مع الأحداث
بالرغم من الاكتشافات العلمية الباهرة، فقد عجزت إرادة الإنسان وبحوثه حتى اليوم عن حصار مرض السرطان الفتاك، وعن الوصول إلى علاج حاسم لأنواعه المختلفة. إنه المرض الذي يموت به كل عام مئات الألوف من البشر، ومن كل الأعمار (الصغار والكبار)، بل وتزيد نسبة الذين يصابون به والذين.. يموتون به كل عام.ولم يكن العجز العلمي هو مصدر هذا الفشل بقدر ما كانت عقبات المصالح، فالشركات الصناعية العملاقة تحقق أرقامً فلكية من الأرباح في ظل الأوضاع الحالية من التلوث البيئي الذي هو المصدر الأول لمعظم أنواع السرطان. ولقد حاولت هذه الشركات بكل الأساليب، وستظل تحاول على الأرجح الوقوف أمام جهود الإنسان لمحاصرة تلوث بيئته. فالسرطان ليس نتاج المجتمع الصناعي في حد ذاته، وإنما هو نتاج التلوث الصناعي بأوسع معانيه. وإذا استطاع الإنسان أن يسيطر على هذا التلوث، فقد استطاع أن يحاصر مرض السرطان. وكما هو معروف فإن السرطان يتميز بنمو غير مسيطر عليه في الأنسجة، وهذا النمو يؤدي إلى ظهور ورم في الجزء المصاب، لكن سرطان الدم (اللوكيميا) ليست له أي مظاهر واضحة كما يقول الأطباء المختصون.ولكن هل هناك علاقة بين السرطان والسياسة؟ وما دخل السياسة في موضوع كهذا؟ والإجابة هي انه إذا كان المقصود بالسياسة الجهد الجماعي للإنسان لرفع مستواه المعيشي، وإعلاء إنسانيته في مواجهة كافة العقبات التي تحول دون ذلك، فإن للسرطان - أكثر من أي آخر - صلة وثيقة بالسياسة.وهناك شبه اتفاق الآن على أن السرطان هو في المحل الأول مرض التلوث الصناعي بأوسع معانيه (التلوث في أماكن العمل، في هواء المدينة، في الغذاء، في السجائر..الخ) وانه على هذا الأساس يمكن أن يمنع انتشاره وازدياد خطره.لكن الشركات العملاقة العالمية والمتعددة الجنسية تقف - موضوعياً - خصماً عنيداً ضد هذا، لأن محاصرة التلوث البيئي سوف يؤدي إلى خفض أرباح هذه الشركات أو ضياعها.ختاماً نقول : إن مكافحة السرطان ليست مشكلة طبية فحسب وإنما هي مشكلة في صميم موقف الرأي العام من الشركات الصناعية الكبرى التي ترك لها الحبل على الغارب لإنتاج ما تريد صناعياً دون اعتبار كاف لمقتضيات أمن العاملين فيها أو المستهلكين لمنتجاتها. لقد أخذ هذا المرض القاتل يزحف إلى البلدان النامية، ومن ضمنها بلادنا، مع تزايد استيرادنا لتكنولوجيا الغرب، وتزايد تبنينا لأنماط الاستهلاك العربية، واتساع استيراد منتجات الغرب الاستهلاكية.فمتى نتنبه إلى خطورة هذا المرض ومحاولة محاصرته بجدية، واتخاذ إجراءات أمن صناعي دقيق في كل مصنع، باعتبار إن عماله هم المصابون أولاً وأخيراً، وفحص المواد الكيميائية الجديدة والمواد التي تدخل في الصناعات الغذائية من زاوية علاقتها بالسرطان؟