قراءة في صفحة من صفحات تاريخ الثورة اليمنية المجيدة
محمد ز كر ياكانت شبه الجزيرة العربية في فوران وغليان سياسي قبيل قيام الحرب العالمية الأولى . وكانت السلطنة العثمانية في تلك الفترة التاريخية ، قد انكمش نفوذها السياسي على تلك المنطقة الحساسة من الوطن العربي ومن جراء ذلك طفت على سطح الجزيرة العربية دولة الأدارسة الذي أسسها الصوفي الكبير محمد بن علي الإدريسي سنة ( 1324هـ / 1906م ) الذي مزج بين السلطة الروحية والزمنية . ولكن بعد رحيله عن مسرح دولته ، تولى بعده أبنه علي محمد الإدريسي مقاليد الأمور في الدولة ولكنه لم يكن يمتلك الخبرة والدراية الواسعتين في إدارة شئون إمارته مثل والده ومنذ ذلك الوقت اضطربت أحول الدولة الإدريسي اضطرابًا شديدًا ونتج عن ذلك أنّ قوى نفوذ السعوديين في مفاصل هذه الدولة ودخلت تحت نفوذها . في ظل تلك الأوضاع السياسية الصعبة ولد حسن محمد مكي في صبيا عاصمة دولة الأدارسة والتي تعرف في التاريخ بالمخلاف السليماني . ولكن الأمور السياسية انقلبت رأساً على عقب ، واضطر والده أنّ ينزح إلى صنعاء ، وتشاء الأقدار أنّ ينتقل والده إلى الحديدة وأنّ يكون عاملها هناك ومنذ ذلك التاريخ ، عاش وتربى ، وترعرع حسن محمد مكي في حجر مدينة الحديدة عروس البحر الأحمر والتي شهدت تدفق مساعدات مصر عبد الناصر الضخمة والمستمرة للوقوف بجانب الثوار والثورة . [c1]شاهد على العصر[/c]وكان منذ صغره شغوفًا بالعلم والمعرفة ، كان ذكيًا ، متفوقًا دائمًا على زملائه . وعندما لاحت له في الأفق فرصة التعلم في خارج المملكة المتوكلية اليمنية تمسك بهذا الأمل الذي كان يراوده في الحلم واليقظة وسنحت له الفرصة أنّ يفرد جناحيه الصغيرتين ويحلق في سماء طرابلس الشام ، وبعدها مصر ، وبعدها إيطاليا و كان حسن مكي مثله مثل كثير من الشباب اليمني يفيض بالطموح العريض ، والحيوية والنشاط الكبيرين ، وكان يحد وهم الأمل العريض أنّ يخرجوا اليمن من عزلته الخانقة إلى أفاق واسعة من الرقي والتقدم في مختلف مناحي الحياة السياسية ، الاقتصادية ، الاجتماعية ، والثقافية ولكنه عند عودته إلى اليمن صدم بواقع السلطة الإمامية التي عرقلت دوران حركة التقدم والازدهار . وعلى أية حال ، فإنّ كتابه (( أيام وذكريات )) يعد ــــ في رأينا ـــ من المذكرات السياسية القيمة ووثيقة هامة ، فقد كشفت الكثير من الأسرار المثيرة التي تذاع لأول مرة ، وتأتي أهمية مذكرات الدكتور الأستاذ حسن مكي لكونه ، كان شاهدًا على العصر أو بمعنى آخر كان قريبًا من أحداث تلك الفترة التاريخية الخطيرة التي مرت بها اليمن ، وإنّ لم يكن في قلبها ، وكان أيضًا ـــ دون مبالغة ـــ من صناع القرار السياسي والاقتصادي . والحقيقة أنّ الذي عرضناه من صفحات كتابه الرائع هو قليل من كثير المليء بالمعلومات الهامة الذي يجب أنّ يطلع ويقرأها الباحثين المختصين في تاريخ الثورة اليمنية ويعد هذا الكتاب من المراجع التاريخية الهامة . [c1]في لبنان[/c]وفي طرابلس بلبنان ، درس التلميذ حسن مكي هو وبعض زملائه ومنهم الدكتور محسن العيني ، وكان من أهم ما لفت نظره هو في ذلك العمر الغض أنّ رأى بأم عينيه مأساة الشعب الفلسطيني وهو ينزع من أرضه ودياره بُعيد هزيمة حرب فلسطين سنة 1948م ، وكانت لتلك المأساة أثرها الكبير على نفسه