قبل أن يحل ما نكره :
عندما قامت الثورة اليمنية (26سبتمبر ، و 14 أكتوبر) لم تقم على أرض قد فرشت لها بالورود، بل قامت على قاعدة صراع الحق والباطل، صراع أكثرية ، وغالبية عظمى لا تملك سوى إرادة الثورة ، والاستعداد للموت من أجل نصرتها، ونصرة أهدافها ، وقضاياها العادلة، وفي المقابل أقلية طاغية ومغتصبة تملك كل شيء سوى قلوب الناس، وتملك قدرة الإهلاك والإفساد لكنها في الوقت نفسه غير مستعدة للموت تحقيقاً لأهدافها، وانتصاراً لمبادئها.وبالتالي، فإن المعركة لم تكن متكافئة .. فهي بين من لا يملك سوى نفسه، والاستعداد للموت من أجل حريته، ومن يملك العد، والعتاد، والنار، والحديد .. فهي في الحقيقة استماتة طرف من أجل الحياة، وحياة طرف آخر لا يرى قدراً لحياة غيره.. وهكذا، فقد كانت الثورة مغامرة المستميت من أجل الحياة. وفي هذه الثورة، وما شهدته من الأهوال والمعارك، لم تكن الانتصارات هي العنصر الوحيد في محصلات التفاني، بل كانت الهزائم والمؤامرات والانطلاقات والانكفاءات ، لكن .. كان الصوت العالي هو صوت الإرادة الحرة.. صوت العزم .. صوت الانطلاق نحو التالي دون النظر في النتائج. الكل في المعركة .. المقاتل .. المخطط .. الكاتب .. الصحفي .. الشاعر.. الرسام .. المطرب .. المنشد .. العجوز في محرابها .. المرأة مع أطفالها .. الجميع يشاركون في المعركة .. كل حسب طاقته .. وحسب ما يجيد من العمل .. وحسب ما يملك من العلم ومن الثقافة .. الجميع كانوا في معركة الثورة ضد الطغيان وضد المحتلين ، وضد السلاطين والعملاء والمرتزقة من أعداء الثورة .لذلك كان المقاتل في صف الثورة أقوى بكثير من بطارية المدفعية ومن حضيرة الدبابات.. لأنه يملك قضية عادلة يقاتل من أجلها وغيره لايملك ذلك، بل يشعر أيضاً بخوائه وهزيمته من الداخل .. وبالتالي ميله إلى أهله وناسه.. لأنه في الحقيقة ليس سوى مضطهد من جملة من يستعبدهم الطغيان .. لقد أحس ذلك الآدمي أنه ينفذ أوامر بقتل أهله وإخوانه .. وأن لاعيش له، ولا فخر، وهو يلطخ نفسه بالعار.. هؤلاء المرتزقة .. ومن اضطرهم الفقر لمناصرة الطغاة .. لم يكونوا يدركون خطورة عملهم مجاني.. وبدون جهود كما ذكرنا بل كل ذلك ثمرة لكفاح ونضال الجميع .. في الجيش .. في الأمن.. في مجالات العمل الإبداعي المختلفة .. رسمية وجماهيرية. اليوم نحن في الحقيقة أمام هجمة معاكسة لقوى الظلام والطغيان والاستبداد .. هجمة تريد أن تعيدنا إلى الماضي .. الطاغوتي .. إلى استعباد الإنسان لأخيه الإنسان .. هجمة تريد من خلالها القوى الرجعية تبادل المواقع وربما المواقف .. مع فارق أن الثورة اعتمدت على جماهير الشعب فيما تعتمد اليوم القوى الرجعية على المرتزقة القدامى الجدد .. هؤلاء يبيعون أسلحة الجيش للمتطرفين الإماميين .. ويشترون منهم السلاح في ظرف آخر بأسعار الخيال. الحقيقة ، مع أننا نعلم أن الخاسر هو الوطن، إلا أننا لا نعلم معنى لهذا السلوك .. كيف يكون الآدمي ثورياً، ويبيع أسلحة الثورة لخصومها .. ويكون قيادياً وكل شيء تحت يده خاضع للاتجار .. يا أهل العقول أقول لكم بحق : إن قوى الثورة معطلة حتى الآن .. وإن وسائل النصر مازالت بعيده عن المعركة بعداً شاسعاً .. وإن إشكالية الولاء القديمة اليوم قد تودي بالثورة إلى مهلكة.. فحتى متى سنظل نتفرج على عبث تجار الحرب وجمهوريي النهار ملكيي الليل؟! يا أهل العقول : لاتستهينوا ! فالثورة في خطر!! .