منبر التراث
في الثالث والعشرين من مارس سنة 1939م ، أرسلت حكومة صاحبة الجلالة رسالة سرية إلى حكومة عدن تطلب فيها دراسة مشروع إقامة مستوطنة يهودية على جزيرة سقطرى . ولقد طلبت من حاكم عدن (( رايلي ) ) Reilly ) السرية التامة في هذا الموضوع الهام والخطير . ولقد اعتقدت الحكومة البريطانية أنّ مشروع توطين اليهود في جزيرة سقطرى وأيضاً بعض المناطق في حضرموت سيكلل بالنجاح نظراً أنّ الحكومة ستدفع إلى سلطان قشن والمهرة مبالغ إضافية وبالتالي لن يعترض على هذا المشروع الحيوي . وبنت لحكومة البريطانية سياستها بأنّ الصراع العربي اليهودي في ذلك الوقت مازال في مراحله الأولى أو في المرحلة الجنينية ـ على حسب قول الباحثة شفيقة عبد الله العراسي في كتابها القيم ( السياسة البريطانية في مستعمرة عدن ومحمياتها 1937 ـ 1945م ) . [c1]رأي الحكومة البريطانية[/c] ورأت الحكومة البريطانية أنّ توطين حوالي ألف أسرة يهودية ( خمسة آلاف فرد ) في جزيرة سقطرى سيعمل على تنشيط وإنعاش الحركة التجارية والاقتصادية في تلك الجزيرة " بل إنّ ازدهار الحركة التجارية في الجزيرة سيكون له مردود اقتصادي كبير على الجزيرة العربية . وفي هذا الصدد ، تقول شفيقة عبد الله العراسي في مؤلفها في صفحة 127 : " إذ رأت ـــ الحكومة البريطانية ـــ أنّ إقامة مستوطنة يهودية في الجزيرة العربية سيؤدي إلى كثافة سكانية ، وقوة شرائية كبيرة . وذلك باتساع نشاط التبادل التجاري وازدهار تجارة ( الترانزيت ) في عدن وازدهار التجارة المحلية " . [c1]رفض المشروع[/c] وعلى أية حال ، حولت حكومة عدن هذا المشروع إلى " إنجرامس " ) Ingrams ) المستشار البريطاني المقيم في المحميات الشرقية ( حضرموت ) ونظراً أنّ إنجرامس كان متعمقاً في القضايا اليمنية بصفة خاصة والعربية بصفة عامة . فقد رفض مشروع توطين اليهود في جزيرة سقطرى , وكتب في تقريره بما معناه : " أنّ إقامة مستوطنة في جزيرة سقطرى سيجر على بريطانيا العظمى عداء شديد من قبل اليمنيين والعرب على حدِ ِ سواء وسيهيج عليها الرأي العام في المحميات ومستعمرة عدن " . ودعم حاكم عدن رايلي رأي إنجرامس برفض مشروع إقامة مستوطنة يهودية على أرض جزيرة سقطرى . [c1]الصحافة العربية[/c] والغريب في الأمر ، أنه على الرغم من السرية التامة التي دارت بين حكومة بريطانيا وحكومة عدن حول مشروع توطين اليهود في الجزيرة إلاّ أنه تسرب إلى الصحافة المصرية وغيرها من الصحف العربية والإسلامية والتي أخذت على عاتقها كشف ذلك المشروع الخطير وهاجمته بقوة مما دفع بالحكومة البريطانية أنّ تعلن أنّ ما قيل حول مشروع توطين اليهود في جزيرة سقطرى لا أساس له من الصحة " . . . فقد تم تكذيب الخبر ( توطين اليهود في سقطرى ) في هيئة الإذاعة البريطانية بغرض تهدأت خواطر اليمنيين في المنطقة اليمنية وجهة لطمأنة الرأي العام العربي والإسلامي . . . " [c1]أخطر الصفحات التاريخية[/c] و طويت بذلك صفحة تعد من أخطر الصفحات التاريخية وإنّ لم يكن أخطرها على الإطلاق في تاريخ اليمن . والحقيقة أنه مازال الكثير والكثير جداً من الوثائق البريطانية المتعلقة بقضايا مستعمرة عدن الهامة بصفة خاصة واليمن بصفة عامة لم يكشف عنها النقاب ، فنرجو من الجهات العلمية المتمثلة بجامعاتنا اليمنية ، والبحث العلمي والمراكز اليمنية للدراسات التاريخية العمل على ترجمة الوثائق البريطانية الهامة التي تتعلق باليمن من خلال جمعها ، وتنظيمها ، وتوثيقها لغرض نشرها ومعرفة ما تحتويه من موضوعات وسرية و جديدة ومثيرة وهامة عن سياسة بريطانيا في اليمن .