الصغيرة ، ونفوس زملائه ، فيقول : “ انتظمنا في الدراسة في لبنان لمدة عام حتى اندلعت حرب فلسطين في عام 1948م . وأتاحت لنا تلك الأيام الصعبة الاطلاع على مأساة الشعب الفلسطيني عن كثب ، إذ رأينا مأساة اللاجئين الفلسطينيين وهم يتدفقون إلى لبنان مطرودين من أرضهم وبيوتهم ، وقامت دولة إسرائيل ، وتشرد الفلسطينيون في الدول المجاورة . وكان لهذه الكارثة تأثير سلبي كبير على نفوسنا جميعًا “ . ويروي الأستاذ حسن مكي الأسباب التي دفعت بالمملكة المتوكلية اليمنية أنّ تسحبنا من طرابلس إلى القاهرة لكون الحكومة اللبنانية وتحديدًا رئيس وزرائها رياض الصلح ، قد منح الفضيل الورتلاني الجزائري حق اللجوء السياسي الذي كان له مشاركة فعالة في الثورة الدستورية سنة 48م التي اغتالت الإمام يحيى ، ويذكر حسن مكي بأنّ والده كان في أثناء دراسته في طرابلس مسجونًا لدى الإمام أحمد بسبب انضمامه إلى جانب الثورة الدستورية وفي هذا الصدد ، يقول :... وكان والدي في ذلك الوقت سجينًا في حجة ، وظل في سجنها أربعة أعوام ونصف عام “ . والحقيقة أن الطالب حسن مكي رغم ألآلامه الذي كان يعانيها من جراء سجن والده ، فقد تغلب على تلك الأحزان باعتكافه على الدراسة، وفي هذا الصدد ، يقول : “ فكان سجن أبي همًا جديدًا أضيف إلى هموم غربتي ... وفي الوقت نفسه حاولت الإقبال على الدراسة بهمة شديدة حتى أتناسى السبب الآخر لآلامي “ . ويذكر أيضًا ، كان تفوق الطلاب اليمنيين على اللبنانيين في الدراسة ، فيقول : “ وفي الواقع اهتم بنا اللبنانيون ، وبالذات بالطلاب المتفوقين منا . وأولونا عناية خاصة حتى بدأت مستوياتنا العلمية تقترب من اللبنانيين ثم تساوت معهم بل تفوقنا عليهم في الكثير من المواد بسبب تفرغنا للدراسة وعدم السماح لنا بمغادرة مدرسة المقاصد الخيرية عدا في يوم واحد في عطلة نهاية الأسبوع “ .[c1]القاهرة تحترق[/c]ويروي الدكتور حسن مكي في صفحات مذكراته السياسية أو في كتابه أخطر الأحداث السياسية التي شاهدها في مصر ويلخصها على النحو التالي: الصراع الحاد المتواصل بين حزب الوفد والقصر ، ومحاولة الأخير فرض نفوذه على الأول لغرض إقصائه عن مسرح الحياة السياسية المصرية والذي كان يمتلك قاعدة شعبية عريضة . إلغاء الوفد بزعامة نحاس باشا اتفاقية عام 1936م التي كانت تنتقص من السيادة المصرية . مذبحة رجال الشرطة المصريين في الإسماعيلية على يد القوات البريطانية المتواجدة هناك . المقاومة الشعبية تشتعل في قناة السويس ضد القاعدة البريطانية هناك . في 25 يناير سنة 1952م يقع حريق القاهرة الذي اشتعل في كثير من مناطقها إزاء الاضطراب السياسي سواء من القصر أو من الأحزاب السياسية المصرية المختلفة وعلى رأسهم حزب الوفد الذي لم يحرك ساكنًا في التصدي لحريق القاهرة . وقبلها الهزيمة الذي حلت بالجيش المصري في حرب فلسطين عام 1948م من جراء الأسلحة الفاسدة الذي كان يستخدمها الجيش في مواجهة العصابات الصهيونية , وقيل أنّ تلك الأسلحة الفاسدة كانت صفقة مشبوهة بين الملك وحاشيته وتجار السلاح بهدف الربح السريع على حساب دماء الجنود المصريين . قيام ثورة 23 يوليو سنة 1952م ، وطرد الملك فاروق في 26 يوليو من مصر . وكان من البديهي أنّ تلك الأحداث السياسية الملتهبة التي اندلعت في مصر أنّ تنفخ في روح