مدينة إب القديمة.. حميرية الأصل والنشأة
استطلاع/ فؤاد أحمد المليكي مدينة إب هي عاصمة وقد شيدت المدينة القديمة على ربوة ترتفع 2000 متر عن مستوى سطح البحر وتحتل مساحة تقدر بـ 13.140 هكتاراً ويطل عليها من الشرق سفح جبل بعدان ويفصل بين الربوة التي تقع عليها المدينة القديمة وسفح جبل بعدان وادٍ ضيق تسيل فيه مياه الأمطار يطلق عليه اسم (السائلة) ويحدها من الجنوب الشرقي ربوة تقابل ربوة مدينة إب تسمى (المعقبة) (بضم الميم وفتح العين وكسر القاف) وهذه الربوة بنيت عليها بيوت حديثة.ومدينة إب القديمة تحيط بها جبال مهمة هي جبل بعدان الشامخ الذي يطل عليها من الشرق وجبل (التعكر) الذي يفصله عنها وادي ميتم من جهة الجنوب وجبل المسواد من جهة الجنوب الشرقي بين بعدان والتعكر. أما من جهة الغرب فتطل المدينة القديمة على وادي الظهار الواسع الذي كان من سابق يزرع حباً (حنطة) وخضروات وفاكهة وقد امتد إليه البناء الآن وأعلى الوادي جبال مهمة تطل عليه وعلى مدينة إب. فعندما تنظر إليها وأنت واقف أمام باب الحكومة سابقاً سترى من اليمين إلى اليسار جبل ربي وجبل مشورة (حصن النعمان) وجبل وراف أما من جهة الشمال فتطل المدينة القديمة على وادي السحول.الموقعتبعد مدينة إب عن صنعاء 193كم جنوباً وترتفع عن سطح البحر 2050متراً تقريباً ومع هذا فهي أقل ارتفاعاً من صنعاء ويمكن القول إن إب تتوسط الطريق بين صنعاء وعدن. وتقع إب في جبال سراة اليمن ولعل أهم الجبال العالية الضخمة القريبة منها إلى الشمال في طريق صنعاء جبل سمارة وإلى الجنوب من إب تقع مدينة تعز وتبعد عنها بحوالي (60 كم).[c1]تسمية مدينة إب[/c]اختلفت المصادر في أصل تسمية مدينة إب فقد ذكر ياقوت الحموي في مخطوطه معجم البلدان أن اسم المدينة هو (أب) (بالفتح والتشديد) وكذلك قال أبو سعيد والأب هو الزرع في قوله تعالى (وفاكهة وأبا) وهي بلدة في اليمن وينسب إليها أبو محمد عبدالله الحسن بن الفياض الهاشمي وقال ابن سلفة (إب) بكسر الهمزة ويضيف أن أهل اليمن يلفظونها بالكسر ولا يعرفون الفتح وجاء في قاموس المنجد أن معنى (أب) الماء والعشب وأن أياً هي مدينة في اليمن فيها سور قديم ومساجد أثرية ومن أغنى المناطق الزراعية في اليمن.فإن هذا المعنى لكلمة إب والتي يلفظها اليمنيون بكسر الهمز لينسجم مع مناخ إب وطبيعتها فهي مشهورة بوفر مياهها وأمطارها ولذلك ذهب بعضهم إلى القول إن اسمها قد أشتق من اسم أحد شهور السنة وهو شهر آب أغسطس التي تكثر فيه الأمطار.ومن جانب آخر يرى بعض الباحثين أن مدينة إب حميرية الأصل وأن أسمها جاء على سياق أسماء المدن الأخرى التي اتسمت بأسماء الملوك فيقول المؤرخ محمد يحيى الحداد إن مدينة إب الحالية قديمة قبل الإسلام ولم يعرف من اختطها ولا تاريخ اختطاطها. ومن الجائر أن تكون قد سميت باسم أحد الملوك اليمنيين قبل الإسلام مثل (أب يثع) ( أب كرب أسعد) شأنها شأن مدينة ذمار ومدينة يريم وغيرها من المدن اليمنية القديمة وقد يكون هذا الرأي مقبولاً لأن أسماء الملوك اليمنيين قبل الإسلام كانت تبدأ بكلمة (أب) مثل (أب يثع) (أب يدع) (أب كرب أسعد).وما يعزز هذا الرأي بأن مدينة إب حميرية الأصل والنشأة ما ذكره نزيه مؤيد العظم في كتابة رحلة في بلاد العرب السعيدة من مصر إلى صنعاء والذي زار مدينة إب في رحلة استكشافية في اليمن عام 1937م فقال إنه تجول في المدينة ورأى بنايات ضخمة قد تداعت أطرافها وهي من أيام حمير ومكتوب على كثير من حجاراتها وأبوابها ومنافذها كتابات مطولة بالخط الحميري.