المرأة العربية .. بين ثقافة التشدد والنظرة الدونية
ام عراقية ترافق ابنها في طريق العودة من المدرسة
البصرة / إيلاف / صفاء الغانم :الموروث مازال يلعب دوراً رئيسًا في تغيير النظرة تجاه النساء، المجتمعات العربية ذات الحاضنة الابوية، غسلت أدمغة النساء منذ الصغر وعممت فكرة مفادها،النساء كائنات مغرية لايمكن السماح لها بالتصرف بتلقائية، فعزز الدين هذا المفهوم بسلطة الحجاب الذي يمكن أن نعزوه إلى حماية العفة والتملص من الهوية الجنسية ، و لربما المجتمع العراقي في مدينة البصرة الجنوبية أنموذج جيد للدلالة على ذلك.السؤال التقليدي: هل التقاليد عائق أمام حرية النساء؟باختصار إننا سنجد أنواعاً من الإجابات تنتقل من أقصى التطرف العلماني إلى أقصى التطرف الديني، مارين بتملصات ذكية وأخرى انتهازيتها واضحة. دون أن نجد أحداً يضع أصبعه على ذلك الخرم الصغير المؤدي لفهم المنطلق « فلسفياً وأخلاقياً » – إن صح التعبير -.ع.ح في ربيعها الثامن والعشرين تعمل كوافيرة، تحافظ على التقاليد، لكنها تراعي الموضة، تقول : ( لا أتمسك بالتقاليد عن قناعة بل لان ثقافة المجتمع تملي علي ذلك، أنا اعمل كوافيرة الكثير من الناس حتى الأصدقاء يتصورونني سيئة السمعة، كان علي أن أخدع الشارع واحتقره عبر مظاهره ).الحياة العامة في العراق لاتتحكم بها النزعة العلمية في التفكير، لايهتم الكثير من الناس هنا بالحقائق أكثر من اهتمامهم بالمظاهر البراقة، يقول سمسار بيع عقارات، يبدو انه تجاوز عتبة الأربعين لكن عيناه تبحث عن صيد بين المارات من أمام مكتبه : ( لااحد يكترث هنا إن كانت من تحافظ على التقاليد سيئة السمعة أم لا، المهم إنها تحافظ من خلال المظهر على التقاليد، أنا أميز بين النساء من تمتهن المعاشرة وبين تلك التي تعاني من كبت)طالبتان جامعيتان، لم تتخط أعمارهما الرابعة والعشرين بعد، نموذج جارح لما يمكن للكبت أن يحدث من تأثيرات نفسية تؤدي إلى الانقلاب على الذات بكل القيم والمعايير التقليدية.
طالبات عراقيات في صف دراسي
إنهما تحافظان اشد المحافظة على مظهرهما المحتشم داخل الكلية حيث تتحاشيان فيها إقامة أي علاقات غرامية، لخوفهما من أن تطير كلمة من هنا أو من هناك إلى أهلهما، لكنهما في الوقت نفسه تحرصان على إقامة علاقات حميمة جداّ مع شباب جامعيين وغير جامعيين حسب المعيار: أن يكونوا على ثقافة ويتمتعون بقدر عال من التحررية التي تجعلهم لايرون فيهن سوى نساء طموحات وراغبات في الحياة وكارهات لكل ما يقيد حريتهن الشخصية. تقول ف.ج : ( التطلع إلى حياة جميلة ورومانسية مع أزواج يحترمون علاقاتنا وحرياتنا الشخصية هي ما نريده، نكره ذلك الزوج المتقيد بالتقاليد، والذي لا يسمح لنا أن نتمتع بشبابنا لكن كل ذلك ضمن نطاق الأخلاق). تقول الأخرى، نعاني من سطوة الأهل وعدم تفهمهم إن العالم تغير وإننا اليوم في الألفية الثالثة لا في الفترة العثمانية، أشقاؤنا من الذكور يقودون تعسفاً وانتهاكاً صارخاً لحقوقنا المدنية، وهم في الوقت نفسه يمارسون علاقات لاأخلاقية مع فتيات غير متعلمات.كثير من الانتهاكات تحدث للنساء في العراق (الجديد)، ولم يقف القانون حازماً في الدفاع عنهن وعن حقوقهن، حقوق المرأة في العراق أصبحت ورقة سياسية في الصراع الدائر بين الساسة المتناقضين، (137) رقم قانون لو قيّد له أن يرى النور، لوأد أكثر من 80 عاماً من النضال النسوي العراقي لنيل الحقوق التي توّجها قانون الحقوق المدنية عام 1958. الذي ألغى فيه التمييز الجنسي ضد المرأة وأعطاها حقوقاً مدنية عظيمة، القرار الصادر من مجلس الحكم المنحل المرقم ب (137) شرع على خلفية دينية وطائفية، وارجع الحقوق المدنية إلى مستوى الطائفة، ومن المعروف إن بعض الطوائف تبخس للمرأة حقا كثيرا.
