سطع نجمها في فترة ما يسمى بالحرب على الإرهاب
بغداد/ جهان مصطفى :عادت الى الاضواء من جديد جرائم شركة “بلاك ووتر” الأمنية الخاصة ، بعد أن وجه القضاء الأمريكي في 6 ديسمبر الاتهام إلى خمسة من عناصرها على خلفية تورطهم بمجزرة “ساحة النسور” ببغداد التي راح ضحيتها 17 عراقياً عام 2007.ورغم أنه لم تعرف طبيعة التهم التي وجهتها هيئة محلفين فيدرالية أمريكية للأشخاص الخمسة ، إلا أنها ستفتح النار على الملف الأسود للشركة التي تحظى بنفوذ في واشنطن يجعلها فوق القانون والمساءلة والملاحقة القضائية.وتتهم الحكومة العراقية متعهدي الشركة الأمنية بقتل 17 مدنياً وإصابة نحو 30 آخرين في حادث إطلاق النار بساحة النسور غربي بغداد في سبتمبر 2007 ، بينما زعمت بلاك ووتر أن إطلاق متعهديها النار جاء دفاعاً عن النفس إثر تعرض موكب دبلوماسي أمريكي، تحت حمايتها، لهجوم من قبل عناصر مسلحة.وكان تحقيق رسمي عراقي قد وصف الحادث بأنه “قتل متعمد” واتهم متعهدي “بلاك ووتر” بفتح النار بشكل عشوائي على المدنيين ، الأمر الذي أثار حالة التوتر بين الولايات المتحدة والحكومة العراقية كما أثارت جدلاً حاداً حول الحصانة القانونية التي يتمتع بها الجنود الأمريكيون والمتعهدون الأمنيون ، حيث يستثنى متعهدو “بلاك ووتر” وعناصر الشركات الأمنية الأخرى من الملاحقة تحت طائلة القانون العراقي، كما أنه ليس في حكم الواضح مدى سريان القانون الأمريكي على الجرائم التي قد يرتكبونها خارج الولايات المتحدة ، وتبدأ محاكمة المتعهدين الأمنيين، حال إجازة وزارة العدل الأمريكية ، توجيه الاتهام لهم.وتضمنت دعوى قضائية ، أقامها ذوو مدنيين عراقيين قتلوا أو جرحوا على يد عناصر “بلاك ووتر”، اتهامات للشركة بـ”تعزيز شريعة الغاب”، مشيرة إلى أن لجوء عناصر شركة التعهدات الأمنية الخاصة للقوة المفرطة، مكنها من ترويج نفسها وإبرام مزيد من التعاقدات.وأضافت الدعوى أن العناصر المتورطة في حادث “ساحة النسور”، انتهكت أوامر المشرفين عليهم في بغداد، عندما غادروا منطقة آمنة بعد توفير الحماية لموكب من وزارة الخارجية الأمريكية ، كما أشارت إلى أن المسلحين فتحوا نيران سلاحهم بدون وجود “دافع”، وواصلوا إطلاق النار حتى بعد مطالبتهم بالتوقف عن ذلك.ولم تكن جريمة ساحة النسور أول جرائم شركة بلاك ووتر، أو غيرها من شركات المرتزقة، التي تعمل بعقود وتراخيص حكومية أمريكية تحت مسمى شركات أمنية خاصة ، فقد ارتكبت الكثير من الجرائم التي لم يعلن عنها على أيدي تلك الشركات التي يعمل منها في العراق حاليا 160 شركة على الأقل تستخدم أشخاصا خدموا في القوات الخاصة الأمريكية أو المارينز أوالسي آي إيه ، كما تستخدم مرتزقة غالبيتهم عناصر شرطة سابقون وعسكريون يتم تجنيدهم من الفلبين والبيرو والإكوادور وجنوب إفريقيا ، اشتهروا بسمعتهم السيئة على صعيد انتهاك حقوق الإنسان والتورط في محاولات قتل وتعذيب بل وانقلابات عسكرية في بلدان إفريقية أو أمريكية لاتينية.