايا وجودا فإذا الطعمة الحواد المسمى صالحا لا يسام فيهم ثمودا بل يلاقي رشدا ونلقى لديه موئل الرأي كهفه المقصودا وإذا الطيب المبجل عبد الله يزداد في المعالي صعوداوينادي به على الملأ الأستاذ علما ما أن يطيق حدودا كم قضى في السنين أيامه بحثا وكم أرهق الليالي جهودا ولكم أخرجت براعته للناس سفرا منسقا منضودا في بيان أكرم به من بيان أمتع الكل سيدا مسودا دام للعلم كي يدوم به العلم فما يستطيع ألا خلودا [/c]وفي الحفل التكريمي الذي أقامته الجامعة لشاعرنا عندما آذن الرحيل إلى الوطن للعمل في جامعة صنعاء ألقى الشاعر قصيدة مؤثرة جمعت المشاعر النبيلة والوفاء كل ذلك في موسيقية متدفقة وصورة وصفية مشرقة: [c1]وأخيراً صفق البين ونادى بالرحيل وكان الجسر والنيل بلا جسر ونيل والتقاء النهر بالنهر محال من محيل أو تباريح شجي أو تهاويل عليل ملتقى النيلين من بعدك قد ضاع سبيلي [/c]إلى أن يقول مشيراً إلى الغيد السودانيات: [c1]والخطى تصدح بالأنغام في القاع الصقيل لحن ساقين استبدا بالملاء المستطيل وبقلب خافت الأنة مكثوم العويل أبدا يشفق إن أفصح من قال وقيل [/c]ثم يودع أصدقاءه فردا فرداً: [c1]ملتقى النيلين هل بعد التلاقي من مثيل من كريم الصحب ما طوق عنقي بالجميل من كفتحي والفتى الريح في الخير الجزيل أو صلاح الدين والواثق والحبر الجليل أو تقى الدين أو يوسف والفضل الفضيل ولو انصفت لما أغفلت ذكراً لزميل حاضر أو غائب عن ظاهري لا عن دخيلي سيما الطيب عبد الله ذي الباع ا لطويل [/c]إلى أن يقول مشيراً إلى ابنه نزار الذي التحق بجامعة الخرطوم لدراسة الطب في تلك الأيام نفسها: [c1]ملتقى النيلين مازلت على العهد الأصيل ولقد خلفت للعهد على الشط سليلييرد الحوض ليسقي من نمير سلسبيل واثقا أن سوف يحظى كأبيه بالجزيل [/c]وإذا كان الدكتور غانم قد دعي إلى نار القرى من كل باب حتى كاد ينسى الأحباب كما قال في قصيدته “فوق السحاب” عام 56 فقد أكد هذه الصورة في قصيدته “على ملتقى النيلين” عام 74. أيا ملتقى النيلين بوركت موردا [c1] *** [/c] تطيب به السقيا فيزكو بها المسقىلقيت بك السودان دار ندية [c1] *** [/c] كعهدي بها لما نزلت بها دفقا يقال لنا - أهلاً وسهلاً ومرحباً [c1] *** [/c]فنعرف في القول الصراحة والصدقافما أنكرت أذني المقال لأنه [c1] *** [/c] تحية قوم اشربوا اللطف والرفقا فلا غرو والشاعر يكن هذا الود للسودان والسودانيين أن يرفع يديه داعيا في ختام تلك القصيدة: أيا ملتقى النيلين بوركت مرتعا [c1] *** [/c] وزاد بك السودان من خيره رزقا ولا زالت الأغصان فيك رطيبة[c1] *** [/c] على الضفة الخضراء تفغهما ودقا ولا زالت الأزهار فواحة الشذى[c1] *** [/c] تغازل بالعطر البلابل والورقا ولا زالت الأحرار تبني على الذرى [c1] *** [/c] حماها وتبني في حمايته الطرقا ولا زالت تجري ثائراً متدفقاً [c1] *** [/c] تصول على الأيام أن أحدثت فتقا
أخبار متعلقة