مع الاحداث
يؤكد غالبية الباحثين في شؤون المنطقة العربية أهمية موقع فلسطين الجغرافي والاستراتيجي بالنسبة للوطن العربي، وذلك لكونها تمتاز بموقعها الجغرافي في قلب الوطن العربي؛ فهي تمثل بوابته على آسيا وأفريقيا وأوروبا، هذه الأهمية جعلت القادة الأوروبيين منذ القرن السادس عشر يفكرون في زرع قوة استعمارية موالية وخادمة في هذا الموقع، لذلك فقد عرضوا على اليهود إقامة وطن لهم في فلسطين ودعا نابليون بونابرت يهود فرنسا في عام 1799 للذهاب إلى فلسطين، ثم وعد آرثر بلفور زعماء اليهود بوطن في فلسطين لأن الدول الأوروبية أدركت أهمية إقامة دولة يهودية في قلب الوطن العربي، لخدمة مصالحها. ويبدو ذلك التوجه واضحاً في وثيقة هنري كامبل بانرمان رئيس وزراء بريطانيا الذي اقترح أن يتم العمل على فصل الجزء الأفريقي من الوطن العربي عن الجزء الآسيوي بإقامة حاجز بشري قوي وغريب على الجسر الذي يربط آسيا بأفريقيا وربطهما معاً بالبحر المتوسط بحيث تتشكل في هذه المنطقة قوة صديقة للاستعمار وعدوة للسكان. ثيودور هرتزل مؤسس الحركة الصهيونية هو الآخر أكد على ذلك بقوله:: “سنكون في فلسطين جزءاً من الحاجز الذي يحمي أوروبا، وفي آسيا سنكون محفراً أمامياً للحضارة في وجه الهمجية”. لذلك فإن قيام دولة إسرائيل في هذه المنطقة لم يكن صدفة أو رجوعا لأرض الميعاد، كما يزعم اليهود في أدبياتهم، بل لتسهيل مهمة التغلغل الاستعماري في قلب الوطن العربي ومنع أي محاولات لوحدته والعبث باستقراره وأمنه ونهب ثرواته وإضعاف قوته والعمل بصورة مستمرة على تقسيمه... لذلك فإنه من المهم جداً أن نلتفت إلى خطورة ما يجري في فلسطين وألا ننظر إلى تلك الأحداث على أنها أحداث خاصة بالوضع الفلسطيني، بل هي مقدمة لتحركات أخرى في دول عربية، والهدف هو تفعيل مشاريع التفتيت. إن المشروع الصهيوني يحمل في داخله هدفين: الأول توحيد اليهود ولم شملهم في دولة واحدة، وهذا ما يتجسد في إسرائيل. والثاني العمل على تجزئة الأمة العربية والإسلامية، والخطورة هنا أن الأهداف الاستعمارية التي جعلت أوروبا تعمل على زرع إسرائيل في المنطقة تلتقي اليوم بقوة مع الأهداف الاستراتيجية الأميركية الهادفة أيضاً إلى تجزئة الوطن العربي. وقد بدأت القوى الاستعمارية والصهيونية باستغلال قضية الأقليات وأوضاعها في الوطن العربي كذريعة، سعياً إلى تفتيت الوطن العربي، خاصة بعد أن سنت الولايات المتحدة قانوناً حول الاضطهاد، لمعاقبة الدول العربية والإسلامية التي تحد من حرية الأقليات! الغرب من جانبه يمارس هذه السياسة علناً في العراق ولبنان والسودان والجزائر... حيث يقوم بتحريك الطائفية وتغذيتها ودفعها إلى التمرد وتدريبها وتسليحها. وفي الفترة الأخيرة اعترف أوري لوبراني سفير إسرائيل السابق في إيران، اعترف صراحة أن الدولة الصهيونية أسهمت في تغذية حروب منطقة كردستان لسنين طويلة. وقد ذكر موشي فرجي في كتابه “إسرائيل وحركة تحرير جنوب السودان نقطة البداية ومرحلة الانطلاق”، الدور الكبير الذي قامت به الاستخبارات الإسرائيلية “الموساد” في مساندة ودعم الحركة الانفصالية في جنوب السودان. كما تحدث الباحث الإسرائيلي “روفائيل يسرائيل” عن إسهام “الموساد” في مساندة ودعم البربر في الجزائر، خاصة المعادين للثقافة العربية.وتواجه البلاد العربية تهديدات جمة في الوقت الحالي تحت عناوين وشعارات براقة، لكن الهدف الأساسي توسيع الخلافات بين الدول العربية وقيام نظام سياسي ثقافي جديد في المنطقة تختفي منه الثقافة العربية والإسلامية وتفعيل مشاريع التفتيت تمهيداً لاستعمار الوطن العربي من جديد.[c1]* عن / صحيفة (الاتحاد) الاماراتية[/c]