الدكتور / عبد الرحمن الشامي - الأستاذ المشارك بكلية الإعلام جامعة صنعاء يتحدث لـ ( 14 اكتوبر ):
أجرى اللقاء / بشير الحز ميمما لاشك فيه أن الإعلام بات يلعب دوراً مهماً في رفع معارف الجمهور وتعزيز الوعي لديه حول مختلف القضايا الوطنية الهامة ومنها القضية السكانية التي يلعب الإعلام والاتصال دوراً محورياً فيها علي اعتبار أن هذه القضية بما تواجهه من مشكلات وتحديات لا يمكن بأي حال من الأحوال التعاطي معها وحلها أو مواجهتها بمنأى عن دور الإعلام والاتصال السكاني ، غير أن الأخير نفسه لازال هو الآخر يواجه تحديات عديدة ، الأمر الذي يتطلب الوقوف أمام هذه القضايا ودراستها من خلال رؤية علمية أكاديمية تخوض في تفاصيل مكوناتها وجزئياتها المختلفة وبما يضمن الخروج برؤى علمية وحلول واقعية لكل ما تعانيه وبما يكفل تحقيق الأهداف والغايات المرجوة..صحيفة 14 أكتوبر تطرح عدداً من الأسئلة حول هذه الجوانب وغيرها من الجوانب الأخرى المتعلقة بالوضع السكاني في بلادنا علي الأخ الدكتور/عبد الرحمن الشامي الأستاذ المشارك بكلية الإعلام جامعة صنعاء واحد المهتمين بالشأن السكاني وذلك من خلال هذا اللقاء الذي أجريناه معه والى التفاصيل :-بالنظر إلى الوضع السكاني الحالي في الجمهورية اليمنية وتحدياته، ومن خلال رؤيتكم الأكاديمية ما السبل المثلى والأكثر فاعلية للتعاطي مع هذا الوضع ومواجهة تحدياته؟التعاطي العلمي مع أي مشكلة من المشكلات، أو قضية من القضايا يقتضي في البداية التشخيص الدقيق لها، والبحث في مسبباتها، ودراسة العوامل المرتبطة بها، والمتغيرات المؤثرة فيها، سواء أكان ذلك يحدث على نحو مستقل أو تابع. ونحن في اليمن بعون الله وبجهود المخلصين والمثابرين يمكننا القول بأننا قد انتهينا من هذه المرحلة، وتجاوزناها إلى ما بعدها، فقد تم تحديد المشكلة على نحو دقيق، كما أن أساليب التعاطي معها معروفة. فاليمن يُشهد لها، ويشاد بها في المنطقة العربية بأنها قد أنجزت عدد من الوثائق والاستراتيجيات الوطنية. إذا فنحن نعرف كنه المشكلة، و ما الذي ينبغي عمله بشأنها، لكن جوانب القصور تكمن في مراحل التنفيذ، فالجهود التي تتم في هذا المجال، لا ترقى إلى ما تم في مرحلة التشخيص والتأطير، فنحن على مستوى العمل المؤسسي والمدني لا نزال غير قادرين على نحو كامل على ترجمة ما تزخر به هذه الاستراتجيات والوثائق إلى أرض الواقع، مع عدم إغفال الجهود التي تتم في هذا المجال، وعدم الاعتراف بحقوق أصحابها غير أن التحديات التي نواجهها في مجال النمو السكاني لا تزال كبيرة.فالتعاطي الناجع مع القضية السكانية في بلادنا يقتضي السير في اتجاهين متوازيين، لا يستقيم أحدهما من دون الآخر، فهناك جانب توعوي، يتمثل في رفع نسبة الوعي بهذه القضية بين الناس، وآخر خدمي، يتمثل في توفير خدمات الصحة الإنجابية بما فيها وسائل تنظيم الأسرة الحديثة وذات الجودة العالية للناس، وإتاحتها لهم على مستوى القرية والمديرية والمدينة، وليس العكس، كما هو حاصل اليوم، فالزيادة السكانية تتركز في الريف اليمني الذي يمثل حوالي 72 في المائة من السكان في اليمن. فلا قيمة لوعي بدون توفر هذه الخدمات، ولا جدوى من خدمات في ظل غياب الوعي. هذا هو عماد العمل السكاني في الوقت الراهن، مع عدم إغفال ولا غياب الشق التنموي، والذي يتأثر بالزيادة السكانية، ويؤثر فيها، فالنمو السكاني الحالي في اليمن، والذي يسجل رقما يعد من أعلى المعدلات العالمية (3 في المائة) يلتهم ما تحققه جهود التنمية، فلا تبدو أثارها واضحة على المجتمع.