أكدت ندوة العولمة التي عُقدت بمركز دراسات وبحوث الدول النامية بكلية الاقتصاد جامعة القاهرة يومي 17 و18 مايو الجاري أن العولمة لها أكثر من بُعد غير البعد السياسي، الذي بدأت تجليّاته في الوضوح من خلال تعرّض مفاهيم مثل: السيادة الوطنية، وقوة الدولة والأمن للمراجعة، وبروز مجال سياسي عالمي يتجاوز الحدود. وأكد د.صلاح سالم زرنوقه -الخبير السياسي بالمركز- أن التداخل بين الوضع المحلي والعالمي أدى إلى تحول بعض القضايا كالديمقراطية وحقوق الإنسان والعنف إلى موضوعات تهم أطرافاً خارج حدود الدولة والإقليم. أما بالنسبة للبعد الاقتصادي والمالي.. فهو في تجسّد مجموعة من التطورات الموضوعية التي برزت بشكل واضح في عقد التسعينيات؛ تجسيدًا لتعاظم دور الشركات الدولية، والاتجاه العالمي نحو تحرير التجارة العالمية، وبروز الأسواق المالية والعالمية. وأشار د.زرنوقه إلى أن العولمة لها بُعد ثالث: ثقافي واجتماعي سيؤدي إلى تراجع الدور الاجتماعي للدولة، وتناقص الإنفاق الحكومي على قطاع الخدمات والأجور، في مقابل ارتفاع معدلات الفقر والبطالة والانحراف السلوكي. وعن مدى استفادة الوطن العربي من العولمة اقتصاديًا.. أكد د.ألفونس عزيز من خلال الدراسة التي قدمها أن برامج وسياسات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية ستؤدي إلى تقليل فرص البلدان النامية لزيادة صادراتها السلعية، إضافة إلى إغراق أسواقها بالواردات الصناعية، القادمة من الدول المتقدمة؛ وبالتالي إضعاف صناعاتها المحلية الإنتاجية، وفرض تحديات وقيود جديدة على الصناعات الاستهلاكية. وأشار إلى أن العولمة الاقتصادية تأخذ بسياسة الخصخصة، وتحجيم الدور الاقتصادي للدولة؛ مما يؤدي إلى الكساد الاقتصادي والانكماش والبطالة، وأيضًا إلى نقص الإيرادات العامة، وبالتالي انخفاض القدرة على الإنفاق في مجالات الصحة والتعليم، ومختلف أوجه الرعاية الاجتماعية، مشيرًا إلى أن الوطن العربي جزء من الدول النامية. واضاف أن الاقتصاد العربي يعاني من ضعف وهشاشة في مواجهة تحديات العولمة، وهذا يقتضي أن تقوم الدول العربية بالتخلي عن النهج الذي سارت عليه طوال الفترة الماضية، في مجال التعاون الاقتصادي والمتمحور أساسًا حول تحرير التبادل التجاري، واستبداله بإستراتيجية الإنماء التكاملي، والاعتماد على القدرات الزراعية بحيث تقوم الدولة بدور قيادي تنموي للعمل على رفع معدلات الاستثمار، وضمان توزيعات على مختلف الأنشطة الإنتاجية، مع التركيز على الزراعة والصناعات الغذائية، والاهتمام بالتنمية البشرية. وقد رصدت الدارسة التي ألقتها د.هدى ميتكيس -أستاذ العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية- مجموعة من الآثار السياسية الداخلية للعولمة، بادئة بتراجع دور الدولة ومعها دور الحكومات الوطنية، مقابل زيادة الدور الخارجي في معالجة الأزمات ومكافحة الظواهر السلبية، مشيرة إلى تراجع دور الدولة في منطقتي الخليج، وضعف سلطة وفاعلية الأسر الحاكمة بهذه المنطقة. واضافت أن التطورات التي شهدتها دول الخليج عن طريق التحول الديمقراطي، سواء لتحفيز المشاركة السياسية أو لاستحداث دساتير ديمقراطية -تتناسب ومتطلبات المرحلة الحالية. وأشارت في نهاية حديثها إلى عدد من التأثيرات التي استجدت بفعل العولمة الاقتصادية منها: ممارسة الشركات متعددة الجنسيات ضغوطًا على الأنظمة الخليجية، بالإضافة إلى توصيات صندوق النقد الدولي التي تهدد بحدوث معدلات نمو سالبة، وانخفاض مستوى الدخل، كما إن ارتفاع الإنفاق العسكري سيؤدي إلى مشاكل مستقبلية في الخليج. من ناحيتها.. أكدت د.علا الخواجة -أستاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية- من خلال الدراسة التي ألقتها حول الآثار الاجتماعية للعولمة في دول الخليج -أن للعولمة تأثيرًا على العمالة؛ وذلك نتيجة لتغيّر طبيعة أسواق العمل في الدول النفطية، وحدوث تحولات في نظم الإنتاج وتنظيم العمل، وتزايد معدلات البطالة السائدة.وأضافت أن هناك مجموعة من السياسات اللازمة لمواجهة الآثار السلبية للعولمة منها: الاهتمام بدور سياسة التنمية البشرية، خلال إعادة النظر في منظومة اكتساب المعرفة وذلك بتطوير النظم التعليمية حتى تتوافق مخرجاتها مع احتياجات السوق، إلى جانب ضرورة العمل لدعم وتحديث منظومة البحث العلمي في تلك الدول. وركزت الندوة أيضًا على الآثار الثقافية والإعلامية للعولمة بالنسبة لدول المنطقة العربية؛ حيث أكدت د.ماجدة صالح -الأستاذ العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية- أنه توجد العديد من الآثار السلبية على الأفراد كاحتكار المعلومات، واستيراد البرامج التلفزيونية، وانتشار الثقافة الاستهلاكية، والعمل على تغريب الثقافة الوطنية، وتوظيف العلم للاختراق الثقافي، وترسيخ التخلف في المنطقة، وتنميط السلوك البشري في اتجاه ثقافة معينة. واضافت أنه على الرغم من كل هذه التأثيرات المحتملة للعولمة الإعلامية فإن التمسك بالهوية قد ازداد، ليس فقط في الدول العربية وإنما في الدول الإسلامية أيضًا، وقد برز ذلك من خلال عدة نتائج مثل: نجاح التيارين القومي والإسلامي في الاستفادة من آليات العولمة لتأكيد فكرة الهوية القومية والحضارية في مواجهة المشاريع البديلة، كالشرق أوسطية، وتزايد مظاهر المقاومة الثقافية. وحول إمكانية المواجهة العربية للعولمة الإعلامية والثقافية رصدت الدراسة التي ألقتها د.ماجدة صالح عددًا من المحاولات الجادة التي قامت بها الدول العربية، خاصة مصر لتأكيد فكرة الخصوصية الثقافية، بالإضافة لمواقف المثقفين العرب من ظاهرة العولمة.
آثار العولمة على العالم العربي
أخبار متعلقة