لقد وصف الله عَزَّ وَجَلَّ حال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم والصّحابة رضوان الله عليهم، وتلك البيّنة الاجتماعيّة الَّتِي تضمّهم فقال عَزَّ وَجَلَّ (( محمد رَسُول الله والذين معه أشدّاء عَلَى الكفّار رحماء بينهم تراهم ركّعاً سجّداً يبتغون فضلاً من اللهِ ورضواناً )) [الفتح: 29]، وَإِذَا كَانَ استشعار الأفراد فيما بينهم بالرّحمة يبعث عَلَى الأمل والحب، فكيف إن كَانَتْ هَذِهِ الرحمة من الله عَزَّ وَجَلَّ؟ ويتجسّد ذَلِكَ عمليّاً فِي هَذَا الشهر العظيم.مَعَ أنّ الله لَمْ يوجب الصّيام علينا إِلاَّ شهراً واحداً فِي السّنة إِلاَّ أنّه أخذ هَذِهِ الأمّة بالرّحمة وجعل لَهَا الرّخصة (( فمن شهد منكم الشّهر فليصمه ومن كَانَ مريضاً أَوْ عَلَى سفرٍ فعدّة مِن أيّامٍ أُخر يريد الله بكم اليسر وَلاَ يريد بكم العسر )) [ البقرة: 185]. ولذلك استطاع المريض أَنْ يترك الصيام حتّى يشفى من مرضه ويسترد صحّته، والمسافر حتّى ينتهي من عمله، وبهذه الرّحمة تسير عجلة الحياة فِي رمضان لتدخل إِلَى قلوبنا فنرحم أنفسنا أوّلاً من نار جهنّم الَّتِي وقودها النّاس والحجارة، ثُمَّ ننظر إِلَى المجتمع بعين الشّفقة فيقوم القوي عَلَى مساعدة الضّعيف، والحاكم عَلَى نصرة المحكوم، والغني عَلَى الصدقة للفقير. تحت مظلّة عظيمة تصنعها غيوم الرّحمة والتواضع لله عَزَّ وَجَلَّ، والعمل فِي سبيله، يحمل كلّ فرد من الأمّة فِي وجدانه قدرة الله عَزَّ وَجَلَّ وعظمته، وَمَعَ تِلْكَ الرّخصة الَّتِي ترفع عَنْهُ الحرج والضّيق وكيف لا؟ والله أرحم بعباده من الأم بولدها الرّضيع، وذلك كَانَ عَلَى الإنسان أَنْ يرحم من هم تحت يده وَلاَ يكلّفهم مِن الأعمال مَا لاَ يستطيعون، وليعلم أنّ ذَلِكَ مِن تمام رحمة الله علينا (( لاَ يكلّف اللهُ نفساً إِلاَّ وسعها لَهَا مَا كسبت وعليها مَا اكتسبت )) [البقرة: 286] فكيف بك وَقَدْ جعل طعامك وشرابك إِذَا نسيت رزقاً مِنْهُ لاَ يحاسبك عَلَيهِ، وأنت مَعَ امتناعك من الطّعام والشّراب تتفكّر بغيرك الَّذِي لاَ يجد طعام يومه فتفيض فيك الرّحمة الَّتِي علّمك الله إياها فِي هَذَا الشهر. والله المستعان.
الرحمة
أخبار متعلقة