الشباب اليمني المستنير وأنّ تبذر في نفوسهم بذور الحرية ، وتشتعل في وجدانهم طموح التغيير . ويذكر حسن مكي السعادة والنشوة البالغين اللذين شعر بهما هو زملائه عندما انفجرت ثورة يوليو وطرد الملك فاروق ، فيقول : “ وقد شاهدنا ذلك المنظر في فرح عارم والجميع غير مصدق لما يرى . وخرجت الجموع إلى الشوارع بُعَيد ذلك مباشرة لتشيد بالثورة التي بدأت قبل ثلاثة أيام في 23 يوليه 1952 في بيان من الإذاعة . واعتبر هذا اليوم يومًا تاريخيًا في مصر ، وبدأ عصر جديد يختلف تمامًا عما سبقه من تاريخ مصر الحديث والمعاصر. [c1]الطلبة اليمنيون ومذبحة الإسماعيلية[/c]وفي موضع آخر من صفحات مذكراته أو كتابه (( أيام وذكريات ) يروي ، كيف خرج هو زملاؤه من الطلبة اليمنيين من مدرستهم في حلوان متجهين إلى القاهرة بسبب المذبحة التي اقترفتها أيادي القوات البريطانية الآثمة في حق رجال الأمن المصريين ، فيقول : “ وقد كنا ننفعل بهذه الأحداث ونشارك في بعض المظاهرات ضد الاحتلال البريطاني ، وأذكر أننا في يوم 26 يناير 1952 خرجنا من حلوان للذهاب إلى القاهرة للمشاركة في المظاهرات احتجاجًا على المذبحة التي اقترفها الجيش البريطاني بحق رجال الأمن المصريين لكننا فوجئنا بأنّ الحرائق ، قد اندلعت وأحداث الشغب قد عمت فعدنا إلى حلوان “. [c1]إحدى عشرة رصاصة[/c]في مستشفى الحديدة ، أطلق الملازم محمد عبد الله العلفي وزميله عبد الله اللقيه إحدى عشرة رصاصة في جسد الإمام أحمد ، واضطرب النظام الإمامي اضطرابًا شديدًا ، وجرت اعتقالات واسعة بين الناس وخصوصًا “ بين العناصر الوطنية التي تلقت تعليمها في الخارج“. ويقول الأستاذ حسن مكي حول النتائج التي تمخضت عنها محاولة اغتيال الإمام على مستقبل كيان النظام الإمامي أو بمعنى آخر كان المسمار الأخير في نعشه : “ وهى المحاولة التي كان لها تأثيرها المدمر على حياة الإمام أحمد وعلى مستقبل النظام الملكي في اليمن ، وكانت مؤشرًا حقيقيًا تتالت بعده الأحداث التي أدت فيما بعد إلى قيام ثورة السادس والعشرين من سبتمبر سنة 1962م “ . ويذكر حسن مكي بأنّ الحرس الخاص للإمام أحمد ( العُكفة ) أتوا إلى منزله وقادوه إلى قصر الإمام في الحديدة ، وأدرك بعدها سبب ذلك هو أنّ يقوم بترجمة تقرير الأطباء الإيطاليين حول تشخيص حالة الإمام لمعرفته للغة الإيطالية ، فيقول : “ وفي صباح اليوم الثالث لمحاولة الاغتيال وصلت إلى منزلي سيارة من العكفة ، وكانت تبحث عني ... أخذوني بعنف إلى السيارة التي تقلهم “ . ولقد شخص الأطباء الإيطاليون حالة الإمام أحمد بأنها خطيرة ، فيقول: “ وكان من ضمن الفقرات التي وردت في التقرير أنّ حياة الإمام في خطر ، وأنّ قلبه متعب ، وأنّ من حسن حظه أنّ أياً من الرصاصات البالغ عددها إحدى عشرة رصاصة لم تصب قلبه ، وأنّ اخطر الرصاصات تلك التي أصابته في ظهره ، وكان معظم الرصاصات الباقية في الحوض “ . ولكن الأطباء الفرنسيين والسوفييت كان لهم رأي آخر بأنّ حالة الإمام ليست حرجة وخطيرة ، وإنّ كان يظن حسن مكي بأنّ الأطباء الإيطاليين ، كان تقريرهم هو الأقرب إلى الحقيقة لكونهم ، كانوا مشرفين على علاجه من فترة طويلة ، فيقول في هذا الشأن : “ مع أنّ هؤلاء الإيطاليين على وجه العموم ، كان لديهم إلمام كامل بحالة الإمام الصحية ، بحكم علاجه السابق في روما وصلته بالأطباء الإيطاليين ، وبعد ذلك توالت الفرق الطبية ، فجاء أطباء أمريكان إلى جانب الأطباء السوفييت “ .