محمد زكريا :لسنا نبالغ إذا قلنا أنّ السيرة الذاتية لشخصيات مهمة لعبت دورًا خطيرًا على مسرح الحياة في مختلف أوجه نشاطها تعد من المراجع القيمة التي في ضوئها يستضيء الباحثون في الكشف عن الفترة التاريخية التي عاصروها وعايشوها من ظروف وأوضاع سياسية ، اجتماعية ، وثقافية . والسيرة الذاتية أو المذكرات تتنوع ألوانها ومشاربها حسب نشاط أصحابها في ميدان الحياة ، فهناك المذكرات الفنية يكتبها أحد الفنانين المشهورين عن مسيرة حياته الفنية الطويلة. وهناك السيرة الاجتماعية يكتبها أحد المصلحين الاجتماعيين ، وهناك السيرة الذاتية لعالم من علماء الاختراع. وهناك السيرة أو المذكرات السياسية التي يكتبها أحد الساسة المشهورين الذين كانوا في قلب الحدث أو الأحداث السياسية الملتهبة أو يكون من صناع القرار السياسي . والحقيقة أنّ المذكرات السياسية طغت شهرتها على جميع المذكرات سالفي الذكر لكونها تحفل بوقائع ساخنة وأحداث متلاحقة وسريعة وخطيرة بصورة دائمة وتكشف لنا ما كان يدور في أروقة السياسة أو الحكم من أسرار جديدة و مثيرة . وتزداد قيمة تلك المذكرات السياسية عندما يكون أصحابها من أرباب القلم والأدب . [c1]وثائق ثورة 48م[/c] والحقيقة أنه رغم أنّ الحياة السياسية في اليمن المعاصر ، قد مرت بمراحل خطيرة أو تعبير آخر لديها مخزون سياسي ضخم غير أنّ المذكرات السياسية التي صدرت أو التي في رفوف المكتبة اليمنية التاريخية شحيحة وإنّ لم تكن نادرة بالفعل ، ومن المحتمل أنّ يكون ذلك راجعًا إلى أنّ الكثير من الساسة القدامى ، قد رحلوا عن دنيانا ، أو أنّ البعض منهم يتحرج من أنّ يكتب مذكراته السياسية أو سيرته الذاتية حتى لا يمس أناساً مازالوا على قيد الحياة . وكيفما كان الأمر ، فقد صدر من فترة ليست قصيرة عن ثورة 48م كتاب وهو عبارة عن مذكرات أو سيرة ذاتية عن الكاتب والأديب والشاعر محمد أحمد الشامي الذي حمل عنوان (( رياح التغيير في اليمن)) ويعد الكتاب أو مذكراته السياسية وثيقة أو وثائق نادرة لكونه عايش أحداثها ، وشارك فيها وأنكوى بنارها. كما أنه ألقى الأضواء أيضًا على الحياة الاجتماعية والثقافية التي كانت سائدة في تلك الفترة التاريخية . [c1]الرمال المتحركة[/c] وهذا الدكتور الأستاذ محسن العيني ــــ رئيس والوزراء الأسبق ـــ الذي كتب مذكرات بعنوان (( خمسون عامًا من الرمال المتحركة )) الذي سرد فيها سيرة حياته ، وكيف خاض تجربته الطويلة مع السياسة . وسلط الأضواء على أخطر أيام الثورة السبتمبرية العظيمة ، وكيف عين فيها وزيرًا للخارجية وهو في بغداد في أثناء لقائه مع عبد الكريم قاسم حاكم العراق ـــ حينئذ ـــ ، وتحدث في مذكراته عن الصراع الدبلوماسي الحاد الذي خاضه في أروقة الأمم المتحدة حتى يرتفع علم الجمهورية الفتية في ساحتها . [c1] (( أيام وذكريات )) [/c]وكتاب بعنوان (( أيام وذكريات )) للدكتور الأستاذ محمد حسن مكي رئيس وزراء اليمن الأسبق المعروف بدماثة أخلاقه ، وهدوئه ، وسعة صدره الذي تناول فيه عدداً من المسائل الاقتصادية ، والسياسية قبيل ثورة 26 سبتمبر ، وبعدها . ومن أهم المعطيات التي حفلت بالإثارة