في فكر الدعوات الإسلامية «مضامين» تغلغلت في أفئدة الإسلاميين حتي وصلت إلي قاع جماجمهم، فأوت في قرار مكين، وأصبحت موثنة، يعني لا يتوقف الإيمان بها علي خير تجلبه أو شر تدفعه، ولكن الإيمان بها لذاتها، ومن ثم تستبعد كل مناقشة لها، ولا يفيد فيها أي منطق. من هذه الأوثان :[c1]1- الماضوية :[/c]وفكرة أن الماضي أفضل من الحاضر، وأن السلف أفضل من الخلف، وأنه لا يمكن أن يظهر مجتهد مطلق، أو من يماثل الأئمة الأربعة، وأنه لا يصلح مستقبل الأمة، إلا بما صلح عليه ماضيها، فما وضعه الأسلاف من ألف عام هو الذي يمكن أن يصلح حال الأمة الإسلامية، وعبادة هذا الوثن مسؤولة عن سيادة التقليد واستبعاد العقل وبخس النفس وتجاهل الإنجازات التي وصل إليها العصر الحديث، والتي يعيشون وسطها ويتمتعون بها، وما مثلهم إلا مثل الداعية المصري الذي أوى إلى بريطانيا هاربًا من الإرهاب والتعذيب في مصر، فأكرمته بريطانيا وعاملته معاملة اللاجئ السياسي الذي يمنح الحماية والمعونة، ومع هذا فإنه لا يفتأ في كل خطبة يلعن سنسفيل البريطانيين الكفرة.علي الدعوات الإسلامية أن تعلم أن ثقافة العصر حققت ما لم يكن يحلم به السلف الصالح من إمكانيات للدراسة والوصول إلي الحلول، ونحن ـ دون أي شك ـ أقدر منهم علي الوصول إلي الأحكام.لابد أن تكون الدعوة الإسلامية متخلفة، لأنها تعيش في الماضي، جسمها في الحاضر وقلبها وعقلها في الماضي، ولا يمكن أن تسهم في حياة العصر وفي الكشوف العلمية في مجالات الطبيعة، والرياضة، والفلك، والطب، ولم ينل جائزة نوبل واحد له قاعدة إسلامية، ولا قـُـدم اختراع أو اكتشاف من المعنيين بالدعوة الإسلامية، أما الفنون وأما الآداب وأما المسرح وأما السينما فكلها رجس من عمل الشيطان، لا تعنى بها مجلة إسلامية، ويقول أفضلهم إنها فنون كبقية الفنون، حسنها حسن وسيئها سيئ.كيف يمكن لهؤلاء أن يتقدموا أو يقدموا الإسلام إذا كانوا ينظرون إلي الخلف بل لا يعيشون حاضرهم، فضلاً عن أن يستهدفوا مستقبلهم، إن وجودهم كعدمه، بل إن عدمهم أفضل، لأنه يفسح الطريق أمام دعاة التقدم، إن أوروبا ظلت تسير ثلاثة قرون متوالية تحت لواء «التقدم» وتعاونت لتحقيق هذا الهدف كل الدول الأوروبية، وبهذا تقدمت أوروبا.[c1]2- السلفية :[/c]كل الدعوات الإسلامية سلفية، وهي تفخر أنها سلفية، ولا تتميز إلا بأن بعضها يضيق من إطار هذه السلفية، والآخر يوسعه شيئاً ما، ولكنها جميعًا في النهاية سلفية، وكان يجب أن تخجل من هذا، فإذا أريد نسبة فلتكن قرآنية أو محمدية، أما سلفية فذلك من شراء الأدني بالذي هو خير، ثم هو توثين السلف، وإنما جاء الإسلام للقضاء علي الأوثان كائناً ما كانوا.وتقتضي السلفية من كل مسلم:(أ) أن يؤمن بأحد المذاهب الفقهية الأربعة، ويتقبل أحكامه، وأن يكون دوره دور المقلد المتقبل، وليس المبتكر أو المنشئ.(ب) أن يؤمن بتفسيرات القرآن كالتي تروي عن ابن عباس والطبري والقرطبي وابن كثير وما جاء به هؤلاء المفسرون من علوم القرآن كما يقولون كالنسخ وأسباب النزول وتعيين المبهمات.. الخ.(حـ) أن يؤمن بتصنيف الأحاديث كما فصلها ابن حنبل وبقية المحدثين، وجعل المعيار في مصداقية الحديث هو السند، والإيمان علي الأقل بصحة كل ما جاء في البخاري ومسلم.(د) أن يترضي عن السلف الصالح، أي يقول عند ذكرهم «رضي الله عنهم» ويعتبرهم الأسوة والقدوة.فإذا أريد لنا أن نكون سلفيين طبقاً لهذا التكيف فلن يكون هناك تقدم، وكيف يكون هناك تقدم والمطلوب أن نطبق ما وضع منذ ألف عام .إننا نرى أن التفسيرات وما تضمه من أحكام إنما هي افتئات علي القرآن وإقحام إسرائيليات وأحاديث موضوعة ولا يجوز الالتزام بها، لأن القرآن لا يقبل تفسيرًا ولا يتطلب تفسيرًا ولو تطلبه لقام به الرسول.القرآن يفسر بعضه بعضًا، ويعطي أثره بالانطباع، أي بمجرد التلاوة أو السماع.كما أن تكييف مصداقية الحديث تبعًا للسند ليس هو الطريق الأصولي، والأصولي هو النظر في المتن ودرجة اتفاقه مع القرآن الكريم ومقاصد الشريعة وروح الإسلام، فإذا اتفق له هذا يمكن أن تصح نسبته للرسول، أما السند فلا يمكن الوثوق به، ناهيك عن أن السُنة لم تدون إلا سنة 150 هـ، والمحدثون أنفسهم عندما يقولون عن حديث إنه صحيح فإنما يقولون ذلك « لغلبة الظن أنه صحيح»، لأنه لا يمكن القطع بأنه صحيح، وقد تصوروا أن الأحاديث المتواترة أي التي يرويها عدد عن عدد يؤمن معه الكذب أو الخطأ تعد ثابتة ويمكن أن تلحق بالقرآن، ولكن دراستنا أثبتت أن هذه الأحاديث بالذات هي أبعد الأحاديث عن المصداقية، فمعظمها عن الدجال أو المهدي أو شق صدر الرسول أو الحوض يوم القيامة.. الخ، فضلاً عن عدم توافر التواتر حتي في الحديث الذي يضربونه مثلاً للمتواتر، ولا يتسع المجال، ولكن ما نقطع به هو أن المحدثين رغم جهودهم البطولية في الهبوط بالأحاديث من مئات الألوف إلي عشرات الألوف ومن عشرات الألوف إلي بضعة ألوف كما هو الحال في الصحيحين، لايزال هناك حاجة ماسة لجولة جديدة من تنقية السُـنة تبعًا لاتفاق الأحاديث مع المعايير القرآنية، ولو طبقنا ذلك لأصاب مئات الأحاديث في البخاري ومسلم.ونتيجة لذلك فإن الأحكام التي استخرجها الفقهاء من التفسير ومن الحديث لم تكن متفقة أو متجاوبة مع القرآن أو مقاصد الشريعة أو روح الإسلام، ويعني هذا أن السلفية أصبحت عقبة في سبيل التقدم، ولابد من تجاوزها.[c1]كاتب وأكاديمي مصري [/c]
|
فكر
أوثان في فكر الدعوات الإسلامية
أخبار متعلقة