[c1]استشهاد علي عبد المغني [/c]ومن الأسرار الهامة التي ضمت في ثنايا صفحات مذكرات الدكتور حسن مكي ، وإنّ كانت كلها هامة وخطيرة وهى بأنّ استشهاد الشاب الضابط علي عبد المغني في مدينة مأرب على يد القوى الملكية في أكتوبر 1962م نتج عنه أنّ تنظيم الضباط الأحرار ، فقد تماسكه من ناحية وحدث تغيير في وجوه القيادة العسكرية من ناحية أخرى ، فيقول : “ ولمكانة علي عبد المغني الكبيرة في تنظيم الضباط الأحرار ، كان لهذا الحادث الأليم تأثير كبير على تماسك أعضائه ، نتج عنه انفراط عقد هذا التنظيم ، وسيطرة الكثير من الرتب العسكرية الكبيرة على مقاليد الأمور في اليمن الجمهوري إلى جانب بعض العناصر الشابة مثل النقيب عبد اللطيف ضيف الله ، والملازم أحمد الرحومي ، ومحمد مطهر زيد ، وعلي قاسم المؤيد “ .[c1] السلال و نقاذ الثورة[/c]ومن أهم الأحداث الذي ذكرها حسن مكي في ثنايا صفحات كتابه (( أيام وذكريات )) وإنّ كانت من أهم وأخطر الأحداث على الإطلاق وهى بزوغ فجر الثورة السبتمبرية سنة 1962م ، تلك الثورة التي أجمع الكتاب ، والمؤرخون اليمنيون وغير اليمنيين بأنها ، كانت ومازالت من الثورات الكبرى التي انفجرت في شبه الجزيرة العربية والتي غيرت مجرى تاريخ اليمن ووضعته على أعتاب عصر القرن العشرين .والحقيقة لقد كان الأستاذ حسن مكي منصفا عندما تحدث عن دور المشير السلال الكبير والخطير في نجاح الثورة ، وإنقاذ الضباط الأحرار من مقصلة الإمام البدر ـــ الذي تولى مقاليد الإمامة بعد والده المتوفى الإمام أحمد ـــ و كانت تصل إليه الأخبار بأنّ عددًا من الضباط يدبرون أمرًا للقضاء عليه وعلى نظام الإمامة ، وكان السلال ـــ الحرس الخاص للبدر ـــ يؤكد له بأنّ تلك الأخبار لا أساس لها من الصحة . ومن الأعمال الرائعة الذي قام بها السلال هو أنه مد الضباط الأحرار في ليلة القصف على قصر الإمام البدر ( دار البشائر ) ، وأركان نظامه بالذخائر التي نفذت ، وكادت الأمور تنقلب رأسًا على عقب لكن وقوف السلال القوي والشجاع ، كان أكبر العوامل الرئيسة في نجاح الثورة . والجدير بالذكر أنّ الضباط الأحرار بعد قيام الثورة مباشرة عرضوا على العميد حمود الجائفي أنّ يتولى قيادة الثورة أي يكون واجهة عسكرية كبيرة لها وزنها على صعيد القيادة العسكرية ، ولكنه رفض ذلك العرض رفضًا قاطعًا . فأنقذ السلال الثورة في الأوقات الحرجة والصعبة مرة أخرى فتقدم وحمل مسؤولية القيادة العسكرية أو قيادة الثورة بكل شجاعة، وجسارة ، وجرأة ، وثقة بالنفس . وفي هذا الصدد ، يقول الدكتور حسن مكي : “ وينبغي الإشارة هنا إلى أنّ السلال ، قد قام بدور كبير في إنقاذ الحركة الوطنية على مستويين بالغي الأهمية : الأول : يتصل بقيادة الثورة ، لأن تنظيم الضباط الأحرار كان مقتنعًا بأنه في حاجة ماسة إلى واجهة عسكرية كبيرة معروفة تقود العملية بكاملها وتقدمّ للناس لتحظى بالقبول ( وكأنهم يقتدون في ذلك بما فعل جمال عبد الناصر حين قدم في بداية الثورة المصرية شخصية عسكرية كبيرة معروفة أي اللواء محمد نجيب . وكانت الأنظار كلها تتجه إلى العميد حمود الجائفي الذي كان المرشح الأول لقيادة الثورة في حين