الثأر ، ذلك الداء اللعين ، الذي يفتك بمقومات الأمة ويسرق منها أغلى كنوز الحضارة ويستعجل أسباب الفناء لها بكل سرعة وسهولة !! والقتل مما عظمه الإسلام من الذنوب .. حتى ذهب نفر من الصحابة كابن عباس – رضي الله عنه – انه من الكبائر التي لا يرجى معها توبة نصوح ! لقول الله تعالى : (( ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها .. وغضب الله عليه ولعنه .. وأعد له عذاباً عظيماً )) ! وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض )) !! وعندما شرع الإسلام القصاص ، علله بأحسن العلل وأصدقها فقال : (( ولكم في القصاص حياة يا أولي الالباب لعلكم تتقون )) . والذين يقولون : إن الله أوجب الثأر علينا في كتابه فهم مفترون كذابون ، لأن الله ما ذكر الثأر إلا في باب الإصلاح بين الناس ، وما ذكر حقوق الآدميين في شيء إلا وحبب إليهم العفو ، فقال في سورة البقرة : (( كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيء فإتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان )) وهذه الآية تنصب معانيها عند الصلح بين طائفتين فينظر ما أتلفته كل طائفة من الأخرى من النفوس والأموال فيتقاصان : الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى ، فإذا فصل لاحداهما على الأخرى شيء فإتباع بالمعروف وأداء اليها باحسان ، فان كان قد تعذر عدد القتلى ، أو المال المتلف جعل المصلح بينهما المجهول كالمعدوم ! . والثأر عادة جاهلية تناقض الفضائل في الإسلام ، وما بلغ الإسلام ما بلغه من درجات عالية في الدنيا هو وأهله الذي اتبعوه إلا بمكارم الأخلاق ومجامع القيم الفاضلة التي زاحم بها الإسلام ذمائم الجاهلية الأولى ! . والحلم والأناة والصبر أخلاق يحبها الله ورسوله – صلى الله عليه وسلم – وهي التي تحجز صاحبها عن ارتكاب ما يوقع في الشر والهلكة .. وما أحسن ما قاله علي – رضي الله عنه – لسلمان الفارسي لما سأله عن شيء يباعده من غضب الله ؟ قال له علي – رضي الله عنه - : لا تغضب !! . واحسب – والله أعلم – انه ما ظهر الثأر هذا الظهور المبين . ولا تمكن من بلوغ درجة التهديد لفك عرى المجتمع ، وتمزيق حاضره وتدمير مستقبله إلاَّ بغياب التوجيه الديني الواعي وجهل السلطات في بعض الأزمان بدور الوعظ والإرشاد في توجيه المجتمع نحو خطوط الأمان .. هذا الغياب تمثل في القضاء على التوجيه الديني في بعض البلدان والأزمان ، أو في انحراف هذا التوجيه عن خطه الصحيح ، وتركزه في مسائل لاتسمن ولا تغني من حاجة ! فضلاً عن إفراطه في شرح وتفسير المعلوم من الدين بالضرورة وبالفطرة وبالعقل !! مما أفسح المجال واسعاً لعادات وخلائق الجاهلية الأولى من ان تحل كل القيم والفضائل التي جاهدت الرسل ـ عليهم السلام ـ وخاتمهم محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ بكل شيء في سبيل اثباتها وتثبيتها !! .ويتجلى قوله ـ عليه السلام ـ : بعثت بالحنفية السمحة ! وكذا قوله : إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ! ويتجلى هذان القولان وغيرهما في صميم رسالة البناء الأخلاقي التي حملها المرسلون على عواتقهم !! . وثقافة الثأر افرزها تباعد متراكم وسع على مدى الأيام هوته السحيقة فأضحت قبراً يلتهم كل مباهج الحياة ويعرقل كل قوانين التقدم ، لقد دمر الثأر من القيم كل شيء وأصبح واجباً كفاحه واستئصاله حتى القضاء عليه بما في ذلك قيام مؤتمرات الصلح ، وبناء لجان للاصلاح وإنفاق أموال الزكاة للصرف على انهائه وتعويض من قصرت بهم السبل عن إبصار نور النجاة ومن حصد الثأر رجالهم وثروتهم .وواجب جميع مؤسسات المجتمع المدني ان يلتفوا مع هذا الجهاد الخيري المأجور ! . كفانا ظلمات وتخلفاً وفساداً وجوراً .. ولنحشد الهمم لبناء أمتنا وبلادنا بعد ان فتك هذا الداء بخيرها ويكاد يذهب ببركتها ويمنها .. علينا الا نترك غيرنا يبني ونحن نهدم بنياننا على انفسنا مع امتلاكنا كنزاً باقياً لا ينفذ ابداً هو الإسلام بقيمه ومثله ومكارمه !! .لو صدق منا الوعد وصح منا العزم فإن يأبى الدهر باذن الله أن نرى فيه عز ما نأمل ! ولن تبخل علينا البواقي ان نجني حصاد ما نزرع ! فحي على الجهاد ضد هذه العادة الخبيثة ! وحي على خير العمل ثم حي على الفلاح !!! .
|
رمضانيات
الثأر .. داءُ الانحطاط والسقوط !!
أخبار متعلقة