[c1]دور أكاديمي ما أهمية الدور الأكاديمي في هذا الجانب ، خصوصاً وأن الجامعة تتعامل مع أهم شرائح المجتمع وأكثرها تأثراً وتقبلاً بالرسائل التوعوية الهادفة الموجهة إليهم وأكثرها قدرة علي تحقيق التغيير في السلوك الإنجابي وخلافه ؟ [/c]يمكن أن يكون للأكاديميين دور فاعل في مجال القضية السكانية، ومن ثم خدمة الوطن، إذا ما أحسنوا توظيف عدد من الفرص المتاحة لهم في هذا المجال، فطلاب الجامعة وطالباتها وغيرها من المؤسسات الأكاديمية الأخرى يعدون إحدى الفئات الهامة والمعنية بالقضية السكانية على نحو خاص، وعليهم يقع عبء هذه القضية أكثر من غيرهم حاضرا ومستقبلا، ومن ثم فإن تزويدهم بما يحتاجون إلى معرفته في هذا المجال، هو ما يعينهم على صياغة مستقبلهم على نحو أفضل، في حين أن غياب هذا البعد من شأنه أن يضاعف من معاناتهم في الحاضر والمستقبل أيضا، ومن هنا يقع عبء كبير على الأكاديميين في تحين الفرص المناسبة لطرح هذه القضية بأسلوب علمي، والتعاطي معها على نحو مقنع وفاعل، وهذا يتطلب أولا ضرورة توفر الوعي الأكاديمي بهذه القضية، والإحاطة العلمية بجوانبها المختلفة، قبل وضعها على بساط البحث والنقاش مع الطلاب والطالبات.ويوجد في الوقت الراهن مركز متخصص في الدراسات السكانية بجامعة صنعاء، كما أن هناك محاولات تجري منذ أعوام، وتهدف إلى إدماج القضايا السكانية في المقررات الدراسية الجامعية، وهي مسألة أخذت كثيرًا من الوقت، ولم تخرج إلى النور حتى اليوم، ونتمنى أن يتم أنجاز هذا العمل المهم في القريب العاجل، لأن أي تأخير في هذا المجال ليس من مصلحتنا، ولا من مصلحة بلادنا، وحتى يتم هذا الدمج فإن هناك متطلبا جامعيا يشترك في دراسته طلاب وطالبات جميع المراحل الدراسية في كل الجامعات اليمنية، ويمكن توظيف أحد مفرداته لتناول القضية السكانية كآلية عاجلة، عوضا ًعن الانتظار من دون فعل أي شيء، حتى تتحقق عملية الدمج المشار إليها آنفا.ً[c1]الجهل أبو المصائب (الجهل أم المصائب ) عبارة شائعة تناقلتها الأجيال إلي يومنا هذا .. برأيكم إلي أي مدي يمكن أن يؤثر وجود الجهل واتساع رقعته في المجتمع اليمني وخاصة في الريف وبين أوساط النساء وذلك في تقويض جهود التنمية وتحقيق أهداف السياسة السكانية ؟[/c]من المؤكد بأن التعليم يعد متغيراً هاماً ليس في مجال القضية السكانية فحسب، ولكن في تحديد طبيعة حياة الفرد والمجتمع بشكل عام، ولكن السؤال هو: عن أي تعليم نتحدث هنا؟ هل عن التعليم الكمي أم النوعي؟ وهذه قضية أخرى. لكن القضية السكانية لا تحتاج بالنسبة للشريحة غير المتعلمة لأكثر من رفع الوعي بها، ولكل شريحة من شرائح المجتمع رسائلها الخاصة بها، وقنوات الاتصال المناسبة لتوصيل هذه الرسالة إليهم على نحو فاعل، وبما يحقق التأثير المرجو من هذا العمل، فنحن مدعوون إلى الاستغلال الأمثل لما يتوفر لدينا اليوم من قنوات اتصال جماهيري ووسطي وشخصي وغيرها من قنوات الاتصال الأخرى، فالعمل الإعلامي والتوعوي والدعوي في هذا المجال يقع في خانة الدور التنموي لهذه الوسائل، ويترجمه على نحو حقيقي، فالقضية السكانية قضية تنموية وطنية في المقام الأول.[c1]الإعلام والاتصال السكانيكيف تقيمون أداء ودور الأعلام والتثقيف والاتصال السكاني في بلادنا سواء الرسمي منه أو غير الرسمي وتعاطيه مع المشكلة السكانية وتخاطبه مع شرائح المجتمع المختلفة .. وما هي برأيكم أكثرها فاعلية وقدرة علي التأثير وتغيير السلوك ؟