[c1]السور والأبواب[/c]كان يحيط بالمدينة سور شبه دائري مبني من الحجر شهد توسعاً كلما زحف العمران وشيد آخر سور حول المدينة من قبل الوزير محسن بن علي الحبشي الحربي (1120هـ/ 1708م) وجعل في السور أربعة مداخل ويبغ طوله 1450 متراً وكان يتخلله عدد من الأبراج (نوب) بقي منها ثمانية فقط.. وللمدينة أربع بوابات قديمة وتم بناء باب خامس من الأمير محمد عباس الشهاري المتوفى سنة 1382هـ/ 1962م وهذا الباب جوار دار الحكومة وأسماه الباب الجديد ولم يعد أياً منها قائماً سوى باب الراكزة وبقية المداخل هي باب الكبير وباب النصر وباب سنبل. ولأهمية هذه المداخل تم إعادة بناؤها على هيئة نماذج رمزية تحمل طابع العمارة القديمة في المدينة في مواقعها الأصلية نفسها.[c1]الطابع المعماري[/c]تتكون مدينة إب القديمة من (35) حارة منها حارة الحمام وحارة الجامع الكبير وحارة الراكزة وحارة الشمس وحارة الكاظمي وحارة عقيل وحارة غرب الجامع وغيرها.والملاحظ أن أغلب أسماء الحارات منسوبة إلى أسماء الجامع الكبير والمساجد والأبواب والمدارس القديمة. ويتخلل هذه الحارات شوارع وأزقة ضيقة مرصوفة بالأحجار تربط بين أطراف المدنية ومراكزها الرئيسية مثل المساجد والأسواق والميادين والمدارس وتتميز أزقة المدينة كونها ضيقة ومتعرجة ومتقاطعة ومرصوفة بالحجارة المربعة وبعضها بشكل ممرات مسقوفة والسقوف هذه تكون مسطحة أو مقببة تربط بين بيتين مثل باب الريشة وتزين نوافذ البيوت والواجهات المشربيات الخشبية المنمقة.ويبلغ سمك جدران الأساس أو القاعدة حوالي (متر) ثم يبنى بعد ذلك على الأساس الطابق الأرضي من المنزل ويسمى الطابق الأول أو السفلي ويتكون عادة من غرف مربعة أو مستطيلة الشكل تستخدم في الغالب حظائر للحيوانات ومخازن للحبوب والحطب وكذلك لوضع (الآلة) الحجرية لطحن الحبوب وتسمى الرحى وخزانات المياه الفخارية كما يوجد في الطابق الأرضي السلم (الدرج) الذي يؤدي إلى الطوابق الأخرى.ويحتوي الطابق الثاني عادة على الديوان والغرف الخاصة أما الطوابق التالية فلها عدة وظائف منها غرف الجلوس (السمرة) وغرف النوم للنساء والأطفال والطوابق الأكثر ارتفاعاً تخصص لشؤون التدبير المنزلي وتتكون من غرف المعيشة والمطبخ والحمام ومخزن الغذاء وبعد هذا الطابق من أهم طوابق البيت الإبي والذي يزخر بحركة العائلة طيلة اليوم ويبنى في الطابق الأخير غرفة (المنظر) أو المفرج وتطل على الأماكن المفتوحة للتمتع بمشاهد جمال الطبيعة ويقتصر بناء هذه الغرف على العوائل المتيسرة عادة سطح المنزل فهو متنزه للعائلة خصوصاً النساء كما يستخدم لنشر الغسيل.[c1]القصور[/c]يوجد بمدينة إب القديمة (38) قصراً يطلق عليها اسم (دار) ومن هذه القصور الباقية دار الملك (بيت الصنعاني) ودار الحمام ودار الفرناج ودار البيضاء ودار الخان ودار عقيل وغيرها.[c1]أهم المساجد والمدارس[/c]تضم مدينة إب القديمة عدداً من المنشآت الدينية القديمة حيث بلغ عددها (30) مسجداً ومدرسة تقريباً ومنها :أولاً المساجد : الجامع الكبير ويعتبر من أقدم مساجد مدينة إب والمعروف بالجامع العمري وقد جرت أعمال الترميمات في الجامع منها تجديدات وإضافات وتحسينات خلال الفترة الممتدة من القرن (5هـ - 11 م) وحتى (1335هـ/ 1916م) كما كشفت عن بعض العناصر المعمارية الجميلة وعن الزخارف الجدارية البارزة من الجص وزخارف جميلة بالألوان النباتية.مسجد البيعاني ويقع إلى الشمال من دار الملك ومسجد سيف السنة أحمد محمد البريهي ويعود تأريخه إلى القرن السابع الهجري، ويقع بجوار باب الراكزة ومسجد السنف ويقع غرب باب النصر وهو من المساجد المهجورة ومسجد الحمضي ويقع بجوار دار الوسطة ومسجد قشمر ويقع في الجهة الجنوبية من المدينة ومسجد عقيل بن عمر ويقع في حارة ويعود تاريخه إلى القرن الـ11 هـ ومسجد الفقرة ويقع في حارة الغفرة.