أنّ السلال كان بديلاً ثانيًا بسبب أنّ الكثير من الضباط كان بالكاد يتقبله . وحين اعتذر الجائفي ورفض رفضًا باتًا المشاركة في التحرك وتولي قيادة الثورة ، أقدم السلال بشجاعة على قبول المغامرة ، وتحمل مسؤولية قيادة الثورة في وقت ضيق وحرج للغاية “ . ويمضي حسن مكي في حديثه ، قائلاً : “ أمّا المستوى الثاني والأهم بدلالاته الإستراتجية فهو أنّ السلال ، قد تحرك من داره إلى مقر القيادة في الكلية الحربية في وقت كانت فيه القوى العسكرية التي فجرت الرصاصات الأولى في أمس الحاجة إلى الذخيرة . بعد أنّ بدأت ذخائر الثوار تنفد ، وبدأ الخوف يدب في نفوس الضباط الثائرين لعدم وجود مصدر للحصول على الذخائر . وهنا تحمل السلال المسؤ ولية حين أصدر أوامره إلى أمير مفرزة قصر السلاح بفتح الأبواب والسماح بنقل الذخائر إلى مقر القيادة “ . وبهذا كان للسلال الدور الكبير والفعال في إنقاذ الثورة من الفشل . الأولى تتمثل في تحمله للمسؤولية في قيادة الثورة الوليدة والأخرى في مد الثوار بالذخائر لمواصلة ضربهم للإمام البدر في ( دار البشائر ) بصنعاء . [c1]“ الجمهورية أو الموت “ [/c]ورفعت المقاومة الشعبية ، والقوات المسلحة ، والأمن ، والمواطنو ن شعار “ الجمهورية أو الموت “ في وجه أعداء الحياة الذين كانوا يعملون بشتى الوسائل على القضاء على الجمهورية الفتية التي ولدت عملاقة. ولقد أظهرت حصار السبعين يومًا حول صنعاء المدينة الباسلة معادن اليمنيين الأحرار النفيسة .كان العالم يظن أنّ الجمهورية في طريقها إلى الاحتضار وذلك بعد انسحاب القوات المصرية من اليمن والذي كان من أهم العوامل الرئيسة إن لم يكن أهمها على الإطلاق في تشجيع الملكيين على تضييق الحصار على صنعاء والخوض مع الجمهوريين في قتال شرس . قلنا : سابقاً أنّ الجميع كان يعتقد أنّ الثورة ، قد انطفأت جذوتها ولكن أصحاب المصلحة الحقيقية للجمهورية ، كان لهم رأي مغايرٌ وهو أنّ الجمهورية جاءت لتبقى، وأنّ شمسها ستشرق دائما على ربوع اليمن . وعن تلك الأحداث العظيمة والملتهبة في تاريخ ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962م يروي حسن مكي أو بمعنى آخر شهادته القيمة عن تلك الفترة التاريخية لكون صاحبها ، كان في قلب أحداثها ، وكان أيضًا من الذين ساهموا مساهمة كبيرة في بث روح الأمل في نفوس المدافعين عن حياض الجمهورية الفتية . ويصف حسن مكي فرحة الرئيس عبد الناصر بسبب اندحار الملكيين ، وانكسار حصار السبعين يومًا ، وانتصار الجمهورية . وفي هذا الصدد ، يقول : “ ... التقينا بالرئيس جمال عبد الناصر الذي كانت فرحته لا توصف بكسر حصار السبعين يومًا وانتصار النظام الجمهوري . وقد كنت ألمس هذه الفرحة في حركاته وحديثه ، لاسيما وقد عرفت مقدار حزنه وقلقه أثناء الحصار حين قابلته خلال زيارتي للقاهرة طلبًا للعون والدعم المصري للنظام الجمهوري حتى يستطيع الصمود ومواجهة الحصار “ . [c1]الطيارون اليمنيون البواسل[/c]وفي سياق حديثه عن ملحمة الدفاع عن صنعاء يتناول حسن مكي عددًا من الفئات الوطنية المخلصة التي ضحت بكل غالٍ ونفيس من أجل أنّ ترتفع راية الجمهورية خفاقة عالية على روابي ، وجبال ، وسهول اليمن ومن هؤلاء الطيارين اليمنيين الذين كان لهم النصيب الكبير والهام في انتصار الثوار والثورة وانكسار حصار