[/c]يوجد في الساحة اليمنية اليوم أكثر من جهة حكومية ومدنية تعمل في مجال القضايا السكانية، لكن هذه الأعمال تفتقر إلى المتابعة والتقييم التي تتم بواسطة الدراسات العلمية المنهجية، ومن ثم فإن أي حديث عن تأثيرات هذه الأعمال في ظل هذا الغياب يصبح محض ادعاء، وقد يقع في خانة الدعاية، أو الرؤى الشخصية في أحسن الأحوال، فنحن نفتقر إلى العمل البحثي المتابع لهذه الأنشطة، والمتتبع لتطوراتها، والمقيم لمدى فاعليتها وتأثيراتها من عدمه، ومن ما يضاعف من حجم هذه الإشكالية غياب الاهتمام الأكاديمي بحقل الإعلام التنموي، وإذا ما استحضرنا -مثلا- أبحاث الماجستير والدكتوراه التي أنجزت في مجال الإعلام خلال هذا العقد، فلا نجد سوى دراسة أو دراستين، أما البقية منها فهي مأخوذة باستقصاء النظريات الأمريكية التي إن شكلت أولوية لمجتمعاتها، فليس بالضرورة أن تكون كذلك بالنسبة لمجتمعنا حديث العهد بالحياة المدنية، والمتخم بكم لا يحصى من المشاكل التنموية. [c1]القائمون علي الإعلامبالرغم مما يقوم به الإعلام السكاني من دور في التعريف بالقضية السكانية ومشاكلها وتحدياتها وفي تعزيز الوعي ونشر الثقافة السكانية في أوساط المجتمع .. ألا تعتقدون أن الإعلام السكاني مازال يقف مكتوف اليدين وغير قادر علي القيام بدوره الكامل وبالشكل المطلوب وانه مازال يعاني من تسلط القائمين عليه وجهلهم بماهية وطبيعة دوره حيث مازالوا يضعونه علي هامش اهتماماتهم غير مدركين أهمية تسخير وتوفير كافة احتياجاته ومتطلباته الأساسية التي تمكنه وتساعده في أن يلعب دوره ويقوم بكل المهام الملقاة علي عاتقه ؟[/c]الإعلام التنموي بشكل عام لم ينل بعد الاهتمام الذي يستحقه، ناهيك عن الإعلام السكاني الذي لا يزال يغيب عن مؤسساتنا الأكاديمية، في الوقت الذي يقال بأن تطويرا يتم لمناهج كليات الإعلام، فأي تطوير من هذا النوع لا يأخذ في حسبانه الاحتياجات التنموية لمجتمعنا اليمني فإنه يحلق في فضاء خارج الفضاء الذي نعيشه. وهناك مسألة أخرى مهمة تسهم في مضاعفة مشكلة الممارسين للإعلام والاتصال والسكاني، وتتمثل في غياب الدراسات الأكاديمية الخاصة بالقائم على الاتصال في هذا الحقل الإعلامي والاتصالي الهام، وفي غياب هذه الدراسات فلا أقل من تفعيل الحوار حول هذه القضية مع سائر الأطراف المعنية، وفي مقدمتهم القائمون على الإعلام والاتصال السكاني.[c1]الريف ومسألة التوعيةعلي اعتبار أن أكثر من ثلثي السكان في اليمن يتركزون في المناطق الريفية، وبالنظر إلي مستوي الخدمات التي تقدمها الدولة لهذه المناطق وفي ظل الغياب شبه الكامل لمؤسسات المجتمع المدني وأنشطتها فيها ، ومحدودية وصول الرسائل التوعوية الموجهة عبر مختلف الوسائل المتاحة في الحضر باستثناء بعض الإذاعات المحلية وخطبة الجمعة في المسجد التي تكون في الغالب بعيدة كل البعد عن تناول أي من القضايا السكانية .. فكيف تنظرون كأكاديميين إلي هذه المسألة بمختلف جوانبها ؟[/c]تجدر الإشارة أولاً إلى أن للخطاب الديني دور هام في التعاطي مع القضية السكانية، لا يمكن إغفاله، كما يسجل “منبر” المسجد حضورًا، لا يمكن هضم أصحابه حقهم، ولكن هذا الدور لا يلبي الطموح المنشود، ولا يرقى إلى التحدي الذي يمثله النمو السكاني في بلادنا، فضلا عن غياب الدراسات العلمية التي تستقصي تأثير الخطاب الديني. وتبقى مسألة التعاطي مع القضية السكانية في حاجة إلى تكامل الأدوار، وتنسيق الأعمال التي تقوم بها الجهات المختلفة، فلا يعمل كل منها في معزل عن الآخر، ولا يدري ما الذي يقوم به، فإحدى مشاكلنا الأساسية تتمثل في تشتت الجهود، وغياب التنسيق الذي قد يؤدي إلى تناقض أصناف الخطاب، وتصادم بعضها مع بعض، بل المأساة الكبرى حين يغيب التنسيق، ويفتقر الأداء إلى التناغم على مستوى المؤسسة الواحدة.