شخصيات خالدة
وُلِدَ الإمام أبو حامد محمّد الغزالي في ضاحية غزالة بمدينة طوس، من أعمال خُراسان سنة1059م .كان والده، إلى جانب اشتغاله بغزل الصّوف ، يقوم بخدمة رجال الدين والفقهاء في مجالسهم. وكانت أقصى أمانيه أن يرى أحد وَلَديه محمد وأحمد خطيبًا وعالمًا. ولكن الدّهر لم يمهله ليحقّق أمنيته، فمات والولدان قاصران، فتعهّدهما بالتربية والعلوم الأولى صديق صوفيّ لأبيهما، ينفق عليهما ممّا تركه الوالد من مالٍ قليلٍ.دَرَس محمّد العلوم في بلدته، ثم انتقل إلى جرجان سنة 1073م طَلَبًا للتّزيد والتّعمق. رحل إلى نيسابور سنة1078م وهي من مُدن العِلمِ المعروفة آنذاك، فاتّصل بإمام الحَرَمين أبي المعالي الجويني «عالم عصره في التوحيد والإلمام بمذاهب الأشرعية وطرق الجدل والأصول والمنطق». فدرس الغزالي عليه كل هذه العلوم والمذاهب كما دَرَس شيئًا من الفلسفة.انتقل إلى بغداد بعد موت أستاذه الجويني عام 1085م، فاتّصل في المُعَسكر بالوزير السّلجوقي في نظام الملك طوال خمس سنوات، ظهر خلالها تفوّقه في الكلام والفقه والعلوم الشرعية أثناء مناظراته الأئمة والمفكّرين، فعيّنه الوزير أستاذًا مُشرفًا على النّظامية في بغداد وهي أشهر المدارس في عصرها.أُعجِبَ الكُلّ بحُسن كلام الغزالي وكمال فضله وعبارته الرّشيقة ومعانيه الدقيقة. وتمتّع بما اشتهى من جاهٍ ومالٍ فأصبحت حلقات درسه مُلتقى العلماء والقضاة والأمراء والوزراء، وأقبل عليه الطّلاب إقبالاً مُنقطع النظير من مختلف أنحاء العالم الإسلامي. فكان يزدحم ثلاثمائة طالب لأحاديثه في علوم الكلام والأخلاق والعقائد.يحدّث الغزالي أنّه وقع في أول هذه المرحلة بأزمةٍ من الشك الذي كانت خطوطه بدأت تتكوّن في نيسابور، لكنه اجتازها بعد شهرين من القلق كان فيهما على مذهب السفسطة. اهتم بالفلسفة أثناء بحثه عن الحقيقة، فأكبّ على تحصيلها وطالع كتب المتقدمين والمتأخرين وألّف كتابيه: «مقاصد الفلاسفة»، «وتهافت الفلاسفة» وفيه كفّر الفلاسفة. اعتزل التّدريس سنة 1095م بعد أزمةٍ نفسيةٍ عنيفةٍ وصراعٍ شديدٍ تردّد فيه بين شهوات الدنيا ودواعي الآخرة قريبًا من ستة أشهر، وأخذ بعده بحياة التّصوف، فخرج من بغداد إلى الشام ثم إلى بيت المقدس والحجاز حيث قضى سنوات في الزهد والعبادة على طريقة المتصوفين. وجذبته دعوات الأطفال إلى الوطن فعاد إلى طوس وعزم على الدعوة إلى الإصلاح الديني، فقام يؤلف كتابه: « إحياء علوم الدّين» ولكنه عاد إلى التدريس في نظامية نيسابور مدة سنتين (1105– 1106م) بناءً على دعوةٍ مُلحّةٍ من السلطان. انصرف بعد ذلك إلى التصوف في مسقط رأسه طوس، إلى أن وافته منيّته سنة 1111م .ترك الغزالي عددًا كبيرًا من المؤلّفات في شتى فروع النّشاط الفكري، أهمّها: - في التصوف والأخلاق: إحياء علوم الدين، كتاب الأربعين في أصول الدين، الأدب في الدين، آداب الصوفية، ميزان العمل، أيّها الولد، جواهر القرآن، معراج السالكين، منهاج العابدين، مشكاة الأنوار... إلخ.* في العقائد والفقه والأصول: عقيدة أهل السنة، القسطاس المستقيم، الإقتصاد في الإعتقاد، إلجام العوام عن علم الكلام، الرسالة القدسية، المُستظهري (فضائح الباطنية)، المقصد الأسنى في شرح أسماء الله الحُسنى.* في الفلسفة والمنطق: مقاصد الفلاسفة، تهافت الفلاسفة، معيار العلم في المنطق.