وسطع نجم الشركة في فترة ما يسمى بالحرب على الإرهاب ، حيث أنه خلال أسبوعين تقريباً بعد هجمات 11 سبتمبر ، صارت الشركة لاعباً رئيسياً فى الحرب الشاملة في أفغانستان وفي العراق فيما بعد، وصارت خلال السنوات التالية من أكثر المستفيدين من الحرب على “الإرهاب” بدليل أنها ربحت حوالي مليار دولار أمريكي فى عقودها السرية مع الحكومة أغلبها بالتكليف المباشر وبدون الدخول فى أي عطاء أو منافسة. وتعد “بلاك ووتر” حاليا الشركة الأمريكية الأكبر في العالم، المتخصصة في تجنيد المرتزقة وإرسالهم للقتال في الدول والمناطق التي تشهد حروباً وصراعات خاصة في العراق وأفغانستان ، ويبلغ تعداد المنتسبين للشركة نحو مليونين ونصف مليون شخص موزعين في جميع أنحاء العالم ويتركز العدد الأكبر منهم في العراق ، وتبلغ أجرة الفرد فيها نحو 1500 دولار أمريكي وتزيد أرباحها السنوية على المليار دولار ، ولدى الشركة معدات عسكرية لا يمتلكها إلا الجيش الأمريكي ولديها أسطول من الطائرات العسكرية بما فيها طائرات الهليكوبتر المقاتلة التي يحلق طياروها فوق أحياء بغداد يوميًا مستعرضين فنونهم وشاهرين مدافعهم على المواطنين ، كما تملك الشركة جهازا خاصا للاستخبارات .وفي كتابه “بلاك ووتر: صعود أقوى جيش مرتزقة في العالم”، يشير الصحفي الأمريكي جيرمي سيكل Jeremy Scahill إلى العلاقة الوثيقة التي تجمع بين شركة “بلاك ووتر” للمرتزقة ومنظمة “فرسان مالطا” السرية، المنشقة عن “فرسان المعبد” التي تعود جذورها إلى القرن الحادي عشر(وهي من بقايا غزوات الفرنجة والصليبيين على العالم الإسلامي) . وتزود “فرسان مالطة” شركة “بلاك ووتر” وغيرها من شركات المرتزقة الدولية، بمجندين تحركهم الحمية الأصولية المسيحية، ليقاتلوا في الأماكن العربية أو الإسلامية ، حيث شارك عناصر من هذه الشركة في معركة الفلوجة في العراق عام 2004، واتهموا بارتكاب الكثير من الفظائع والانتهاكات التي جرت هناك.وكشفت صحف أمريكية عن إبرام الشركة عقودا من أجل العمل في عدد من الدول العربية، وتحديداً في السودان مع حكومة التمرد الجنوبي من أجل تدريب “المسيحيين” في “الجيش الشعبي للتحرير” الذي يسعى إلى فصل الجنوب عن السودان الأم، كما تحدثت تقارير إعلامية عن دور تسعى الإدارة الأمريكية لإسناده للشركة في إقليم دارفور غرب السودان .[c1]النشأة [/c]المبدأ الأساسي في تأسيس بلاك ووتر يقوم على مبدأ الإلتزام بتوفير طلبات الحكومة المتوقعة من حيث الأسلحة والتدريب على النواحي الأمنية ، وتأسست عام 1996 تحت اسم “بلاك ووتر أمريكا” على يد المليونير الأمريكي، إريك برنس، الذي خدم في القوات الخاصة للبحرية الأمريكية مع عدد من المنتمين لليمين المسيحي المتطرف، وهو ما مهد لتعاون الشركة مع إدارة جورج بوش اليمينية خصوصاً في العراق . إريك برنس عضو أيضا في مجلس إدارة مؤسسةChristian Freedom International “الحرية العالمية للمسيحيين” التي استهدفت السودان لسنوات طويلة وهي مؤسسة غير ربحية يصف موقعها الالكتروني عمل المؤسسة بأنها تسعى لتقديم المساعدة لمن أسمتهم المسيحيين المضطهدين في مناطق النزاع في العالم . وبالنظر إلى أنه ينتمي للمحافظين الجدد ولعائلة جمهورية فقد قام أيضا بصرف الأموال على الحملة الانتخابية للحزب الجمهوري ودعم برنامج سيطرة الحزب الجمهوري على الكونجرس وصعود جورج بوش للرئاسة.