البشرية بين النازيين الجدد والإرهابيين الجدد
أكثر خبر إثارة للحزن في الأسبوع الماضي كان خبر مقتل الطالب القطري بإنجلترا, واسمه محمد الماجد (16 سنة) الذي يدرس اللغة الإنجليزية في مدرسة صيفية وكان يكمل آخر أسبوع له ضمن برنامج اللغات المكثف الذي يستغرق خمسة أسابيع, ولقد تمت مهاجمته من قبل بعض الشباب البريطانيين المخمورين, إثر مشادة كلامية خارج ناد للطلاب الأجانب.قرأت الخبر في صحيفتين: الأولى صحيفة الشرق الأوسط (27/ 8/ 2008) التي نقلت عن مراسلي الصحف البريطانية عن صاحب مطعم كباب محاذ للنادي أن الشباب المحليين كانوا قد بدؤوا باحتساء الخمر أمام المطعم, وعندما طلب منهم الابتعاد شتموه, وفي هذه الأثناء اقتربت سيارة شرطة فطلب صاحب المطعم منهم مراقبة هؤلاء الشبان فوعدوه أن يفعلوا لكنهم غادروا المكان بسرعة, وخلال أقل من ساعة هاجم المخمورون الماجد من دون أي مبرر, وقال صديق المتوفى وهو قطري مثله: إنهم كانوا ينادونني بصدام حسين وأسامة بن لادن, وكنا فقط نريد أن ننجو منهم ولكنهم استمروا في مهاجمتنا ولم نستطع الفرار منهم. صحيفة الحياة نقلت في عددها الصادر بتاريخ 28/ 8/ 2008 عن شاب سعودي زميل للمتوفى أنه تعرض هو الآخر للضرب, وأنه لا يعرف سبباً للهجوم ولا يرى تفسيراً لما حصل سوى أنه هجوم عنصري وأنه قرر ألا يزور بريطانيا بعد اليوم، وأضاف أنه حضر ليرى ما حصل لزميله فما كان من أحد أفراد العصابة المخمورين إلا أن اعتدى عليه بزجاجة كانت بيده تسببت في شج بالرأس استدعى خياطة بست غرز. وزميل آخر أخبر «الحياة» أن الماجد لم يبدر منه أي سلوك سيئ, وأنه كان ضعيفاً قليلا في نطق الإنجليزية, وقام الشباب المخمورون باستفزازه قائلين: لماذا تنظر إلينا؟ فقال القليل مثل: لم أنظر إليكم, وتأسف لهم إن كان نظر من دون قصد, فردوا عليه: نحن نريد أن تحدث لنا مشكلة معك, فقال: أنا لا أريد، ثم تهجموا عليه ولكموه على الرأس حتى سقط واصطدم رأسه بالرصيف بشكل قوي,مما أدى إلى حدوث نزيف في الرأس, ومن ثم أصيب بإغماء قبل أن يصل رجال الإسعاف.نقلت بعض ما جاء في الخبرين لكي يكون تحليلي واضحاً للقارئ الذي لم يطلع عليهما, كي أطرح بعض التساؤلات والاقتراحات التي تمنع تكرار ما حدث, دون أن أنسى الدعاء بالرحمة للمتوفى والصبر لأهله وقبل كل شيء رجائي أن ينال هؤلاء المعتدون ما يستحقون من الجزاء.كثيرون ممن يملكون بعض المال الزائد يحبّذون إرسال أولادهم إلى بريطانيا أو إلى أي بلد ناطق باللغة الإنجليزية لتعلمها بين أهلها, ولا مانع من ذلك - برأيي - شرط وجود أقارب أو معارف بالنسبة للأهل أنفسهم, فالمؤسسات التي تقدم عروضاً مغرية بالنسبة للشباب ربما يكون هدفها المادة بالدرجة الأولى, لذلك فلن تكون مسؤولة عن متابعة تصرفات هؤلاء الأحداث بالشكل المطلوب, ومن يذهب لتلك البلاد يتعرض لثقافة مختلفة كلياً عن الثقافة العربية, ومن المعلوم أنه في البلدان الأوروبية يوجد برامج مبادلة بين الطلاب تتم بين المدارس في بلد أوروبي وبلد أوروبي آخر, لكن تبقى الثقافة الأوروبية متشابهة إلى حد كبير, وبالرغم من أن الشاب الفرنسي مثلا لن يجد اختلافاً جارحاً بينه وبين الشاب البريطاني, فقد نال شابان فرنسيان (كلاهما في سن 23) في شهر يونيو الماضي نفس مصير الشاب القطري بعد أن تم حرق شقتهما إثر تعرضهما للطعن عشرات المرات في الرأس والعنق والجذع, وذلك لإخفاء الجريمة لتبدو أنها حادث حريق فقط.