المخرجة اللبنانية نادين لبكي في فيلم «سكر بنات»
القاهرة / 14أكتوبر / لنا عبد الرحمن : أثار فيلم المخرجة الشابة نادين لبكي في أول تجربة سينمائية لها في «سكر بنات» الذي عرض في عدة مهرجانات دولية مثل مهرجان دمشق القاهرة ودبي، ردود أفعال متباينة عند مشاهديه بين دفاع عن هذا العمل،وبين اتهام بالسطحية وبطء حركة الكاميرا ووجود بعض التكرار وهي عيوب تضعف من مزايا أي عمل سينمائي.تدور أحداث الفيلم في صالون تزيين نسائي، واسم «سكر بنات» أو «كراميل» بالفرنسية، المقصود به عجينة السكر التي تستخدمها النساء في نزع الشعر.اذن منذ اختيار العنوان والمشهد الأول تظهر لبكي هوية الفيلم الذي يحكي قصة بطلاته الأربع. هناك (ليال) التي تؤدي دورها نادين لبكي، ترتبط بعلاقة عاطفية مع رجل متزوج، ويكشف الفيلم عن وضع المرأة الثانية في هذا النوع من العلاقات،حيث ازدواجية الرجل الذي يقيم علاقة أخرى خارج الزواج وفي الوقت عينه يستأنف حياته الزوجية بهدوء واستقرار تام،في حين تبدو المرأة الأخرى هي الحلقة الاضعف في العلاقة،هي المسؤولة عن تأمين مكان اللقاء والبحث عن فندق مشبوه يرضي باستقبالها لمفاجأة الحبيب الغائب والاحتفال بمناسبة ما،كما نرى في الفيلم.غيبت لبكي شخصية حبيب البطلة المتزوج، جعلته مجهولا لم يحضر ابدا امام المشاهد،أرادت أن تؤكد أن ملامحه غير مهمة على الاطلاق،بل إن وجوده المادي ككل غير مهم،لأنه متشابه ومتكرر في كل الأماكن، فالصفات التي اسبغتها المخرجة على شخصيته صفات مشتركة بين الرجل الغربي والشرقي على حد سواء،حيث الكذب والمراوغة والتضليل بقصد امساك زمام الأمرين معا أي «الزوجة» و «العشيقة».كما غيبت لبكي شخصية زوج إحدي البطلات المشغول عن أولاده،جعلته لا يظهر إلا عبر الصوت في مكالمة هاتفية.إن شخصية الرجل عموما لا تحضر إلا بشكل طفيف في «سكر بنات» هناك الشرطي الذي يؤدي دوره عادل كرم الذي يسعي للفوز بحب (ليال)،هذه الشخصية التي تبدو رمزية بشكل هزلي،إنه الرجل المعدل وفق ما تريده (ليال) الرجل الذي حرصت على ادخاله صالون النساء ونزع شاربه،وكأنها بذلك تنزع ركاما من الأفكار التقليدية المغروسة في عقله.كما يوجد خطيب (نسرين) احدي البطلات التي تعاني من مشكلة فقدان العذرية وتلجأ لاجراء عملية لاستعادة البكارة.لقد مرت لبكي على هذا الحدث سريعا لم تتوقف كما اعتدنا في اعمال كثيرة تبكي على العذرية الضائعة وما يرافق ذلك من احساس ندم عند البطلة. لم تستغرق لبكي في التفاصيل ولعل هذا الأمر أضر الفيلم بعض الشيئ على مستوي الحوار في بعض المشاهد واللقطات حيث بدا الحوار مبتورا،اذ كان بمقدورها أن يكون الحوار أكثر عمقا في عدة مشاهد،في المقابل يبدو المشهد الذي يجمع بطلات الفيلم الأربعة في الأوتيل الرخيص،حيث استأجرت (ليال) غرفة لتمضي وقتا برفقة حبيبها الذي يعتذر برسالة على الموبايل بأنه غير قادر على الحضور-من أقوي المشاهد في الفيلم،حين تحكي كل بطلة عن معاناتها الداخلية بصوت مرتفع وكما لو انه مونولوج داخلي،ليال مثلا تلخص علاقتها بحبيبها المتزوج قائلة :»أنا حياتي واقفة على الزمور،كل شي بحياتي مرتبط بالزمور». يمكننا القول عن هذا الفيلم بأنه فيلم «نسوي» إلى حد كبير،وليس المقصود بكلمة نسوي هنا الخطاب أو الدفاع عن قضايا المرأة،بل محاولة تقديم صور ونماذج لعوالم نسائية متنوعة،من أعمار متفاوتةويعانين من مشاكل مختلفة.أقول هنا محاولة من دون تجاهل علاقة «نادين لبكي» مع الكاميرا،فالكلام عن مخرجة العمل لابد أن يتصل بالكلام عن أعمالها السابقة في (الفيديو كليب) وعن دورها في الفيلم كونها شكلت جزء كبيرا منه لانها قامت بالاخراج وبكتابة السيناريو كما شاركت أيضا في بطولة العمل. اعتمدت لبكي في بطولة فيلمها على أسماء فنية لبنانية،منها عادل كرم،جوانا مكرزل،ياسمين المصري،جيزيل عواد، سهام حداد،عزيزة سمعان وغيرهم،لكنها لم تتكل على الشكل ابدا،لم تتعمد وضع بطلاتها في دائرة الجاذبية الجسدية،وهذا يحسب لصالح الفيلم حيث البعد عن الاتكال على المظهر ساهم في مساعدة المشاهد في قراءة بواطن الشخصيات،رغم أن «لبكي» تعمدت اظهار حضورها الأنثوي مميزا عن سائر البطلات.