وبصفة عامة ، فإنه ساعد في صعود نجم شركة بلاك ووتر ثروة إيريك والمساحة الشاسعة من الأراضي التي يمتلكها في ولاية كارولينا الشمالية ، وما أن قام بوش بغزو العراق ، إلا وبدأ التحالف بين الشركة والمحافظين الجدد يعبر عن نفسه في المجازر التي يشهدها العراق ليل نهار. وكانت وزارة الخارجية الأمريكية قد وقعت عقداً بقيمة 300 مليون دولار مع بلاك ووتر، مقابل توفيرها الحماية لبول بريمر ــ الحاكم الأمريكي السابق في العراق ــ والسفير الأمريكي في بغداد زلماي خليل زادة ، وتجاوزت العقود التي أبرمتها الشركة مع الإدارة الأمريكية حاجز الـ 505 ملايين دولار، بموجب عقود خاصة، نجحت من خلالها في بناء قاعدة لجيش خاص من المرتزقة يضم 20 ألف شخص، مزودين بطائرة بوينج 727 ومروحيات ومدرعات.وتشير تقارير صحفية إلى أن ما نسبته 34 بالمائة من مبلغ 21 مليار دولار، خصصتها الولايات المتحدة لإعادة أعمار العراق، قد تم تحويلها للشركات الأمنية الخاصة ، ما دعا صحيفة “لوس أنجلوس تايمز” إلى القول إن خصخصة الحرب الأمريكية في العراق قطعت شوطًاً كبيراً .وبينما يصف إريك برنس شركته بأنها امتداد وطني للجيش الأمريكي، برز اسم بلاك ووتر في وسائل الإعلام العالمية بشكل ملفت منذ 31 مارس 2004، بعد أن اصطادت المقاومة العراقية في مدينة الفلوجة أربعة مرتزقة أمريكيين يعملون لدى الشركة، وقام المواطنون الغاضبون بحرق جثثهم وتعليقها على أحد الجسور كرد فعل على الجرائم الوحشية التي ارتكبتها قوات الاحتلال في المدينة الصامدة .وإلى جانب حادثة الفلوجة، فإن اسم هذه الشركة تردد في أكثر من عمل عسكري للمقاومة، ففي إبريل 2005 نجحت المقاومة في إسقاط طائرة نقل تعود ملكيتها للشركة كانت تقل 11 شخصاً قتلوا جميعاً، 6 منهم كانوا من حملة الجنسية الأمريكية، وثلاثة بلغاريين واثنان من فيجي، وفي 23 يناير 2006، أسقطت المقاومة طائرة أخرى تعود ملكيتها إلى شركة بلاك وتر في شارع حيفا قتل فيها خمسة أشخاص، وصفهم زلماي خليل زادة بأنهم رجال أكفاء سبق أن عملوا معه. حادثة شارع حيفا كشفت الكثير عن طبيعة عمليات الشركة الخطرة ، وتجاوز دورها لمهام توفير الأمن والحماية للشخصيات والمنشئات، وانتقالها إلى دور المشاركة الفعلية في العمليات العسكرية كبديل للقوات الأمريكية المسلحة . وقد شجع الجيش الأمريكي على تنامي شركات المرتزقة في العراق، بهدف تلافي النقص في قواته، وكشفت صحيفة “واشنطن بوست” أن إدارة جورج بوش ظلت تراهن على شركات المرتزقة الأمريكية والأجنبية لفرض خطة أمن بغداد ، وكشف أحد العاملين في هذه الشركات أن وضع العراق المضطرب والخالي من سلطة الدولة والقانون، جعل شركات الأمن الخاصة تحقق أرباحا طائلة تفوق الخيال، كما جعلها توسع من نشاطها ومن مناهج عملها وبرامجها ، ورغم أنها فقدت آلافاً من عناصرها على يد المقاومة ، إلا أن الشركة تعتبر تلك الخسائر بمثابة ضريبة الخطر التي دفعتها وتدفعها مقابل الأرباح الخيالية في العراق.ويرجح مراقبون أن توجيه اتهامات لعدد من عناصرها بارتكاب مجازر في العراق من شأنه أن يزيد الضغوط على الحكومة العراقية لطرد بلاك ووتر ، بالإضافة إلى تنبيه العالم بالجرائم السوداء لأمريكا وانتهاكاتها البشعة لحقوق الإنسان.