منبر التراث
[c1]حاضرة اليمن[/c]مدينة صنعت التاريخ ، تبوأت البطولة الأولى على مسرح اليمن السياسي في العصور الوسطى دون منازع . كانت في يوم من الأيام حاضرة اليمن ، وعاصمة مُلك الدولة الرسولية (626-858هـ/ 1228-1454م) أعظم الدول التي أشرقت في سماء اليمن . ولقد وصفها المؤرخ الكبير القاضي إسماعيل بن علي الأكوع في كتابه (( الدولة الرسولية في اليمن )) ، أنها كانت " غرة شادخة في مفرق جبين اليمن في عصرها الإسلامي " . حكمت اليمن أكثر من مائتي عام . كان غالبية ملوكها يحترمون العلم والعلماء ، والفقهاء ، والأدباء ، وكان منهم من يؤلف الكتب القيمة في مختلف الفنون الإنسانية أمثال السلطان الملك المظفر يوسف بن عمر ألرسولي المتوفى سنة ( 694 هـ / 1295م ) . فجمعت تعز بين السلطان والصولجان ، والعلم والمعرفة فكانت مدينة مهيبة الطالع قوية البنيان طبقت شهرتها الآفاق .[c1]أشعاع حضاري[/c]وعلى أية حال ، كانت تعز في عهد الدولة الرسولية أشعاع حضاري ، وقبلة كبار العلماء والفقهاء ، والكتاب ، والأدباء الكبار من مختلف البلدان العربية والإسلامية يولون وجوههم شطرها . وهذا العالم الجليل النحوي فيروز أبادي صاحب القاموس المحيط يلقي عصا الترحال في مدينة تعز ، ويصير علم من أعلامها . ولقد سحرت تعز الشعراء القدامى بطبيعتها الآسرة الخلابة وبعظمة تاريخها . فتفننوا في وصفها ، وهذا الأمير عبد الله بن الإمام شرف الدين يحيى بن شمس الدين الذي عاش في القرن العاشر الهجري ( السادس عشر الميلادي ) ، يقول عنها : " حمىَ رب الأنام لنا تعزا وحق لها المدينة أن تعزا " .[c1]شموخ جبل صبر[/c]وعندما نذكر مدينة تعز القديمة ، فإن جبل صبر الشامخ بهيكله العظيم يطل علينا . فهذا الجبل جزء لا يتجزأ من نسيج تاريخ المدينة والعكس صحيح ، وبعبارة أخرى فجبل صبر مثله مثل تعز شاهد عيان علىَ الأحداث الجسام ، والأمور الخطيرة العظام ، وتقلب الأيام التي مرت بها ، وصارت مسرحاً لصراع الدول اليمنية المختلفة أمثال الدولة الصليحية مع بني نجاح ، والدولة الطاهرية مع خصومها السياسيين كالأئمة الزيديين وعلى رأسهم الإمام شرف الدين والمبتورين منها . وشهدت تعز أيضاً نهب وسلب المماليك في أرضها ، وكانوا كالجراد المنتشر الذي التهموا الأخضر واليابس ، وأهلكوا الحرث والنسل . وشهدت أيضاً الصراع الدامي بين العثمانيين والقوى السياسية المحلية وكان من أقواها الأئمة الزيديين . وفي عهد الإمام يحيى بن حميد الدين المقتول سنة ( 1367هـ / 1948م ) شهدت تعز وأهلها مثلما شهدت مدن اليمن العذاب الغليظ على يديه وبعده على يد ابنه الإمام أحمد والذي جعلها مركزاً لحكمه . وشهدت تعز أيضاً حركة الثلايا في سنة 1955م والتي عبرت عن رفضها للظلم والظالمين ولكن سرعان ما نطفأت جذوتها ولكنها كانت بمثابة الشرارة التي أشعلت في نفوس حركة الأحرار جذوة الأمل العريض من التخلص من مخالب الظالمين الذين أدخلوا اليمن في نفق الجهل ، والتخلف ، والمرض ، وتكميم الأفواه . [c1]صحيفة " الثورة "[/c]وعندما انفجر بركان ثورة السادس والعشرين من سبتمبر العظيم ، كانت تعز الناطق الرسمي للثورة حيث كانت صحيفة " الثورة " تصدر منها وعلى الرغم من الأوضاع الحرجة الأولى والصعبة التي شهدتها الثورة الوليدة كانت تعز بمثابة الذراع القوي الذي أحاط بها وحماها من أعداء الحياة والنهار . وقدم أهلها النفس والنفيس لترتفع راية الثورة عالية خفاقة في ربوع اليمن الغالي . [c1]خلود الشمس[/c]وعندما اشتعل الكفاح المسلح في عدن والجنوب ، كانت تعز أول المدن اليمنية التي احتضنت الفدائيين . وعلى أرضها الصلبة الحرة كانت تقام المعسكرات لتدريب الفدائيين على قتال الاستعمار البريطاني ودحره من جنوب أرض اليمن المحتل .وفي الثاني والعشرين من مايو سنة 1990م ، رفرفت على جبالها ، وسهولها ، ووديانها ، وهضابها راية الوحدة الخالدة خلود الشمس . ومازالت تعز المدينة صانعة التاريخ تتدفق بالحيوية والنشاط والإبداع الكبير في مختلف مجالات الحياة السياسية ، والثقافية ، والاجتماعية ، والاقتصادية ، وتزداد تألقاً ، ورونقاً ، وجمالاً يوماً بعد يوم .