مع الأحداث
أشار استطلاع للرأي العام أجري في 2006 على عينة من شعوب غير إسلامية في ثماني دول، عما إذا كانوا يربطون بين سلسلة من خصائص الاتجاهات الإيجابية والسلبية لدى المسلمين. كما طُرحت نفس الأسئلة على المسلمين في عشر دول حول موقفهم من الغربيين. والدول غير المسلمة المعنية هي: بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإسبانيا والولايات المتحدة إضافة إلى روسيا والهند ونيجيريا -التي فيها مسلمون ومسيحيون على رغم أن الغالبية مسلمة. أما الدول المسلمة قد كانت: مصر وإندونيسيا والأردن وباكستان وتركيا ونيجيريا إضافة إلى عينات من المسلمين في كل من بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإسبانيا. وكانت نتائج الاستطلاع كالتالي:وجهة نظر غير المسلمين تجاه المسلمين في مسألة العنف:فقد أجابت النسب التالية حسب الترتيب بالتأكيد على مقولة: “نعم المسلمون عنيفون73% في نيجيريا، و67% في الهند. و41% في فرنسا، و32% في بريطانيا. هذا في حين كانت إجابات غير المسلمين تجاه المسلمين في مسألة الغطرسة والتكبر، بنسب دالة لمن وافقوا على القول: “نعم المسلمون متغطرسون متكبرون”، في ذات الدول على النحو التالي: 58% في الهند و38 % في فرنسا، و35% في أميركا، و28 % في ألمانيا.وليس هذا كل ما في الجعبة، إليكم الآن وجهة نظر غير المسلمين تجاه المسلمين في مسألة الأخلاق: ففي الهند وافق 60 % على عبارة “نعم العرب غير أخلاقيين”. ونالت نفس العبارة موافقة 21 % في إسبانيا. و18 % في فرنسا. و16 % في بريطانيا.وبالمقارنة فإن وجهة نظر المسلمين تجاه الغربيين في مسألة الأنانية حملت النسب التالية: 81 % في إندونيسيا وافقوا دون تحفظ على عبارة: “نعم الغربيون أنانيون. في حين وافق عليها 73 % في الأردن، و54 % في باكستان. بل إن نسبة 50% من مسلمي إسبانيا وافقت على العبارة ذاتها.وإذا ما حاولنا قراءة حزمة الأرقام أعلاه بصورة عقلانية، نجد أن الدول التي تلتصق بالإسلام ولها مصالح وثيقة بالدول الإسلامية، مثل الهند وفرنسا، قد سجلت معدلات كبيرة في النظرة السلبية تجاه المسلمين. في حين نجد دولاً مثل بريطانيا -قد سجلت في مسألة الأخلاق- فقط 16 %، بينما سجلت الهند 60 %. وفي مسألة الشرف والإخلاص -التي وردت في الاستطلاع- نجد أن روسيا سجلت 22 % وأميركا 24 %. وعلى الجانب الآخر نجد دولاً إسلامية مثل إندونيسيا قد سجلت في مسألة أنانية الغربيين 81 %؛ والأردن 73 % وباكستان 54% وهي معدلات عالية!ونخلص من هذه القراءة السريعة لأرقام الاستطلاع إلى أن البيئة لعبت دوراً كبيراً في تشكل رأي عام سلبي ضد المسلمين، ومن ذلك نجد أن السكان المسلمين في البلاد الأوروبية والآسيوية (فرنسا وألمانيا والهند) قد لعبوا دوراً مهما في تشكل الرأي العام في تلك البلدان، مع الإقرار بتأثر غير المسلمين - في الهند- بقضية كشمير بين الهند وباكستان، وحالة العداء التي تحتم تلك النسب السلبية العالية ضد المسلمين في الهند تحديداً.