اتجاهات متقاطعة في طريق واحد
لم تكن زوبعة رفض القرار تمضي، حتى أشعلت المنظمات النسوية التحررية موجه جديدة من الاحتجاجات، هذه المرة بعد صدور مسودة الدستور الذي ارجع الحقوق المدنية للنساء إلى التقاليد الدينية والطائفية ولم يعترف بالحقوق المدنية.ولم تفد بشيء احتجاجات المنظمات النسوية، سرعان ما عاد هذا القانون يخيم على أجواء التحرر النسوية في العراق، حينما أُقر الدستور (الجديد)، فأعاد القضايا المدنية والتي غالباً ما تتعلق بالزواج والطلاق و الارث إلى مذاهب دينية ينتمون لها.المعركة لايمكن لها أن تقف مادام إن هناك الكثير من الساسة يؤمنون بأن المرأة مكانها الطبيعي البيت وتربية الأطفال وخدمة الزوج ليس إلا.سجلت منظمات الدفاع عن حقوق الانسان الكثير من الانتهاكات ضد حرية المرأة في العراق من قبل الجماعات المسلحة في الجنوب والوسط العراقي، وتشير هذه التقارير إلى إن الخلفية التي تجري وفقها هذه الانتهاكات هي (التشدد الديني) إزاء حرية المرأة.الدين في العراق أصبح جزءا من الموروث والتقاليد، لذا فهو لاينفك من إطار العقليات البسيطة التي تجد في الموروث والتقليد سلطة مهمة في قمع النساء.ك.م، سيدة في الخمسين من العمر، تعارض بشدة مسألة التهاون بما جاءت به الشريعة فهي ترفض كل ما يسمى على حد نظرتها (الحقوق المدنية للمرأة ) تقول: على المرأة التزام ما جاءت به الشريعة فقط، ولا تحلم بأكثر من ذلك.أستاذة جامعية، تتطرف كثيراً في ما يخص حقوقها وتقول انني حتى لو فكرت في التحرر، لدي تكليفي الديني الذي يحكمني بمجموعة من القوانين علي أن أحترمها شئت أم أبيت.مازالت النظرة تجاه المرأة متخلفة وتتراجع يوماً بعد آخر في العراق، بسبب حملة التجهيل والتضليل التي تمارسها بعض الجهات، محامية تقول : ( إن التقاليد وأعراف العشيرة ترضي العقليات الساذجة وتعطيها القوة والحق في القيمومة على النساء دون وجه حق سوى أنهن نساء وهم رجال).
امرأتان عراقيتان في طريق عودتهما من أحد الأسواق
منظمة العفو الدولية في تقريرها الأخير عن حقوق المرأة في العراق توصي ب ( دمج الاحتياجات الخاصة للمرأة دمجاً كاملاً في عملية التغيير. ومشاركتها الكاملة شرط ضروري لإعادة البناء الناجحة والسلمية في العراق، وهي أفضل ضمانة بأن تحقق عملية الاعمار حماية أفضل لحقوق المرأة في العراق).منظمة العفو الدولية ترى في إجحاف حقوق المرأة في الاختيارات الشخصية البحتة تحركاً خطراً وسيعطي للجماعات المسلحة المنتشرة في جميع أنحاء العراق، الضوء الأخضر في انتهاك حقوق الانسان والنساء خصوصاً، لذا فهي لاتخفي قلقها وتطالب الحكومة بشكل صريح ب ( تأييد النشر السريع لمراقبي حقوق الإنسان التابعين للأمم المتحدة وذلك كوسيلة لضمان احترام حقوق الإنسان في جميع أرجاء العراق ) .تجدر الإشارة بشدة هنا، إلى أن مدينة البصرة وحدها كانت مسرحاً مكشوفا و بلا رادع لـ 133 جريمة قتل نفذت ضد النساء ( بمختلف الاعمار البعض منهن متزوجات ) خلال العام 2007 و استمرارها خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري، ذلك يعد مؤشراً كافياً على شراسة الهجمة ضد الأفكار المنادية بحرية المرأة.التقاليد والموروث كمركب حركة جماعية يقيد حرية النساء وباسمه ترتكب أبشع الانتهاكات ضدهن، لذا ما أرادته التقاليد من ((المحافظة)) على النساء دفعهن الكبت والحرمان إلى كن الكراهية لهذه التقاليد والقيمين عليها.