السبعين يومًا . وفي هذا الصدد ، يقول : “ وقد قام الطيارون جوهر ، وعلي القباطي ، والكستبان بدور لا يُنسى ، لأنهم واصلوا التحليق والطيران على الرغم من جميع المخاطر ، وكانوا يحملون الذخائر والمؤن وينزلونها على المدن والمواقع البعيدة المحاصرة ، ويسقطون عليها الأغذية ، مما مكنها من الصمود خلال فترات طويلة ، وتولوا نقل الأعداد التي جُمِعَت ودُرّبَت من الشرطة العسكرية والمشاة والمظلات والصاعقة ومن غيرها من الوحدات وأوصلوها من تعز ، وإب ، والحديدة إلى صنعاء في ذروة الحصار . وكان أغلب ما يصل الوحدات العسكرية من أغذية ومرتبات وذخائر ينقل عن طريقهم ، وكانوا يغامرون بالتحليق فوق مناطق القتال على نحو بطولي لا يبالي بالمخاطر “ . ويتطرق الأستاذ حسن مكي إلى الجنود المجهولين أو بالأحرى المواطنين الشرفاء من أبناء اليمن الذين وقفوا بجانب الجمهورية دون أنّ ينتظروا جزاءً أو شكورًا . وفي هذا الشأن ، يقول : “ وأتذكر أيضًا أفرادًا من سائقي السيارات الحكومية والأجرة ، وكثيرًا من سائقي سيارات النقل الذين غامروا وضحى بعضهم بحياته أو على الأقل فقد سيارته دون أنّ تستطيع الحكومة تعويضه . فقد كانوا يتوافدون لمناصرة المقاومة الشعبية والقوات المسلحة والأمن في تلك الأيام الصعبة . وكان بعض السائقين العاملين مع بعض مسؤولي الحكومة فدائيين حقا “ . [c1]مع قحطان الشعبي[/c]ويروي حسن مكي تفاصيل لقائه مع الرئيس قحطان الشعبي بعد أنّ تولت الجبهة القومية مقاليد الأمور في الجنوب بعد أنّ أطاحت بجبهة التحرير والتي كانت تدعهما مصر عبد الناصر. وقد طالب مكي في لقائه معه على ضرورة تحقيق الوحدة الفورية ولكن الأخير أعرب أنّ الظروف والأوضاع الداخلية في الجبهة القومية غير مؤهلة لتحقيق الوحدة في الوقت الراهن . وفي هذا الصدد ، يقول : “ وقابلنا قحطان في دار الرئاسة فور خروج كبار ضباط الجيش من اللقاء به . وبدا أنّ لهم مطالب باسم الجيش . وقد استقبلنا قحطان بكل بشاشة وترحاب ، وشرحنا له الوضع في صنعاء وطلبنا تحقيق الوحدة الفورية قبل أنّ تتحمل الجمهورية الجديدة في الجنوب التزامات جديدة وقبل أنّ ينشأ وضع يجعل من الصعب على الطرفين اللذين يؤمنان بالوحدة اليمنية ويعلنان التزامهما بها في كل وثائقهما ، اتخاذ قرار الوحدة . وقلنا له إنّ الوحدة ستمكن اليمنيين من مواجهة الهجمة التي تتعرض لها الثورة اليمنية في الشمال والجنوب سويًا “ . ويسترسل الدكتور حسن مكي في حديثه ، قائلاً : “ فأجاب (أي قحطان) بوضوح قائلاً إنّ القيادة العامة للجبهة القومية ، قد وجدت أنّ الوحدة غير ممكنة في هذه الظروف ، وقررت عدم التسرع في تحقيقها. وأضاف: “ أرى شخصيًا أنّ تتركوا الجنوب يمضي في بناء دولته حتى إذا ساءت الأوضاع في الشمال يستطيع الأحرار اليمنيون أنّ يجدوا مكانًا يلجؤون إليه “ . وجرت حوارات بيننا وبين كثير من الإخوة المسؤولين في عدن . وفهمنا أنّ الوضع في الجنوب لم يستقر بعد ، وأنّ الأمور متوترة ، وأنّ النظام والدولة الجديدة مستهدفان وعند ذلك قررت السفر إلى تعز لمقابلة القاضي الإرياني لإطلاعه على نتائج المحادثات “ .[c1]الهامش : [/c]الدكتور حسن محمد مكي ؛ أيام وذكريات ، الطبعة الأولى 1429هـ الموافق 2008م ، مركز عبادي للدراسات والنشر صنعاء ـــ الجمهورية اليمنية ـــ .