إذا ما تجولت في مدينة عدن ثغر اليمن والذي أطلق عليها الإنجليز اسم ( كريتر ) ومعناها (شق ) ، والتي وصفتها الطبيبة الفرنسية كلودي فايان التي زارتها في أوائل الخمسينيات بأنها : « المدينة القديمة التي تشويها الشمس ، والواقعة في تجويف بركان منطفئ « . والحقيقة إنّ الطبيبة الفرنسية جانبت الصواب عندما ذكرت جانباً من صورة مدينة ( كريتر ) أو عدن القديمة ولم تتحدث عن الصورة الأخرى من المدينة بأنها مدينة تنطق عمارتها بالعمارة الإسلامية لكونها ولدت في أحضان الإسلام . وكيفما كان الأمر ، فإنه يسترعي انتباهك أحياءها الشعبية الأصيلة ومنها حي حسين الأهدل ، في هذا الحي تشعر بأنك تشم عبير تاريخ حي أصيل يعود تاريخه إلى القرن العاشر الهجري / القرن ( 16م ) . [c1]في عصر الدولة الطاهرية[/c] وتشير كثرة من المصادر التاريخية بأنّ مدينة عدن شهدت في عصر السلطنة الطاهرية ( 858 ـــ 945هـ / 1454 ـــ 1538م ) ازدهارًا عريضًا وتحديدًا في عهد السلطان عامر بن عبد الوهاب المقتول سنة (923هـ / 1517م ) . وفي عهد السلطان عامر توسعت حركة العمران في المدينة . فقد شهدت ظهور حي جديد كتب له أنّ يكون من أشهر الأحياء الشعبية في مدينة عدن وإنّ لم يكن أشهرها على الإطلاق حتى يومنا هذا , ولقد ظهر هذا الحي في أطراف المدينة ، وصفه المؤرخ عبد الله محيرز بأنه : «كان مليئًا بالأكواخ والعشش» . ومع مرور الأيام والليالي، غص بالناس وأمتلئ بالدكاكين وشيدت فيه الأسواق مثل سوق التمر وسوق الكدر (وهو نوع من الطعام ) . [c1]حي الشاذلية[/c] وتذكر الروايات التاريخية بأنّ هذا الحي ، كان مقرًا ومركزًا للطرق الصوفية وأهمها الطريقة الشاذلية ، والطريقة الأحمدية ، وكانت الأولى مريدوها وأتباعها أكثر عددًا ونفوذاً من الأخيرة ومن المحتمل أنّ تكون الطريقة الشاذلية وجودها كان أقدم من الطائفة الأحمدية في المدينة. وتروي الروايات الشفهية بأنه كانت تدور بين الحين والآخر معارك طاحنة ومؤلمة بين مريديها وأتباعها ما دفع بالطريقة الأحمدية الانسحاب من هذا الحي تاركة للطريقة الشاذلية وأتباعها ومريديها الإنفراد بالحي الجديد والسيطرة عليه . وانتقلت الطريقة الأحمدية إلى مدينة الشيخ عثمان وهناك اكتسبت شعبية واسعة وعريضة ، وتألق نجمها ، ومازال مسجدها المتواضع موجود حتى يوم الناس هذا . ويذكر الأستاذ عبد الله محيرز ، بانّ حي حسين الأهدل كان يضم في ثناياه عدد من الأربطة الدينية ( المعاهد الدينية ) والزوايا الصوفية. وبعد فترة ليست طويلة أسس مسجد في هذا الحي أطلق عليه اسم ( حسين الأهدل ) وهو الصوفية واسمه بالكامل حسين بن الصديق الأهدل المتوفى ( 903هـ / 1498م ) الذي جاء من قرية ( أبيات حسين ) في زبيد ، وألقى عصا الترحال في مدينة عدن التي كانت مدينة العلم والعلماء والفقهاء ، بعد أنّ طابت له الحياة في أحضانها ، وقيل كان يلقي دروسه في هذا المسجد ، وعندما توفاه الأجل دُفن فيه . وتيمنًا به سمي هذا الحي على أسمه . وقيل أنّ هذا الحي ، كان يسمى قديمًا باسم حي الشاذلية لكونه كان مقرًا للطريقة الشاذلية ـــ كما ذكرنا سابقاً ـــ .[c1]في ليالي رمضان[/c] وعندما يعلن عن رؤية هلال شهر رمضان المبارك يتلألأ ويتألق حي حسين الأهدل بالنور ، والضياء ، ويرتدي حُلة من الجمال والرواء ، وتخرج الطرق الصوفية المختلفة المشارب بزيها المتميز البديع في شوارع وأزقة الحي ، فتصرح أصواتها بالأناشيد الدينية . وتغمر حسين الأهدل طوال شهر رمضان أنوار روحانية فالمساجد تمتلئ بالمصليين العابدين ، السابحين الذاكرين ، وترى الدكاكين بمختلف نشاطها التجاري مفتحة الأبواب ، ولا تغلق إلا عند آذان صلاة الفجر . [c1]مع محافظ عدن[/c] ونافلة القول ، لا يختلف اثنان بأنّ محافظ محافظة عدن الدكتور الأستاذ عدنان الجفري الممتلئ شبابًا وحيوية ، ونشاطًاً ، وعلمًا ، وفهمًا . والذي نأمل على يديه كل الخير في الحفاظ على معالم تراث عدن ثغر اليمن ومنها حي حسين الأهدل والذي يعد من أقدم الأحياء الشعبية في عدن بل وفي اليمن قاطبة و الذي تعرض مع الأسف الشديد من فترة ليست قصيرة إلى عوامل التعرية المتمثلة بالجهل وعدم معرفة قيمة التراث والآثار والذي هو جزء لا يتجزأ من تراثنا اليمني الإسلامي العريق والإنساني أيضًا . وهذا مسجد حسين الأهدل الذي يبلغ من العمر عتيا والذي تقول عنه الروايات التاريخية بأنه أسس منذ أكثر من أربعة قرون تعرض ويتعرض إلى طمس هويته الأصيلة والأصلية بصورة تثير إلى الحزن والأسى الكبيرين . ولقد أوغلت فيه معاول الهدم بسبب الارتجالية والعشوائية في ترميمه التي لا تستند لا على علم ولا على الذوق الجمالي . ومن ناحية أخرى يسترعي نظرنا أيضًا أنّ الباعة وخاصة باعة ( القات ) يحتلون مساحات واسعة من الأرصفة فيزاحمون المارة من ناحية ويحيلون الشارع إلى قمامة من جهة أخرى فيخدشون وجه حي حسين الأهدل العريق ، وأنني أكاد أجزم بأنّ محافظ عدن الدكتور الجفري لديه خطة واضحة للحفاظ على تراث وتاريخ وآثار مدينة عدن الضاربة أعماقها في جذور فجر الحضارة اليمنية الرائعة.
|
تاريخ
حي «حسين الأهدل»
أخبار متعلقة