أما في الدول الغربية، فإن الممارسات السلبية التي يقوم بها المسلمون وعاداتهم الغريبة عن تلك المجتمعات -وخصوصاً أن جلّ المسلمين هناك من الطبقة العاملة التي لم تنل تعليماً عالياً أو تعرفت على خصال الشعوب المتطورة، ناهيك عن الظروف الاجتماعية والحياتية للمسلمينن حيث يعيش بعضهم في مجمعات وظروف تفتقد أدنى مستويات الحياة الغربية، ناهيك عن تصرفات بعض المسلمين في إغراء نساء تلك البلدان بالزواج، وبعد حصولهم على الجنسية يتركون المرأة ويذهبون إلى أخرى! ونعترف بأن الإعلام له دور في تشكيل الرؤى والمواقف السلبية ضد المسلمين -خصوصاً بعد “غزوات” المسلمين المؤسفة على الحياة في أميركا في 11 سبتمبر. ولكن مع هذا، ظهرت النسبة العدائية متدنية في الولايات المتحدة (35 %) فقط مقابل 58 % في الهند و38 % في فرنسا حول مسألة الغطرسة والتكبر. أما نسبة مسألة الأنانية التي أظهرها الاستطلاع لدى المسلمين تجاه الغرب، فقد كانت كبيرة جداً (81 % إندونيسيا و73 % في الأردن و54 % في باكستان و50 % بين مسلمي إسبانيا)، وهنا يبرز الخلل في فهم واستيعاب الشعوب الإسلامية لمسألة التفاهم مع الغرب، أو حوار الآخر الذي يطرح حالياً في المحافل الدولية. فتلك الفئة من المسلمين ترفض الاتصال بالآخر “الكافر” وترفض أي حوار معه، من الأساس!فالمسلمون يرون في الغرب صورة المستعمر القديم الجديد! الذي سلب خيرات البلاد وتركها “بلقعاً” في بعض الدول! لكنهم يتناسون أن “الاستعمار” نفسه هو الذي شق الطرق، ونقّب عن البترول، وأتى بخبرات استخراج المياه إلى الصحاري القاحلة. وجاء بآلات الحراثة المتطورة السريعة، وجاء بالطب الحديث والأمصال ضد الأمراض في تلك الدول المكتظة بالسكان، بل وساهم في إنشاء التعليم الحديث وأشكال الحياة العصرية. في ذات الوقت -وهذه حقيقة- فإن الاستعمار هو الذي نصّب حكاماً -في بعض الدول- أساءوا لشعوبهم مثل ماركوس الفلبين وشاه إيران. وفي أميركا اللاتينية مثل بينوشيه وغيره! إلا أن مشكلة العداء الأساسية لدى المسلمين ضد الآخر الغربي خاصة تتمحور في دعم الولايات المتحدة والغرب لإسرائيل التي تغتصب الأرض وتمارس الوحشية ضد الشعب الفلسطيني، كما تحتل أراضي مقدسة لدى المسلمين مثل القدس الشريف. وكذلك استئثار تلك الدول بالقوة والتكنولوجيا الحربية وبما يدعم غطرستها، إضافة إلى تدخلها في بعض الدول مثل العراق، وسيطرتها على قرار السلم والحرب في العالم كله. وكذلك ما يطرح في الأدبيات السياسية “احتلالها” لمنابع النفط!؟هذه هي مبررات ودواعي العداء للغرب والولايات المتحدة من قبل المسلمين. كما أن المسلمين يربطون ما يجري في العراق بما جرى في بلدان أخرى مثل فيتنام وكوريا واليابان، وهذا بلور مفهوماً سلبياً في الذاكرة الإسلامية من خلال ما جرى في الحرب العالمية الثانية، والأحداث التي وقعت بعدها مثل “سايكس- بيكو” أو اتفاقيات كامب ديفيد!وحيث إن العالم كله يتجه حالياً نحو السلام، ووضع الحروب جانباً، فإن على الولايات المتحدة أن تأخذ نتائج ذلك الاستطلاع وغيره في الحسبان لتقديم صورة جديدة لها في العالم الإسلامي. ولتكون تلك الصورة مدعاةً وسبباً لعلاقة أوثق تقوم على المصالح، ولكن لا تتعدى ذلك إلى أنماط الهيمنة أو التدخل في مصير الشعوب، بل وعدم دعم أنظمة حكم لا تحترم حقوق الإنسان، أو تهدر كرامته!؟[c1]*عن / صحيفة (الاتحاد) الإماراتية[/c]