يبدو ان هذا هو التفسير المعقول للمعركة المحتدمة في لبنان، منذ خراب حرب الصيف، تدور حول من يستلم المعونات ويمنحها للناس. فرئيس الوزراء فؤاد السنيورة ينتقد إيران، لأنها تقدم معوناتها المالية لحزب الله المتمرد على الحكومة، ويطالبها بأن تقدمه لقنواتها الشرعية. وسبق أن سمعت من مسؤولين خليجيين قولهم إن حزب الله طلب ان تسلم له أموال الإعمار مباشرة، بدعوى انه خير من يديرها حتى لا يطولها الفساد، في حين ان الجميع مقتنعون بأن الحزب لا يريد لأحد علاقة بأهل الجنوب غيره. كما ان القوات الدولية العاملة في الجنوب اللبناني «اليونيفيل» تتعرض هي الأخرى لنقد من أطراف في حزب الله، لأنها تهب مساعداتها لأهل الجنوب مباشرة، من دون المرور على الحزب. فهي تريد علاقة حسنة مع الأهالي في حين ان المقاتلين يريدون حالة الحرب قائمة.وصراع المال أكثر علانية في أراضي السلطة الفلسطينية، حيث ان حماس وفتح تتصارعان على حق الإمساك بتصريف الأموال الحكومية والمساعدات الخارجية. الدليل على ذلك الخلاف على المعونات الدولية. فالمجموعة الأوروبية، التي زادت من دعمها للفلسطينيين في الآونة الأخيرة، تقدم أموالها مباشرة للمستشفيات والمدارس والجمعيات الإنسانية. هي تعتقد ان إضافة المال إلى الصراع السياسي سيجعله سلاحا مدمرا، وطالما ان الهدف مساعدة المواطن الفلسطيني، فالأجدر منحه للمستشفى او المدرسة مباشرة، والتأكد من سلامة إنفاقه. وفي فلسطين السبب واضح، ففتح متهمة دائما بالتسيب الاداري والفساد المالي، أما حماس فتتهم بأنها تحول أموال المعونات الخارجية لخدمة أجندة سياسية. لكن كما قال شاعر العرب المتنبي معبرا أيضا عن حال اليوم «لامجد في الدنيا لمن قل ماله».والمال هو السلطة حتى عند غيرنا بدليل ان الرئيس الأميركي هاري ترومان، منذ نصف قرن، وضع لوحة على مكتبه تقول «هنا يقف الدولار» أو بمعنى عربي أكثر فصاحة «هنا يمر الدولار». والسيناتورة هيلاري كلينتون تهدد الرئيس جورج بوش بأنه سيلقى مصير حماس فتمنع عنه الأموال قائلة إن الديموقراطيين سيقفون شوكة في حلقه، من خلال اللجنة المالية في الكونجرس، بمنع التمويل المالي عن نشاطاته العسكرية. وفي ظني ان التفسير التاريخي الصحيح للفشل الأميركي في العراق في أساسه يكمن في منح البنتاغون إدارة ميزانية العراق، الذي مكن وزارة الدفاع من إدارة الدولة وأقصى وزارة الخارجية، التي كانت مؤهلة لترتيب الوضع الجديد، والتي جاءت بأفكار بلا أموال، واضطر الوزير حينها كولن باول الى الاعتكاف ثم الاستقالة. وقد بددت وزارة الدفاع الأميركية، بكرم غير معهود، أكثر من ثلائمائة مليار دولار على مشاريع سياسية فاشلة لتثبت للجميع انه ليس بالدولار وحده يمكن حكم العراق، بل يحتاج إلى عقل راجح أيضا.-------------------------[c1]نقلاً عن صحيفة (الشرق الوسط) اللندنية
أخبار متعلقة