ثانياً المدارس : يوجد في مدينة إب العديد من المدارس التي كانت تعنى بتدريس الفقه والفرائض والنحو والصرف والمعاني وأصول الفقه وأصول الدين والتفسير وغيرها من العلوم الدينية والأدبية ومن تلك المدارس القائمة :مدرسة بني سنقر : يحتمل أن يكون من بناها أحد أبناء الأثابك سنقر المتوفى سنة 608هـ وهما السنقرية العليا وهي التي تعرف بالمباني وتدعا اليوم بالمخلطة بعد أن جمعت بالمدرسة الخاصة بالنساء والأخرى السقرية السفلي وهي المعروفة اليوم بالصامت وكلتا المدرستين عامرة في الجنوب الغربي من الجامع الكبير. ومدرسة الأسدية وينسب بناؤها إلى أسد الدين محمد بن حسن بن علي رسول المتوفى سنة 677هـ وتقع هذه المدرسة بجوار السوق القديم وقد جددت كمسجد في شوال سنة 1348هـ والمدرسة الشمسية وتقع في حارة الشمسي وينسب بنائها إلى شمس الدين أبوبكر بن فيروز في القرن الـ7 هـ.والمدرسة الجلالية السفلى وتقع جنوب الميدان الأسفل وتقع بجوار الجامع الكبير ومدرسة الجالية العليا وتقع في الميدان الأعلى ومدرسة النظارية ويطلق عليها مدرسة المشنة نسبة إلى منطقة المشنة التي بنيت فيها وينسب بناؤها إلى الأمير محمد النظاري في السنة 5هـ.[c1]الأسواق[/c]تحتوي مدينة إب القديمة العديد من الأسواق منها : سوق سكة النغلة للخياطين والجنابي وسوق المقاوتة واللحام والطعام (السوق الحالي) وسوق اللحمة (سكة الحلقة) وسوق المعطارة والحطب والمدر واللبن وسوق الملحم وسوق القماش وسوق الطعام سكة النخلة.الخانات و(السماسر)ويوجد في مدينة إب القديمة عدد من السماسر التي كانت تستخدم خانات للمبيت والتسوق ومنها الخان الأسفل بجوار مدرسة الصبيان ويتكون من ثلاثة طوابق يتوسطها منور تحيط به غرف سكن وخان فارس الذي حول إلى مدرسة والخان الأعلى ويقع إلى الشمال من سوق المدينة القديم وسمسرة الصنعاني وتقع خارج سور المدينة الغربي وتطل على الطريق القديمة المؤدي إلى الباب الكبير ويعود تاريخ بنائها إلى سنة (1252هـ - 1836م) وكذلك سمسرة الغرباني بجوار المدرسة الشمسية وسمسرة النخلة شمال السوق الأسفل.[c1]الحمامات[/c]يوجد في المدينة حمام بخاري واحد فقط ويقع شمال باب النصر بجوار حارة المجعارة.[/c]السواقي والأنفاق[/c]كان للمدينة نظام مائي متميز يعتمد على توصيل المياه من مرتفعات المشنة من الجهة الشرقية عبر ساقية (قنوات) ينسب بناؤها إلى الفقيه شجاع الدين عمر بن عبدالرحمن النظاري أخيه شمس الدين وذلك في القرن الـ10هـ وقد مدها من جبل بعدان إلى مدارس ومساجد مدينة إب ويبنى لذلك القناطر وكانت الساقية تقوم على بناء مرتفع بواسطة جدار من الحجارة تتخلله فتحات واسعة معقودة تصب مياهها في بركة تقع إلى الجنوب من الجامع الكبير وجزء من الساقية والبركة ما زالتا قائمتين حتى الآن ثم توزع إلى المدينة بواسطة شبكة السواقي المعقودة والجبلية.كما يوجد في مدينة إب شبكة من الأنفاق تحت الأرض بنيت جدرانها بالأحجار وتحمل سقوفها عقوداً نصف دائرية وتقسم وظيفة هذه الأنفاق ما بين قنوات لتصريف مياه الصرف الصحي إلى منطقة الشعاب وممرات التنقل في المدينة إلى خارجها للتموين والإمداد في حالة الأخطار.[c1]المدافن[/c]ومن المعالم في هذه المدينة الأثرية توجد فيها مدافن الحبوب في مناطق مختلفة من المدينة منها مدافن دار البيضاء والشوفة وهي عبارة عن مبنى من طابقين بجوار مدرسة الجلالية السفلى ويوجد بداخل الطابق الأول أحواض (حب) صغيرة مغطاة سميكة من القضاض كانت توضع فيها الحبوب قبل التوزيع.