قال الأصوليون في تعريف الإفتاء : (( هو بيان حكم الشرع عن دليل شرعي ، في نافلة ما ، لمن سأل عنه )) .. وفي هذا التعريف جمع لأركان الفتوى التي لا تسمى فتوى إذا فقدت شرطاً من الشروط المذكورة في التعريف الآنف ! وقول أي عالم بدون سؤال سابق يعتبر بياناً لا يأخذ طابع الفتوى الشرعية ولذلك ابتدأ الملك العزيز سؤاله لملأه : (( أفتوني في رؤياي إن كنتم للرؤيا تعبرون )) ؟! .. وابتدأت كذلك بلقيس تسأل شعبها وتقول : (( يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمراً حتى تشهدون )) . وأهل الفتوى في الإسلام هم ثلة من رجال العلم وقفوا على دقائق وأسرار العلوم التي يلزم المفتي الاتصال بها وأحاطوا بكل شيء منها سبباً ، ولذلك يقول الرسول العظيم – صلى الله عليه وسلم - : (( أجرأكم على الفتيا ، أجرأكم على النار )) .. وقد هرب من عبء مسئوليتها أفاضل الصحابة وتحرجوا عن تقلدها لما فيها من مخاطر يقول ابن عمر – رضي الله عنه – كانت ترد علينا المسألة يود أحدنا لو أن أخاه كفاه أي سبقه بها .. وحتى في عصر التابعين ، تحرج منها الأئمة الكبار ، فهذا الإمام مالك – رحمه الله – يسأله رجل ضرب إليه أكباد الإبل في أكثر من ثمان وأربعين مسألة فيجيب عن اثنتي عشرة منها وقال في باقيها لا أدري !! . ويرحم الله الشعبي – شيخ أبي حنيفة – إذ يقول : تعلم قول لا أدري ! فإنك إن قلت : لا أدري ، علمناك حتى تدري !! وان قلت : أدري سألناك حتى لا تدري!! إن الإفتاء مؤسسة شرعية مرموقة فهي من عوامل صناعة الانحراف في الأمة أو نفيه ! وفي كل عصر تتطور العلاقة فيه بين هذه المؤسسة والمجتمع المسلم ، بتطور النوازل التي يجري بحث حكم الشريعة فيها وإعطاء الرأي الفقهي بشأنها بحثاً في شتى مصادر التشريع الإسلامي .. وعندما يتخلف التعاطي مع تنوع الظروف وتطور الأوضاع ينشأ الجمود الفقهي وقد ينحرف الأداء ، وتتعطل المقاصد التي لأجلها شرعت الفتوى ! . وعندما تعتمد بعض الجماعات أسلوب القتل والسبي ومصادرة حق الآخرين في العيش والتدين والتفكير ويكون منشأ هذا السلوك مجموعة فتاوى صادرة عن أشخاص أصدروا تلك الفتاوى حين أصدروها وهم خارج دائرة العصر والتطور بل والشرع ، فإن ذلك أدعى للتفكير في جدية ضرورة المعاصرة للفتوى والإحاطة بثوابت الشرع التي لا تتناقض مع مصالح الأمة في كل زمان ومكان ! . لقد أنتجت هذه الفتاوى الويلات للإسلام والمسلمين وكشفت عيب التفكير القاصر والتقوقع في أحضان العهود الغابرة وان هذا التقوقع لم يعد سليماً ولا مقبولاً في زمن أصبح فيه بإمكان الفرد الوقوف على مسألة واحدة في جميع مظانّها من مختلف كتب عدة ضخمة في أقل من دقيقة واحدة على شاشة الكمبيوتر وعالم الانترنت !! وهو تطور عصري لم يكن في الأزمان السالفة ! وفي طرائف الإفتاء القديم ، يحكي بعض العلماء انه زهد عن الفتوى والفقه بسبب الفتنة التي أحدثها المفتون في كثرة البث في الرجعة بعد الطلاق الثالث ، وكثرة الفتوى واختلافها في تقسيم تركات المورثين ، ويصور ذلك ويقول :
|
رمضانيات
الفتوى .. لها وعليها !!
أخبار متعلقة