عبدالله المطيري شاهدت كما شاهد الكثيرون مقاطع البلوتوث التي نقلت مشاهد ضرب قام بها رجال أمن ضد مساجين في إصلاحية الحائر، جنوب الرياض. كان المشهد مؤلما لكل من يحمل بداخله حساً إنسانياً صادقاً وحديثاً. أقول حديثاً هنا لأن حقوق الإنسان وصلت في العصر الحديث إلى مستويات غير مسبوقة. وإلا فما معنى أن يضرب حارس السجن سجينه في الفكر القديم؟! لا شيء. بل إن من لا يزال يعيش عصور الماضي لن يرى بأسا في أن يقوم حارس الأمن بمعاقبة السجين حين يرى منه خطأ. فكرة أن الفرد ليس له حق معاقبة الفرد الآخر دون موجب قانوني تقرّه جهات مستقلة وأن يكون هناك ضوابط محددة لهذا العقاب، هي فكرة أخذت تطبيقها في الحياة مع ثورة مفاهيم حقوق الإنسان. ومن هنا تأتي أهمية تثقيف الشعب بكافة فئاته بحقوقهم بشكل واضح ومباشر وهي الدعوة التي كنت طالبت بها حقوق الإنسان في السعودية وتجاوب معها مشكورا رئيس جمعية حقوق الإنسان ولكنها لم تأخذ بعد مرحلة الفعل في الواقع. حسب تصريح مدير عام السجون اللواء علي الحارثي المنشور هنا في صحيفة الوطن العدد 2395 يوم السبت الماضي، فإن رجال الأمن المتورطين سيأخذون عقابهم حسبما تنص عليه اللوائح والأنظمة التي تمنع الاعتداء على المساجين. ولكن الأسئلة التي تتقافز هنا تتوجه إلى عدد من الجهات المختلفة. أولا: ماذا عن الأنظمة والقوانين المعمول بها في السجون؟ ألم يحن الوقت لمراجعتها وفقا لما وقّعت عليه الحكومة مؤخرا من اتفاقيات متعلقة بحقوق الإنسان ومن ضمنها حقوق المساجين؟ أرى أنه من المناسب مراجعة هذه القوانين حالا وأن نجعل من هذه الحالة، التي يبدو أنها لم تكن الأولى، أمرا مثيرا يشحذ النفوس للعمل بجد لفتح هذا الملف بصراحة وشفافية. السؤال الثاني يتعلق بمدى وعي العاملين في السجون والمساجين بالقوانين التي تحكم العمل بها. بالتأكيد أن عددا ليس بالقليل من الحرّاس كان يشاهد عملية الضرب ولم يبدر منهم استنكار ولا معارضة مما يدل على أن الوعي بالأنظمة الحالية ضعيف جدا لدرجة عدم التأثير. كما نتساءل عن مجهود مسؤولي السجون في توعية المساجين بحقوقهم داخل السجن. هل تقام لهم ندوات توعية في هذا الشأن؟ هل توزع عليهم كتب ومنشورات لها تشرح لهم حقوقهم وتبين لهم الخطوات التي يجب أن يسلكوها حين يتم الاعتداء عليهم. أيضا يرد سؤال عن مدى صلاحية القنوات التي توفر للمسجون حق التظلم والمطالبة بحقه. التساؤل الثالث يتعلق بمدى تطبيق القوانين المتعلقة بحفظ حقوق المساجين. ماذا لو لم يتم نشر هذه المقاطع بالبلوتوث ويشاهدها الجميع؟ هل ستحظى بنفس الاهتمام. ولذا لا بد من وجود جهات رقابية مستقلة كمنظمات حقوق الإنسان الوطنية تراقب الأوضاع وتتأكد من سير الأمور بشكل سليم. لا فائدة من وجود القوانين، أيا كانت، دون وجود آلية فاعلة تراقب التطبيق وتحاسب المقصرين فيه. لا يمكن أن يوكل الأمر لأفراد، لا بد من وجود آلية يخضع لها الجميع.ولكن، ومن أجل نظرة شمولية قدر الإمكان، أطرح هذا السؤال: من هم الذين من المفترض أن يكونوا الأقل تأثرا بمشاهد الاعتداءات هذه في السجون؟ إنهم، وبحكم الاعتياد، المدرسون والإداريون العاملون في المدارس!! ذلك أن الضرب على الأيدي والأرجل لا يزال أسلوبا معتادا وممارسا في أغلب المدارس الحكومية. رغم وجود قرارات صريحة بمنع الضرب بكل أشكاله. ولكن المشكلة تكمن في أن الغالبية غير مقتنعين بهذا القرار ولذا يأتي المشرفون للمدارس ويذكرون صراحة أنهم ليسوا ضد الضرب ولكن على المدرسة والمعلم تحمل المسؤولية حين يقع أذى على الطالب جرّاء الضرب. بمعنى أننا لن نمنعكم ولكن حين تكون هناك شكوى لن نقف معكم. وهذا سلوك مؤسف من أكثر من جهة، فهو أولا متحايل ثم إنه نوع من أنواع الفساد الإداري حين يتخلى المسؤول عن دوره في تطبيق النظام ومتابعة الالتزام به. وما يثبت عدم الجدية في ضبط العنف في المدارس أن الوزارة لم تقم بتثقيف الطلاب وحتى المعلمين فيما يخص الحقوق التي يجب أن تصان داخل المنشأة التعليمية. وأخص هنا الحقوق المتعلقة بحقوق الإنسان في كرامته وحفظ جسده وروحه من الاعتداء. كما أن منظمات حقوق الإنسان الوطنية لم تتصل بالمدارس بعد، لا يزال الحجاب شديدا بين مدارسنا ومفاهيم حقوق الإنسان الحديثة. وبالتأكيد أن مثل هذا الجو مهيأ جدا ليحتوي أشكال وأنواع الانتهاكات والاعتداءات ولا أنسى هنا أن أذكر بحادثة الطفل الذي ألزمه المرشد الطلابي بتقبيل رجل زميله المعلم. وماذا جرى بعد هذه القضية؟ فصل المرشد والمعلم غير السعوديين!! ولكن متى سنعلم أن القضية ليست قضية فردية تعالج بعلاج فردي إنها قضية عامة ويجب أن يكون التدخل حيالها بمستوى التشريعات والحملات الوطنية والمشاريع المضادة. يجب أن تكون هذه الأحداث فرصة للإفاقة على هذا الواقع المرير. أما أن نبقى نعالجها في إطار الأحداث الفردية فإن أصل المشكلة سيبقى وتكرار الحداثة لن ينتهي!! بين السجون والمدارس تبرز حاجة أساسية وماسّة وأولوية هي حاجة الوصول إلى مستوى معقول من تطبيق حقوق الإنسان في كافة أرجاء الوطن. هذا التطبيق لا يأتي بالنوايا الحسنة والرغبات. بل يأتي كنتيجة لعمل مؤسسي وفاعل وحقيقي من أجل هذا الهدف. ناديت سابقا بضرورة البدء بمشروع وطني توعوي تحت شعار "حقوقي" يكون موجها لكافة شرائح المجتمع من أجل توعيتهم بحقوقهم بشكل واضح ومباشر. هذا المشروع يفترض أن يكون متوافقا مع روح العصر ومع الاتفاقيات المهمة التي وقعت عليها الحكومة وأقرّتها. هذه الحملة من الضروري أن يوازيها عمل تشريعي موسّع يشمل كافة الأنظمة لإدخال قوانين وأنظمة تحفظ هذه الحقوق وتطوير ما هو موجود وتحديثه. يفترض استغلال كل الوسائل الممكنة لتحقيق هذه الأهداف: الوسائل الإعلامية والتعليمية وغيرها من نقاط الوصول إلى الناس. أليس من المؤسف ألا تقوم مدارسنا بأي عمل لتوعية الإنسان بحقوقه. أين الإنسان في أفقها إذن.هذا مشروع للإنسان، الثروة الحقيقية لكل الأوطان. الإنسان الذي هو سر أي نجاح وأي فشل، الإنسان المشروع الذي يجب الاستثمار فيه. إذا أردنا أن يقوم الناس بواجباتهم بدرجة مرضية فعلينا أن نسعى أن يأخذوا حقوقهم بالكامل. من هنا جاءت فكرة المؤسسات التي تنظم الحياة، جاءت من أجل الإنسان، من أجل حفظ حقوقه بالدرجة الأولى. إذا كنّا نفكر في مستقبل مشرق لهذا البلد فإن هذه الأنواع من المشاريع هي مشاريع المستقبل، لن تغني المشاريع الاقتصادية والعسكرية شيئا إذا بقيت المنظومة الحقوقية الإنسانية متخلفة عنها. هذا التناقض والتفاوت قادر على إفشال كل المشاريع والخطط. دون أن نسهم في إيجاد إنسان سوي يعرف حقوقه وواجباته ويعيش بعزّة وكرامة مستمدة من ثقته بوجود نظام قوي وسريع يكفل له كل هذه الحقوق فإننا لن نستطيع مقاومة أشكال الفساد المستشرية والتجاوزات المتعددة وهذه هي سرطانات كل خطة للمستقبل.[c1]نقلا عن جريدة "الوطن" السعودية [/c]
حقوق الإنسان بين السجون والمدارس
أخبار متعلقة