مدارات
محمد الأمير ليس لأنها لا تحترم أي إتفاق بل أرادت إسرائيل باقتحامها سجن أريحا أن توجه رسالة حاسمة إلى من يهمه الأمر ومن لا يهمه ـ من الفلسطينيين ومن اللجنة الرباعية التي رسمت خارطة الطريق بمتاهات أمريكية وحتى لأمريكا الراعي الرسمي لكل اتفاقات السلام ـ إنها في حل عن كل اتفاق. أو بالأحرى إنها ستخرق أي اتفاق كان بمحض إرادتها وسواء كان ذلك الاتفاق يعود عليها بالنفع أو على العكس من ذلك حتى لا يمس بمصالحها ولا يشكل تهديداً فعلياً لها. كما هو حال المناضل احمد سعدات المعتقل البريء الذي لا ذنب له في جريمة ـ وقد أخلت المحكمة الفلسطينية العليا ذمته من التهم الموجهة إليه ـ باغتيال زائيفي سوى إن إسرائيل تريد بقاءه في السجن وضغطت بكل الطرق لتحقيق هذه الرغبة. لذا فان مضمون رسالة إسرائيل تأتي بهذا التوقيت ليس لتتخذ من الدماء الفلسطينية التي اهدرت وتهدر ـ يومياً وعلى الدوام ـ وسيلة ـ كما قيل ـ للدعاية الانتخابية بل أكثر من هذا بان لا تسوية حاضرة في الذهن الإسرائيلي بل ولا مشروع للتسوية في المنطقة سواء تسلمت حماس مقاليد السلطة أو لم تسلم. وسيكون مصير أي اتفاق كمصير اتفاق سجن أريحا الذي أشرفت عليه إدارة بوش ذاتها. وعطفاً على أن غيبوبة شارون التي ـ تنفس لها البعض الصعداء ـ فان صحوة أولمرت أشد تنكيلاً مما كان عليه شارون. فشارون لم يجرؤ ـ خلال سني وحشيته ـ أن يقترب من خدش اتفاق سجن أريحا ـ لم يجرؤ او لم يتنازل لهذا ـ وكان في ذروته يهدد بهذا أو يتوعد وحسب. لكن اولمرت يهدف إلى إحداث ما يشبه الانتصار الوهمي الذي يحدثه هذا الفعل وصداه على الشارع الإسرائيلي ناهيك عن إن صداه في الأوساط السياسية الدولية يعطي مدلولاً أوسع ورسالة أسرع بإن ما جرى هو المثل المصغر لتدمير كل الاتفاقات السابقة. وبالرغم ان لا أحد يستطيع ان يشيد ببطولة عسكرية لجيش مدجج بالأسلحة الثقيلة والمصفحات وطائرات الهليوكوبتر من طراز الأباتشي الإسرائيلية وهي تحاصر سجناً صغيراً وتقود معتقلين ـ أسرى ـ عزل لا حول لهم ولا قوة. وبغض النظر عن المبررات الأمريكية التي تحاول أن تسوقها ـ أو هو الاستخفاف بالجانب العربي ان تسوق مبررات كهذه ـ عن وجود تهديدات أمنية على عناصر الحراسة الأمريكية ـ البريطانية من المعتقلين العزل ولم تشر إلى تهديد الاباتشي. لكن على الكل ان يدرك ان ثمة رسالة أمريكية واضحة من وراء سحب عناصر حراستها للسجن وان تكن بعض من سطور هذه الرسالة قد تم سابقاً ويتم حاضراً وسيتم مستقبلاً وهو ان على العرب ـ الفلسطينيين وغير الفلسطينيين ـ أن يقروا بواقع ان إسرائيل ـ إسرائيل وحسب ـ بان تقوم وتتخذ الإجراءات الأحادية الجانب السياسي ولها الحق ـ وحدها ـ بممارسة عمليات الحرق والابادة وشرعية الاغتيالات وهذه هي الصورة التي جبل العرب على تقبلها ـ او حتى عدم تقبلها ـ من الجانب الأمريكي. إلا أن سحب عناصر حراستها من السجن رسالة أخرى أو جديدة تقوم على أن أمريكا لا تؤيد هذه السياسة وحسب بل إنها ستقدم التسهيلات لها كما حدث أخيراً. حيث لا يعقل ان ينسحب الجنود الأمريكيون دون أن يكون لإسرائيل دراية بهذا ولا يعقل ان تقتحم إسرائيل في ظل وجودهم، وثالثها لا يعقل ان لا يكون ثمة تنسيق مسبق لعملية كهذه. فلو ثمة رفض أمريكي لعملية الاقتحام سواء انسحب جنودها او لم ينسحبوا لما أقدمت إسرائيل على فعل كهذا. وبمقابل هذا الخرق من الجانبين الإسرائيلي والتواطؤ الأمريكي فان أمريكا ستظل تضغط وبقوة على الفلسطينيين بضرورة الالتزام بكل الاتفاقات والمعاهدات التي وقعتها أو أوقعتها.