محافظة عدن
نعمان الحكيمعندما نتحدث عن بيئة نقية وخالية من الملوثات، إنّما نتحدث عن ثقافة ومدينة وحضارة، يكون لها الأثر الكبير في صنع واقع بيئي يعكسُ تناغماً يظهر أثره على واقع المدن والأحياء والشوارع من ناحية، وبما يؤدي إلى تفاعل اجتماعي يكون نتيجته الالتزام بالقوانين واللوائح من ناحية ثانية، سواء أكان ذلك للمواطن، أم للجهات الحكومية المعنية، ونعني بذلك ما يحدث للمدينة والمحافظة بشكل عام من إهمال إزاء البناء العشوائي الذي انتشر كالسرطان الذي يفتك بحياة الناس المصابين به، وقاكم الله وإيانا منه .. آمين يا رب العالمين! وما دمنا نتحدث عن مشكلة تؤرق الجميع، وتشوه المنظر الجمالي لمدينة عدن، فإنّه لابد لنا أن نشير إلى ما لذلك من مشكلات تتعلق بالمياه والكهرباء والهاتف والصرف الصحي.. الخ.. ذلك لأنّ الأمور هذه لها جانبان اثنان :* أولهما : احتياج الناس للمساكن وعدم إعطائهم ما يحتاجون من مساحات مخططة للبناء سواء عبر الدولة (العقارات) أو الجمعيات السكنية التي ما تزال مثل (الزئبق) لا يمكن لمسه أو علمته، وعدم وجود هيئة تخطيطية تعنى بذلك.. ما جعل الناس يبحثون عن بقعة حتى ولو كانت في قمم الجبال، لأنّ هؤلاء قد سكنوا في المدينة وتزوجوا وخلفوا، وخلَّف أبناءهم وبناتهم جيلاً بعد جيل، وزاد أنّهم لم يحصلوا على سكن حكومي فيما مضى.. واستحوذ الكبار على الأراضي الآن.. ما جعل السلطة المحلية تعترف بالعشوائي وإنْ بدرجات متفاوتة.وثانيهما : الهجرة من الريف إلى المدينة عدن، وتوسعها وازدهار حركة البناء والعمران والسكن والعمل فيها، ما جعل الأرض تكون صعب المنال للبسطاء، إلى جانب السماسرة الذين يتاجرون حتى بضمائرهم، ـ إن جاز التعبير ـ وهو ما ترك آثاراً سلبية على الناس وعلى المدينة، وعلى الاستثمار أيضاً.. لأنّ هكذا فلتان، يؤدي إلى عدن الثقة ومن ثمّ الخوف من المغامرة وضياع (تحويشة العمر) سُدى. لذلك يكون الاحتياج قد أوصل الناس، خصوصاً ممن لهم سنين طوال في عدن قد تتجاوز الأربعين سنة فأكثر.. وهم بحاجةٍ ماسة للسكن والاستقرار، لذا لجأ هؤلاء مضطرين إلى الجبال، أو سطوح العمارات، وبعض المتنفسات مجبرين بعد أن لم يستمع إليهم ولم ينصفهم المسئولون .. وهذا قد دفع السلطة المحلية إلى إصدار تصاريح مؤقتة للبعض، وأدخل البعض المياه والكهرباء وخدمات أخرى للاستقرار.. ولكن كان البناء في شكله العام بعيداً عن التخطيط الحضري ومشوه للمدينة، ويجعل من جبال عدن أشبه بمدن الصفيح، وانظروا إلى جبال المعلا والتواهي وكريتر، وسترون أنّ ذلك كلاماً حقيقياً، وليس تهويلاً.. مع أننا مقتنعون أنّ هؤلاء ضحية فعلاً، ولم يكن أمامهم إلا هكذا حلولاً.وزاد الطين بلة أنْ أمرت السلطة المحلية بطلاء هذه البيوت المتناثرة والمتنافرة باللون الأبيض، ما جعلها تظهر بشكل محزن ومأسوف عليه، لأنّ البناء كان قبلاً ومن دون الطلاء بالأبيض لم يظهر كما هو عليه الآن.. ولا ندري الهدف من ذلك ؟!والآن، وبعد تشكيل اللجان لإصلاح ما قد حدث بآلية تظهر مخططات لشوارع ومرافق حكومية وبدء النزول ووضع علامة (×) باللون الأحمر على الموقع الذي يُراد إزالته .. بدت الأمور بعد غفوةٍ لا مبرر لها، بعد أن خسرَ الناس مبالغ ضخمة في البناء، في حين نحن مع المدنية والتخطيط العمراني الراقي، لكن كان ذلك لو حدث من الأول فسيخدم الطرفين (مواطنين وسلطة محلية) وسيحفظ للطرفين عَلاقة متكافئة مبيّنة على احترام القوانين ومساندتها، طالما وهي تخدم الجميع وتنصفهم بتجرد وبمسؤولية عالية وضمير يقظ !إنّ عدن اليوم وقد شهدت شوارعها وبعض أحيائها سفلتة ورصفاً بالطوب أو الحجارة لهو شيء يبعث على الاحترام والتقدير، لكن ذلك لم يكن بطريقة علمية، فنحن نرى اليوم بعض الحفريات في الأماكن المرصوفة نفسها، وهي ما تزال لم يمر عليها أشهراً، ورأينا هبوطاً في بعض مساحات الإسفلت لرداءة التنفيذ، وهو ما يدعونا إلى تشديد الرقابة على المقاولين والمنفذين، وكذا إصلاح شبكات الصرف الصحي والمياه المدفونة تحت الأرض، خصوصاً الحديدية التي تقبل الصدأ والتلف، يتم تبديلها بالبلاستيك المضغوط، وبعدها يتم السفلتة أو التبليط .. الخ.. هذا هو المفترض أن يحدث، وليس عيباً أن يحدث أو أن ننتقد، بل العيب في السكوت وإصلاح خطأ بخطأ آخر..