من المهم جدا أن تتم تهيئة هؤلاء الشبان الصغار قبل السفر ومنحهم فكرة وافية عما يمكن أن يتعرضوا له هناك, ويأتي في مقدمة ذلك تحذيرهم من استخدام كل ما يضر العقل أو الاقتراب ممن يتعاطى أي مادة تذهبه, خاصة الكحول والمواد المشابهة بتأثيرها، ومن الخطأ أن ترسل حدثاً ساذجاً إلى حيث لا يوجد رقابة عليه ولا وجود لشخص ناضج مسؤول عنه، وكما أنه من المفروض على الأهل تنبيه أولادهم إلى كل الأمور التي تختلف بين البيئة العربية والبيئة الغربية التي سوف يذهبون إليها حتى لو كان سفرهم مجرد شهر أو حتى أقل, فإنه من المفروض على هؤلاء الأهل الإحاطة بقوانين تلك البلاد, فسفر أولادهم ليس مجرد رحلة ترفيه بقدر ما هي رحلة تعلم وتربية وتبادل خبرات حياتية, والسؤال المطروح في حالة الشاب القطري: إذا كان القانون البريطاني عادلا فماذا لو وجدت به ثغرة قانونية تجعل عقوبة هؤلاء مخففة إذا ثبت أنهم قاموا بجريمتهم تحت تأثير المسكر؟ الأمور التي يمكن استقراؤها من ثنايا الخبر أيضاً أن هناك نوعاً من التجمهر قد تم بدون داعٍ مما عرض الشاب السعودي للضرب بزجاجة خمر سبب له جرحاً في فروة الرأس, وكان من الأجدى التفرق لطلب النجدة أو الإسعاف بأسرع ما يمكن. كذلك ما قاله زميل المتوفى من قلة معرفته باللغة رغم أنه في الأسبوع الأخير للدورة يجعلنا نتساءل: هل الهدف فعلا تكثيف تعلم اللغات أم إن الموضوع تجاري بحت؟ وإذا كان الشاب لا يتقن لغة القوم فأين نحن من القول المأثور:(من تعلم لغة قوم أمن شرهم)؟ والمقصود من هذا السؤال أنه كان من الأفضل البدء بتعليم الشاب العربي اللغة الإنجليزية في بلده ثم بعد أن يتعلم الأساسيات من المفردات والعبارات يمكَّن من السفر لتعلم المزيد في البلد الذي يريد, مع وجود رعاية مباشرة من المؤسسة المسؤولة عن سفره.طبعاً لا تخلو هذه الجريمة من عنصرية, فالشاب العربي عموماً صار متهماً بأنه أسامة بن لادن أو صدام حسين, ومن الضروري أن يكون للبلاد الغربية, التي تكسب الكثير من المال من دورات كهذه أو حتى من وجود الشباب سواء كان مبتعثاً على حساب بلده أو مرسلا على نفقة أهله, دور للاهتمام بوجود هؤلاء الأحداث فلماذا مثلا لم تتدخل دورية الشرطة كما طلب منهم صاحب المطعم؟ ولماذا لا تعمل البلاد العربية والغربية متعاونة على النهوض بثقافة تقبل الآخر؟ يد واحدة لا تصفق وهذه مهمة أعظم وأنبل من أي شيء آخر على اعتبار أن البشرية كلها واحدة وما يصيب شرقها من ضرر سيعود على غربها بالتأكيد, والعكس بالعكس, فالمسؤولية مشتركة سياسية واجتماعية وأسرية في آن.نأتي للإرهابيين الجدد الذين يتخذون الإنترنت سلاحاً للتدمير, وكلنا يعلم أن القاعدة وفروعها استفادت من النت كأداة عولمية لتبث سمومها وفكرها بين الشبان خاصة, مما أساء للإسلام والمسلمين في كل مكان, وهذا الخبر الذي نقلته صحيفة الوطن السبت الماضي ليس من السهل قراءته دون الشعور بنوع من الاستفزاز بسبب الإساءة للإسلام, فهذا المسلم الذي قام باختراق أكثر من 18 ألف موقع هولندي يظن نفسه قائماً بالجهاد على أفضل وجه, فما الذي سوف يعود على الإسلام والمسلمين من جهاده المزعوم سوى المزيد من الكره للمسلمين لأنهم مخربون وعدائيون وهمجيون؟الآن فطن المهاجم أن يرد على إساءة النائب الهولندي صاحب فيلم (فتنة), فأدى هجومه إلى تعطيل آلاف المؤسسات والشركات والمواقع الحكومية مع حدوث ارتباك أمني, فمن يدفع فاتورة هذا الغباء المستفحل؟ وكيف يمكن للإسلام أن ينتعش وللمسلمين أن يكونوا أعضاء فعالين في مجتمعاتهم التي هاجروا إليها وللبشرية أن يسودها السلام والإخاء في ظل انتشار ثقافة الكره والتعصب؟ [c1]* عن/ صحيفة «الوطن» السعودية[/c]