ما ذكره في صفحات كتابه وهى محاولة اغتيال الإمام أحمد في مستشفى الحديدة بطلقات نارية على يد العلفي , وكيف قام بترجمة تقرير الأطباء الإيطاليين من الإيطالية إلى العربية بحكم دراسته في إيطاليا , فقد ذكر الأطباء الإيطاليون في تقريرهم حول الحالة الصحية للإمام أحمد ، بأنها في غاية الخطورة ، في الوقت الذي ذكره فيه الأطباء الفرنسيون ، والسوفييت خلاف ذلك أنّ حالته الصحية ليست حرجة . وتطرق أيضًا الدكتور حسن مكي إلى الكفاح المرير الذي خاضه في الجبهة الاقتصادية إبان الثورة السبتمبرية ، وكيف استطاع هو وزملاؤه أنّ يحققوا الكثير والكثير جدًا على الصعيد الاقتصادي . [c1]مذكرات الأستاذ النعمان[/c]ومن أروع وأهم المذكرات السياسية التي تناولت مسيرة الحركة الوطنية اليمنية بصورة واسعة وعميقة هي مذكرات الأستاذ أحمد محمد نعمان الذي كان أحد رموز الحركة الوطنية إلى جانب رفيق دربه الشهيد الشاعر والمناضل الكبير محمد محمود الزبيري. ويعد الأستاذ أحمد نعمان من رواد الثورة الدستورية ـــ بلا منازع ـــ التي اندلعت في وجه الاستبداد الإمامي. فقد كان من مؤسسي الحركة الوطنية في عدن حيث ، أسس هو ورفيق دربه الزبيري حزب الأحرار سنة 1944م ، وبعدها الجمعية الكبري سنة 1946م ، وجريدة صوت اليمن في نفس تلك السنة والتي كانت حال لسان الأحرار المستنيرين في داخل اليمن وخارجه . ولا نذيع سرًا إذا قلنا أنّ كتابه هذا لا يعد مذكرات سياسية بمعنى الكلمة وإنما نستطيع أنّ نقول ذكريات ، فالكتاب ، عبارة عن أسئلة طرحت على الأستاذ نعمان وهو يجيب عليها ، وإنّ بعض تلك الأسئلة لم ترتقِ إلى مصاف سيرته الذاتية الرائعة التي كانت نموذجًا ومثالا يحتدي في الكفاح ، والنضال الصعب والشاق الذي خاضه ضد رموز الاستبداد ، والجهل ، والمرض ، والفقر الثالوث الرهيب الذي عانى منه الشعب اليمني في ظل النظام الإمامي المستبد . والجدير بالذكر أنّ الذي تبنى إصدار هذا الكتاب هو المركز الفرنسي والعلوم الاجتماعية . [c1]شاهد على العصر[/c]ولا نغلو في الحقيقة إذا قلنا أنّ حركة 1955م الذي قادها المقدم أحمد الثلايا لم يكتب عنها بالصورة المطلوبة أو الصحيحة ولم يكشف النقاب عن الأسباب الحقيقية وراء اندلاعها والتي كانت شرارتها في منطقة الحوبان في تعز كما ـــ تذكر الروايات التاريخية ـــ وهذا لن يتحقق إلا عبر الذين شاركوا في قلب أحداثها أو كانوا قريبين منها من خلال مذكراتهم في تلك الحركة بإسهاب وعمق لكونها اشتعلت أوزارها بعد أنّ خمدت جذوة ثورة 48م وظنت السلطات الإمامية أنها أسكتت صوت المعارضة إلى الأبد . وكيفما كان الأمر ، نرجو من المعاصرين لثورة 48م ، وحركة 55م وثورة سبتمبر وكذلك ثورة الرابع عشر من أكتوبر الذين كان لهم شرف المساهمة والمشاركة الفعالة فيها أو بتعبير آخر الذين كانوا في قلب أحداثها أنّ يكتبوا مذكراتهم السياسية بأيديهم لكون مذكراتهم ستكون شاهداً على العصر أو الفترة التاريخية التي ناضلوا فيها وضحوا بكل غالٍ ونفيس من أجل أنّ ترتقي اليمن سلم التقدم والازدهار في مختلف اوجه الحياة السياسية ، الاقتصادية ، والاجتماعية .
أخبار متعلقة