لا يجد المشاهد في «سكر بنات» أي إشارة للحرب سواء من قريب أو بعيد،رغم أن تيمة الحرب اللبنانية تطغي على معظم الأفلام كونها في النتيجة واقع لا يتجزأ عن حياة سكان لبنان،لكن لبكي تعمدت الابتعاد تماما عن ذكر الحرب،وإن كانت حريصة في ابراز التنوع الديني الذي يشكل المجتمع اللبناني،حرصت على ذلك من خلال شخصية (أم ) احدي البطلات التي تظهر بالحجاب في مشهد يجمع بين الأم وابنتها قبل زفاف الابنة وهي توصيها بنصائح ما قبل الزفاف،ثم في مشهد آخر نري احتفال باحدي الأعياد المسيحية ونري الموكب الذي يحمل تمثال العذراء يدخل صالون التزيين. أنا هي أنت جاءت الأشارة للاحاسيس المثلية عند احدي البطلات غامضة تماما،درجة من الغموض المقصودة في العمل،حيث لا يمكن الجزم بالفكرة إلا قبل نهاية الفيلم بقليل وظهور الأغنية التي تتردد فيها كلمات «أنا هي أنت» والجدير بالذكر أن هذه الكلمات أي «أنا هي أنت» عنوان رواية للكاتبة اللبنانية إلهام منصور تناولت فيها علاقات مثلية نسوية.لكن في العودة للحديث عن العمل فقد كانت الأشارة لوجود تجاذب ما بين احدي البطلات وبين امرأة يتكرر ترددها على الصالون،وتتكرر ذات المشاهد الغامضة في الشك بوجود احساس مشترك بين الفتاتين،لكن كل هذا يظل من دون حوار مباشر سوي تعبير المرأة(الزبونة) للبطلة عن اعجابها بشعرها الفصير وأمنيتها قص شعرها الطويل وما تلاقيه من ممانعة في البيت.هذه الرغبة التي تبدو رمزية إلى حد ما،يؤكد رمزيتها خروج هذه المرأة من صالون التزيين في نهاية الفيلم تركض في الشارع فرحة بشعرها القصير،أي بتحقق أمنيتها،لكن النهاية تظل غير واضحة بأن ما كان يجذبها للفتاة الاخري هو الشعر القصير فقط؟؟؟.ينتهي فيلم «سكر بنات» نهاية رومانسية بزفاف احدي البطلات،والانسجام بين عادل وليال،وبظهور البطلة ذات الشكل الغلامي كما لو انها استعادت طبيعتها كأنثي وارتدت ثيابا تبرز جزءا من أنوثتها.أما البطلة التي تعاني من أزمة العمر فتظل مستمرة في خوض معاركها النفسية،لا شيئ يتغير بالنسبة لها. يمكننا القول عن هذا الفيلم بأنه فيلم «نسوي» إلى حد كبير،وليس المقصود بكلمة نسوي هنا الخطاب أو الدفاع عن قضايا المرأة،بل محاولة تقديم صور ونماذج لعوالم نسائية متنوعة،من أعمار متفاوتة ويعانين من مشاكل مختلفة.أقول هنا محاولة من دون تجاهل علاقة «نادين لبكي» مع الكاميرا،فالكلام عن مخرجة العمل لابد أن يتصل بالكلام عن أعمالها السابقة في (الفيديو كليب) وعن دورها في الفيلم كونها شكلت جزء كبيرا منه لانها قامت بالاخراج وبكتابة السيناريو كما شاركت أيضا في بطولة العمل. إن عمل لبكي في «سكر بنات» على صوغ عوالم نسوية يتلامس تماما مع ما اعدته سابقا في فيديو كليبات الفنانة «نانسي عجرم»،لم تبتعد المخرجة كثيرا عن أجواء فيديو كليب «سحر عيونه» الذي تدور أحداثه أيضا في صالون تجميل،بل يتشابه معه في كثير من اللقطات،وهذا الأمر لا يضير لبكي لأن الفنان في النتيجة ينتج عوالمه الداخلية،يفرغ ذاته في فنه،ومن الطبيعي وجود قواسم مشتركة بين عمل وآخر.لكن لبكي في «الفيديو كليب» تبدو أكثر تمكنا في التحكم بالكاميرا وأكثر مرونة في السيطرة عليها من حيث السرعة والحركة والأبهار عموما.تمكنت لبكي من إبهار المشاهد في الفيديو كليب،هذا لا يعني أن «سكر بنات» وهو فيلمها الاول يخلو من هذا العنصر،بل إن الأبهار في هذا العمل يأتي من التلقائيته الممتعة،والبساطة والعفوية في اختيار الموضوعات وتشكيل الحوار حولها،تحديدا في المشاهد التي تؤديها لبكي بكل ما فيها من بساطة مألوفة،وأحاسيس تتشارك فيها غالبية النساء.عنصر حركة الكاميرا السريعة يحضر بوضوح في مشاهد نادين لبكي،ويبدو مختفيا في مشاهد أخري،كان يكفي الاشارة لها من دون تعمد التكرار،مثل تكرار لقطات المرأة العجوز (ليلي) التي تنتظر رسائل حبيب ما وتجمع الأوراق من الشارع على اعتبار أنها رسائل حب.أيضا المشاهد التي ضمت إحدى البطلات التي تجاوزت الأربعين بدأت تحس بوطأة العمر ودخولها في مرحلة (انقطاع الطمث) وكيف تموه عن ذلك بوضع سائل أحمر على ثيابها،لم يكن هناك مبرر لتكرار الفكرة التي بدت واضحة للمشاهد منذ لقطاتها الاولى.